أطياف
مَنْ عَرفَ لغةَ قومٍ أَمِنَ شرَّهم، هكذا قيل لنا عندما بدأنا بتعلم اللغة الفرنسية في القسم الفرنسي هنا في عدن / وبحسب هذه المقولة يمكن استنتاج أنّ تعلُّم لغات الشعوب الناطقة بغير اللغة الأم للفرد مهمٌ وضروري، على عكس ما يُقال أحياناً بأنّ تعلُّم لغات أخرى لا يعني سوى الترف والغطرسة والتعالي بالذات، فأهمية اللغات تبرز من خلال تفعيل وتعميق أطر الاتصال بالآخرين والتعرف على طرق معيشتهم كعاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم وآدابهم.بمعنى كيف يفكرون؟ وكيف يتفاعلون في محيطهم؟ وكيف يتسنى للفرد القدرة على إدراك مجريات الأحداث والوقائع والأفعال المرتبطة بوجوده ووجود الآخرين بمختلف لغاتهم، ليتم التفاعل بينهم أما بإيجابية أو سلبية تجاه هذه الأحداث والأفعال بالتأثير والتأثر بما هو كائن؟اللغة هي وسيلة التعارف والتفاهم والتقارب بين الأفراد والجماعات فيما بينهم وفي محيطهم وبين الشعوب أيضاً. وقديماً وقبل أن يتعلَم الإنسان النطق كانت اللغة عبارة عن إشارات وعلامات تسهل عليه الاتصال ونقل المعلومات والتفاعل مع المحيط ومكوّناته من إنسان وحيوان وطبيعة بشكل عام.وتقيّم اللغة بأنّها وعاء الفكر، لأنّها تشكل القدر الكبير من كمية المعلومات أو في يومنا هذا أصبحت وسيلة ضرورية مهمة جداً، ومن مقتضيات عصر العولمة وثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجديدة التي اخترقت العالم بقوةٍ لتجعله قرية صغيرة تتداخل فيه الشعوب مع بعضها البعض بثقافاتها وآدابها وفكرها وطريقة عيشها مما ولد احتياجاً شديداً لفهم وترجمة لغات شعوبها.في هذا السياق وفي خضم هذه المتغيرات العالمية تبدو اللغة وكأنّها بدأت تفقد خصوصيتها وقدرتها على الاحتفاظ بأصالتها ودقة مفرداتها التي تداخلت مع مفردات لغات أخرى، وتأثرت بهوياتها نتيجة هذا الانفتاح العالمي، وفي هذا الشأن كم كافحت دول كثيرة لأجل الحفاظ على لغاتها وخصوصية مفرداتها من تداخل مفردات اللغات الأخرى على لغاتها الأم.بالرغم من اختلاف الآراء حول أهمية تعلم اللغات الأجنبية أو عدم أهميتها، إلا أنّها تدرس في المعاهد والثانويات وأقسام اللغات في الجامعات بل وتوجد هناك جامعات خاصة لتدريس اللغات الأجنبية في البلدان العربية والأجنبية على السواء.ولما كان من الضرورة تعلُّم اللغات وإتقانها، فمن الضروري معرفة كيفية تعليمها وطرق نقلها وإكسابها بالممارسة كالقراءة والإطلاع ومحاولة الاختلاط بمتحدثيها أو عن طريق اكتسابها في المعاهد والكليات عبر مدرسين ومناهج دراسية نمطية.وفي هذا الجانب – للأسف الشديد – تفتقد معاهدنا وأقسام تدريس اللغات عندنا إلى كفاءات ووسائل ومناهج مؤهلة ذات طابع سلس ومحفز لاكتساب واستساغة اللغات الأجنبية اللغة الأم، وهنا تجدر بنا الإشارة إلى أنّه قبل البدء بتعلم لغات أخرى يفترض الإلمام باللغة الأم وبقواعدها النحوية وفهم مفرداتها ولتسهيل إتقان عملية الترجمة الصحيحة والدقيقة مِن وإلى اللغة الأم.إحدى مشاكل تعلُّم اللغات عندنا عدم معرفة اللغة العربية جيداً والتي أُهملت دراستها ودخلت عليها مفردات جديدة نتيجة التداخل مع لغات الشعوب الأخرى، خصوصاً بعد موجة الاستعمار الغربي التي غزت العالم العربي منذ القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين فأضعفت اللغة العربية، بل وألغتها في بعض ا لدول وطغت لغاتها على لغة هذه الدول العربية، كالإيطالية والفرنسية والإنجليزية.. وحديثاً إثر انفتاح العالم وعصر العولمة بمفرداته ومصطلحاته الجديدة على اللغة العربية.. والنتيجة أجيال ضعيفة لغوياً مهزوزة الهوية وغير قادرة على التفاعل الجاد ثقافياً واجتماعياً وفكرياً وعقلياً مع مجريات عصر السرعة وتقنية المعلومات والتي أحرزت فيه دول الغرب موقعاً متقدماً متفوقاً على خلاف دول العالم العربي.ولعل من أهم أسباب ما تقدّم هو ابتعاد الشباب العربي عن القراءة والإطلاع وحب الاكتشاف وتحقيق الذات، وضعف الرغبة لديهم بتحصيل العلم والانتفاع به. فها هي دول الغرب شرعت بتعليم أبنائها اللغة العربية، بعدما أدركت أهمية ذلك في فهم الإسلام وثقافته ليتمكنوا من التعامل معه.والحال أنّ للغة فوائد كثيرة في عدة مجالات وجوانب من الحياة، فالإعلامي يحتاج لها كما يحتاج لها رجل الأعمال والمسافر إلى دولٍ أجنبية.وفي رأيي أنّ التعامل الإيجابي مع هذه اللغات الأجنبية يفترض اكتسابها من منابعها بتوفير طاقم تدريس ناطق باللغات المُراد تدريسها. وبما أنّ اللغةَ الإنجليزية هي لغة التواصل عالمياً يفترض الإلمام بها ومحاولة اكتسابها لتسهيل اكتساب لغات أخرى وكما ذكرت آنفاً قبل كل ذلك تكون المرجعية للغة الأم وأهمية إتقانها.