صباح الخير
*أمس الأول وجدت نفسي روحاً وجسداً تتمرد على كل شيء حولي .. قررت هكذا فجأة أن اقطع نفسي عن العالم ، أغلقت جهازي الموبايل ، خاصمت الحديث حتى مع أقرب الناس إلى قلبي ، الحفيد الطفل / علي ، الذي وحده استطاع قبل خمسة أعوام وحتى اليوم أن يقنعني بحب الحياة ... كما فعل الأستاذ والأخ والصديق / أحمد الحبيشي أن يقنعني بحب مواصلة العمل وإعادة الثقة إلى نفس قهرتها قسوة الأحباء وضياع الوفاء .. فكانت روح الحبيشي وبراءة الطفل علي صك عودتي إلى الحياة .. وهذا الاعتراف لا أخجل منه ، بل أعتز به في زمن ثلاثة أرباع منه حالك بالسواد .*فعلت ذلك أمس الأول حتى الثامنة مساء لا أدرى كيف وجدت نفسي وسط مجموعة من الأهل ، نعم الأهل وليس الأصدقاء ، لم اجتمع معهم لسنوات طويلة أكثر من ثلاثة عقود .. ولا أعرف سبباً لهذه المناسبة التي أعادتني إلى الزمن الجميل الذي عشته بكل براءة الأطفال وطيش الشباب وحلم العاشقين ، وأنا وسط الأهل وجميعهم نساء اليوم ولقائي الأخير بهن قبل أكثر من ثلاثة عقود كن فتيات ، زهرات ومازالوا ، طموحات عاشقات للدراسة ، وهاهن اليوم ، دكتورة ، مهندسة ، مدير عام أقول وأنا وسطهن شعرت بأنني أعود إلى زمني الجميل ، ليس فقط لأنني ألتقي أهلي ، بل أنا في حديقة لم تصل إليها الرياح العاتية لتقلع من داخلها هذه الزهور ، فكلما مرت السنوات، تتفتح الزهور وتزداد جمالاً طبيعياً وعلمياً وثقافيا . *ساعتان كأنهما دهر ، كنت وأخي وحفيده / علي ، نجلس مع هذه الزهرات .. وعدت إلى منزلي وقد سقط قراري السابق بالعزلة عن العالم .. عدت بروح جديدة وهواء جديد يضخ في رئتي انسياني عذابات الألم التي لم تفارق جسدي منذ عدة سنوات .. فجأة دون مقدمات شعرت برغبة شديدة في النوم المبكر ، الحادية عشرة مساءا ، فأنا منذ سنوات الألم لا تعرف عيناي النوم قبل أذان الفجر ، ومع هذا الوضع غير السوي ضاعت الأحلام من حياتي !! فمتى أحلم ؟! لا أنام الليل .. ومنامي قصير في النهار ، وبقية النهار في الصحيفة التي وحدها تعوضني الراحة من هذا الألم وسواد الليل الذي صار صديقي . *عدت أمس الأول لأحلم من جديد !! نعم أحلم من جديد !! صدقوني أحلم بعد أربع سنوات من يقظة تخاصم الأحلام .. سنوات كادت توصلني إلى نسيان الأحلام ، وأن الإنسان بعد العقد الرابع لا يحق له أن يحلم !! .. فكل شيء تغير اليوم وتحديداً واعتباراً من أمس الأول الثلاثاء ، بعد ساعتين من الاجتماع غير المتوقع مع الأهل .. وليس الأصدقاء !!*حلمت بأن الله أعاد إلى الحياة من جديد .. حياة تنسيني سنوات طويلة مرت تخبطت فيها شمالاً وجنوباً ، شرقاً وغرباً .. سنوات تاهت فيها سفينتي أكثر من مرة في المحيطات وعند الوصول إلى الشاطئ أجده شاطئاً آخر ليس الذي من أجله ركبت السفينة للوصول إليه !! سنوات سرقت عمري ولم اسرقها أنا .. حلمت بأنني أخيراً أسير فوق سفينتي بالاتجاه الصحيح .. العودة إلى الإيمان الحقيقي ، إلى الأسرة .. الأهل .. البذور الأولى .. الأصل .. الحديقة التي تسكنها الزهرات .. حلمت بأن الحلم جميل .. حلم بدون أشباح .. بدون خيانة .. عدم الوفاء .. قلة الضمير .. بدون أصدقاء اليوم ، الماديات ، الروح العدوانية .. بعالم يكره الحب .. يذبح القلب ، يسرق الكلمات الجميلة من اللحن الجميل .. حلمت أنني قريباً سأتعلم لغة الزهور وأعرف أسماءها .. وأعانق زهرة في حديقة الأهل وليس الأصدقاء !! *هل عرفتم الآن معنى أن أعود من جديد إلى الحلم ؟!