كان قريبا ذلك اليوم الذي قررت فيه أن أنضم إلى احد الأحزاب ، حيث لم أكن مقتنعة بفكرة أن أكون عضوا ًفي حزب ما ، لكني أعترف بأن قرار الانخراط في عضوية احد الاحزاب السياسية كان في بداية الأمر يعكس رغبة شديدة في داخلي لإحداث نوع من التغيير في حياتي حتى لا يتسلل إليها الملل والرتابة بالرغم من أنني أعمل ليل نهار !!كنت دائما أتجنب الدخول في لعبة السياسة والأحزاب وحتى الآن لم أشارك في أي انتخابات مرت بها بلادنا ، إلا أنني ومن خلال متابعتي للانتخابات الفرنسية الرئاسية عبر وسائل الإعلام العالمية التي سلطت الضوء عليها وجعلتها في مقدمة أخبارها اليومية وجدت نفسي منشغلة بمتابعتها خاصة وأن هناك امرأة كانت مرشحة لرئاسة الجمهورية الفرنسية لأول مرة منذ قيام الثورة في 1789وبداية تأسيس الحكم الجمهوري مرورا بقيام خمس جمهوريات لم تكن المرأة فيها حتى مجرد منافس .وقد أعجبني كثيرا ذلك التفاعل والحماس من الشعب الفرنسي بكافة قطاعاته ومختلف أحزابه مع انتخاباتهم سواء كانوا أصحاب اليمين أو أصحاب اليسار. تذكرت هنا موقفي السلبي نحو الانتخابات ، وسألت نفسي لماذا هذا الغياب والانسحاب من الساحة السياسية وهو أساسا غياب اجتماعي على اعتبار أنني فرد في المجتمع ومن واجبي أن أشارك فيما يخصه ويحدث فيه من تغييرات ومؤثرات ؟!ثم تذكرت أنني لطالما كنت أرى في الأحزاب والتنظيمات السياسية وكأنها عدو ينبغي الابتعاد عنه وتجنب مخالطته بسبب المآسي والإفراط في الفهم الخاطئ للعمل الحزبي وما يرتبط به من صراعات حادة كثيرا ما يتداولها الناس في الشارع العام بعد أن أدت إلى خلق الحروب والتناحرات فيما بينها لغرض الوصول إلى السلطة ، ولهذا حاولت الابتعاد عن الاحزاب بل ولم تكن لدي رغبة في الانتماء لأي منها .الثابت أن السياسة لها دورها الهام في تصحيح مسار الحكم في الأنظمة والحكومات على مر الأزمنة ، ولان السياسة تعتبر حجر الزاوية في برامج الاحزاب السيايسية وتوجهاتها الفكرية ، فقد كان لابد من أن تتعدد فنونها وألاعيبها وطرقها لتحقيق هدف الإصلاح الشامل للحكم .ولكونها كذلك لابد أن تتخذ لها مضامينها الخاصة وتنحصر في جماعات مدنية معينة لها مسمياتها مع أو ضد النظام الحاكم .ومن هنا تكون فكرة الأحزاب السياسية فكرة بناءة وفعالة بل وضرورية لتنظيم وتقييم السلبيات والايجابيات الناتجة التي تتخلل أجهزة نظام الحكم لأي دولة ، حتى وان كانت أهدافه الوصول إلى سدة الحكم وهذا حق مشروع لأي حزب سياسي لكن بطرق مشروعة وبفرص متكافئة للأقدر والأجدر.ولهذا يعرّف الحزب السياسي بحسب وجهة نظر رجل الدولة «ادموند بيرك» أنه جماعة من الرجال والنساء اتفقت على مبدأ يمكن من خلاله خدمة الصالح الوطني. وهذا ما جعلني أهتم بفكرة انضمامي لأحد الأحزاب وبدأت قناعاتي بترسيخ هذه الفكرة في رأسي لا لأجل طرد الروتين كما كنت أحدث نفسي بل من أجل أن يكون لي دور فاعل وصوت في تقييم أي اعوجاجات في النظام الحاكم عن طريق الحوار والالتقاء حول النقاط المشتركة التي تهم جميع الأحزاب السياسية في عملية الإصلاحات الشاملة .غير أن هناك من يتوسع في تعريف الحزب السياسي بحيث ينطبق على التنظيمات الحزبية في سائر النظم السياسية، فمثلاً يرى جيمس كولمان ان الحزب عبارة عن تجمع له صفة التنظيم الرسمي هدفه الصريح والمعلن هو الوصول إلى الحكم والاحتفاظ به اما بمفرده أو بالائتلاف أو بالتنافس الانتخابي على تنظيمات حزبية اخرى داخل دولة ذات سيادة فعلية أو متقوقعة. وعلى العكس من هذا التعريف الموسع للحزب هناك من يقصر تعريف الحزب السياسي على الوحدات التي تسعى للوصول إلى السلطة في النظم القائمة على التنافس الانتخابي خاصة النظم الديمقراطية الغربية.ويقترب جوزيف لا بالومبارا من التعريف السابق في رؤيته للحزب السياسي على انه تنظيم رسمي هدفه الرئيس هو وضع أشخاص في المناصب العامة والاحتفاظ بهم بحيث يهيمنون وحدهم أو بالائتلاف مع غيرهم على إدارة الحكم التي تتولى صياغة وتنفيذ السياسات العامة، وفي ضوء ذلك يحدد لنا اربعة عناصر لمفهوم الحزب السياسي: 1-استمرارية التنظيم: أي وجود تنظيم لا يتوقف المدى العمري المتوقع له على المدى العمري للقادة المنشئين له.2-امتداد التنظيم إلى المستوى المحلي مع وجود اتصالات منتظمة داخلية وبين الوحدات القومية والمحلية. .وحقيقة أعجبني موقف الأخ الأستاذ عبد الرحمن الحفري رئيس حزب رابطة أبناء اليمن ( رأي) في أخر مقابلة أجريت معه عبر قناة الجزيرة والتي عبر فيها عن مواقفه تجاه النظام القائم بأنها مواقف ايجابية وتسعى إلى مسار إصلاح شامل بالالتقاء عبر القواسم المشتركة وليس عبر تقسيم السلطة كما حدث قبل حرب صيف 94 ، وهذا هو التفاعل البناء والهادف الذي أشرت إليه ، لا أن نقف على الأطلال ونظل نندب حظنا على أخطاء ارتكبت من الجميع نتيجة التوسع في فهم مضمون الحزب والابتعاد عن حقيقته السلمية في عملية البناء والتنظيم والتقييم .هكذا صرت أقبل فكرة الحزب وفكرة المشاركة في العمليات الانتخابية وفكرة أن يكون لي دور ــ ولو بسيط ــ في عملية الاصلاح الشامل عن طريق صوتي ومحاولة اختيار الأكفأ والاقدر على قيادة البلاد ، كما فعل الفرنسيون في انتخاباتهم الرئاسية .
ما تيسر عن الحزبية والأحزاب
أخبار متعلقة