أضواء
في الوقت الذي تسعى فيه الدولة بكافة مؤسساتها ـــ الدينية منها والمدنية ـــ إلى الانعتاق من إرث التطرف والغلو، نجد بعض شيوخ الرعيل الأول الذين يعيشون خارج الظرف الزماني والمكاني للعالم المتحضر يصدرون الفتاوى التكفيرية والآراء الدينية الموغلة في الإقصاء والتشدد الديني.لقد عانت البلاد والعباد على مدى أكثر من عقدين من التبعات السيئة التي ترتبت على مثل هذه الفتاوى التي ينساق لها العامة بفعل التعصب الأعمى لشخصية دينية مؤثرة في تفكيرهم ومعتقدهم، أو بسبب الانجراف في تيار العاطفة الكربونية التي لاتفرز ولا تمحص ولا تستقرئ الواقع بشيء من التأني والتدبر والحكمة.أقول هذا منذ زمن وأعيده الآن ليس للاستهلاك الكتابي، بل بعد أن قرأت فتوى للشيخ عبدالرحمن البراك في موقعه الرسمي تجيز القتل وتبيح سفك الدماء وتهدد النفوس المطمئنة، بسبب الخلاف حول حكم شرعي هامشي كمسألة الاختلاط التي صدعوا بها رؤوسنا، وتصف هذه الفتوى من يجيز أو يرضى بهكذا عمل بالمرتد والديوث، وكأن مشكلاتنا مع البطالة والفقر والفساد المالي والإداري وهدر المال العام واستغلال السلطة وتراجع التعليم وتردي الصحة قد انتهت، ووضعت الحلول المناسبة لها، ولم يتبق لنا سوى الحديث عن حكم الاختلاط ووجوب إعفاء اللحية وتجريم مستمعي الموسيقى!تقول فتوى الشيخ البراك بعد تحريمه القاطع لمسألة الاختلاط في ميادين العمل والتعليم والتي صدرت قبل يومين: (ومن استحل هذا الاختلاط ـــ وإن أدى إلى هذه المحرمات ـــ فهو مستحل لهذه المحرمات، ومن استحلها فهو كافر، ومعنى ذلك أنه يصير مرتدا، فيعرف وتقام الحجة عليه فإن رجع وإلا وجب قتله)!لن نتناقش في التفصيلات الشرعية لهذه الفتوى التحريضية، فهناك رجال دين وسطيون ومتخصصون معتدلون يجيدون في فك طلاسمها المتشعبة وتفكيك عباراتها المفخخة ونزع فتيل مثل هذه القنابل الموقوتة، بل سنفكر بصوت عال ونتساءل بصوت أعلى: ما الجدوى من إطلاق مثل هذه الفتاوى في عصر الحوار والاختلاف وحوار الأديان وتقبل الآخر؟!ولماذا لم يتم تفعيل قرار تقنين الفتوى، بحيث تضطلع المؤسسة الدينية متمثلة في هيئة الإفتاء من قبل كبار العلماء المعتمدين رسميا بإصدار الفتاوى الدينية التي تراعي مصالح المواطن الحياتية والوطن المصيرية؟!إن التأثر أو الأخذ بمثل هذه الفتاوى التكفيرية تشحن النفوس وتوغل الصدور وتجعل الخلايا الإرهابية النائمة تجد ذريعة للجهاد المزعوم تحت مظلة شرعية لتستبيح دماء تسعة أعشار سكان الأوطان العربية والإسلامية؛ ذلك لأن شؤونهم الحياتية مختلطة بشكل عفوي ومبنية على مصالح دنيوية ومنافع حياتية كانت تمارس في عهد الصحابة الكرام في سلمهم وحربهم دونما توجس أو ريبة.. ويكفي![c1]*عن/ (الجزيرة)[/c]