تقيم جامعة عدن في الفترة 13 - 15 نوفمبر ندوة بعنوان "ندوة المناضل محمد علي لقمان رائد حركة التنوير في اليمن" وحسناً تفعل الجامعة بإقامة هذه الندوة عن هذا الرجل الفذ ولا أقول هذا تحيزاً لجدي لأمي ولكن للرجل الذي عرفته معرفة وثيقة مدة ربع قرن وعرفت فيه رجلاً غير اعتيادي متعدد المواهب والجوانب من إنسانية وثقافية وفكرية وسياسية وعملية وإبداعية إلخ..ولأنه متعدد الجوانب فالحديث عنه يطول وكم أتمنى أن تجمع المقالات التي كان قد سجل فيها جوانب من ذكرياته ونشرها في حلقات في صحيفته "فتاة الجزيرة" وهي تتجاوز المئة حلقة فهي كفيلة بأن تلقي الضوء على كثير من حياة وتجارب هذا الرائد الذي لا تخلو سيرته من المغامرات والرحلات الممتعة ، وفي هذه المقالة سأتناول فقط رسائل المحامي محمد علي لقمان إلى رجل التنوير المناضل التونسي الشهير عبدالعزيز الثعالبي وهي ثلاث رسائل حصلنا عليها من كتاب عبدالعزيز الثعالبي "الرحلة اليمنية" وربما كانت هناك رسائل أخرى غير التي وردت في الكتاب كما لم نحصل على رسائل الثعالبي للقمان فقد ضاع كثير من أوراق لقمان ومكتبته ومن ضمنها مجلدات " فتاة الجزيرة" التي تحوي مقالاته ومذكراته المذكورة آنفاً بعد أن عصفت بعدن التقلبات السياسية منذ الاستقلال فجاءت حكومات حاولت طمس جهود المناضلين والأدباء الرواد بدلاً من الاعتزاز بهم وتخليدهم فدمرت تراثهم وهاهو الحق يحصحص وتقيم جامعة عدن ندوة لتكريم لقمان وإزالة غبار النسيان عن بعض تراثه وعسى أن تكون هذه أول قطرة من الغيث .أما عبدالعزيز الثعالبي (1876 - 1944) فقد كان زعيماً عربياً كبيراً ومن رواد التنوير في أوائل القرن العشرين مثله مثل الأمير شكيب أرسلان والسيد رشيد رضا ومحمد كرد علي ومحمد علي الطاهر ( وكان لقمان على صلة بمعظم هؤلاء ويعرف بعضهم بشكل شخصي مباشر). وكان الثعالبي على رأس الحرب الحر الدستوري التونسي في عهد الاستعمار الفرنسي الذي نفاه من تونس فتنقل في بلدان كثيرة ولجأ الى مصر وزار بلداناً كثيرة منها اليمن وكانت رحلته الأولى إليها بين 12 أغسطس و17 أكتوبر من عام 1924م واتصل برجال الفكر بعدن ومنهم أحمد محمد سعيد الأصنج رئيس نادي الإصلاح الإسلامي بعدن مؤلف كتاب " نصيب عدن" وشقيقه عبدالمجيد الأصنج الذي حيّاه بقصيدة وصالح علي لقمان شقيق محمد علي لقمان الأصغر كما نزل ضيفاً على سلطان لحج عبدالكريم فضل والتقى شقيقه الشاعر القمندان أحمد فضل العبدلي مؤلف كتاب " هدية الزمن" والأمير مهدي بن علي والسيد علوي الجفري الوزير الاكبر للسلطنة ثم سلطان الحواشب محسن بن علي وأخيراً نزل ضيفاً على الأمام يحيى حميد الدين وتباحث معه ورجال دولته في شؤون السياسة وزار بعض أنحاء المملكة المتوكلية ومرضاً شديداً كاد يودي بحياته.وزار الثعالبي اليمن ثانية في نوفمبر 1926م وألتقى الإمام وحاول أن يصلح بينه وبين الملك عبدالعزيز بن سعود وفي ديسمبر من عام 1933م توقف في عدن أثناء رحلة الى الهند والتقى مجدداً برجال الفكر والثقافة فيها . ثم زار الحوطة ونزل في ضيافة سلطان لحج هناك.وكان الثعالبي يلقي الخطابات ويحمس رجال الفكر على العمل من أجل الاستقلال والتقدم والعلم والعمل.في الرسالة الأولى للقمان المؤرخة 20 رمضان 1345هـ مارس 1927 يعلم لقمان الثعالبي بأنهم أسسوا نادياً للأدب العربي في شعبان السابق وهو ما كان الثعالبي قد شجعهم على القيام به خلال زيارته السابقة . كما يتحدث لقمان عن مواضيع سيدرسها النادي ومنها تأسيس جريدة عربية في عدن وهو ما قام به لقمان في أول يناير عام 1940 عندما أنشأ شخصياً صحيفة " فتاة الجزيرة" وكان المهاتما غاندي ممن شجعوه على القيام بذلك كما ينقل لقمان تحيات والده علي إبراهيم لقمان " رئيس إدارة الدولة العربية في عدن " الى الثعالبي .ونعرف من الرسالة أن لقمان لم يكن قد التقى الثعالبي شخصياً .وفي الرسالة الثانية المؤرخة 13 أبريل 1935يتحسر لقمان على تنازل الإمام يحيى عن المحميات لبريطانيا ويعتبر أن تأسيس المخافر والمطارات ومحطات اللاسلكي تساعد البريطانيين على سلب حرية عدن ويرى أن "مدرسة جبل حديد" لأبناء الأمراء والسلاطين في القلعة التي كانت سجناً لسعد زغلول وسعيد باشا وغيرهما من الأحرار هي مدرسة صورية ليس إلاّ.وفي الرسالة الثالثة والأخيرة المؤرخة 9 أبريل 1936يذكر لقمان أنه كتب رسالة للملك غازي عاهل العراق يطلب منه أن يستضيف العراق عشرة من الطلبة العدنيين للدراسة في جامعة بالعراق ومنهم اثنان من أولاده ويطلب من الثعالبي أن يشجع العراق على الموافقة على الطلب وقد أرسل لقمان أحد أولاده الاستاذ عبدالرحيم لقمان - رحمه الله - فيما بعد إلى العراق وكان عبدالرحيم أحد اساتذتي في المدرسة المتوسطة.وفيما يلي الرسائل الثلاث التي آمل أن تضاف الى الطبعة الثانية من أعمال لقمان التي أصدرها أ.د/ أحمد علي الهمداني والتي تحوي سبعة من مؤلفات لقمان التي تبلغ على الأقل 12 كتاباً عدا مئات المقالات وقد عثرت مؤخراً على نسخة فريدة من كتابه" الشعب البريطاني" وأوصلته الى المهندس ماهر لقمان ليضيفه الى الطبعة الثانية من كتاب الهمداني .[c1]الرسالة الأولى [/c]عدن 20 رمضان المعظم 1345هـ (مارس 1927م)سيدي الفاضل زعيم الشرق ونبراس الفضل السيد عبد العزيز الثعالبيتحية وسلاماً عليكم ورحمة الله وواجب الاحترام لشخصكم الكريم.الله أرجو أن يكلأكم بعين عنايته، آمين.وبعد، فإنه تأبى النفوس الشماء والأرواح الحية المتوقدة عزماً وحباً خالصاً إلى الطموح، إلا العلى، وتخليد ذكرها في القلوب والأفكار، بل تأبى أن تصل إلى ذرى المجد بمفردها، فلذا تراها عاملة لإسعاد المجتمع البشري، مجتذبة نحوها كل روح أخرى ترى فيها شمائلاً تواقة لارتقاء سلم السؤدد العالي، ولا إخال بأنكم رأيتم شيئاً من ذلك في الشبيبة العدنية. بيد أنكم ما عدا هذا فقد قمتم لدى بقائكم بين ظهرانينا مشجعين لنا حتى أننا أبرزنا إلى حيز الوجود نادينا "نادي الأدب العربي" يوم 10 شعبان الماضي. ولقد تم الاحتفال بافتتاحه طبق المرام بحضور زبدة من أفاضل عدن ونخبة من شبانها الناهضين بفضلكم. فكانت ألسنتنا تكرر ذكركم، شاكرة فضلكم العميم، فلا زلتم من دعائم النهضة العربية، بارك الله في أمثالكم.ونرجو أن تتكرموا علينا بإرسال رسمكم الكريم كي نضعه في نادينا أنموذجاً للتضحية في سبيل الإنسانية فنثابر في نيل مقاصدنا.وهذه عناوين المواضيع التي سيدرسها النادي :1- توثيق عرى الرابطة العربية.2- رفع منار الأدب العربي.3- تخليص اللغة العربية من الدخائل المشينة.4- انتشال الشبيبة العربية العدنية من وهدة السقوط.5- تأسيس جريدة عربية في عدن.6- تأليف تاريخ لعدن واليمن.واقبلوا يا سيدي فائق احترام أعضاء نادي الأدب العربي ومنهم الوالد علي ابراهيم لقمان رئيس إدارة الدولة العربية في عدن وولده محمد علي ابراهيم الذي لم يسعده الحظ بالتشرف بمعرفتكم شخصياً. ودمتم.* مدير نادي الأدب العربي، عدنمحمد علي إبراهيم لقمان [c1]الرسالة الثانية[/c]عدن في 13 أبريل 1935ممولاي النبيل، الجليل، العلامة الأستاذ عبد العزيز الثعالبي، حفظه الله.بعد السلام والأشواق وتقبيل يديكم الكريمتين أرجو أنكم سيدي في عافية وخير، وقد جاءني الأخ علي محمد ناصر منذ يومين نازلاً من الباخرة الأمين وسألته عنكم فذكركم بما يسر ويفرح.اليمن يا مولاي ضاعت تقريباً كلها، فإن المحميات أصبحت الآن بعد اعتراف الإمام بتنازله عنها جزءاً من الإمبراطورية الحمراء (بريطانيا). وقد شرعت حكومة عدن تعمل بهمة ونشاط لتأسيس المخافر وميادين الطيران والمطارات ومحطات اللاسلكي وغير ذلك من وسائل سلب الحرية. وأقامت كلية "صورية" لأبناء الأمراء في القلعة التي كانت سجن الأحرار مثل سعد زغلول وسعيد باشا وغيرهما، واليمن الإمامية تتخبط في دياجير من ظلمات الجهل والحمق.والحبشة لا يمر عليها بضعة أشهر إلا وقد أصبحت في بطن ايطاليا وربما غيرها أيضاً من الدول التي يجب أن تغض النظر عن هذا الابتلاع.لا أدري والله يا مولاي! إن كان الشرق سينهض من كبواته وهذه حالته المخنقة من الجهل والفوضى والفقر والانحلال والتدلي الأخلاقي.هل يمكنكم أن تطلبوا من إدارة جرية "كوكب الشرق" أن تتكرم بإهداء جريدتها لنادي الإصلاح العربي الإسلامي بعدن؟ وإني على استعداد أن أكتب لها أخباراً من عدن حيناً فحيناً.والسلام عليكم من جميع المحبين، خصوصاً أعضاء نادي الإصلاح العربي الإسلامي، فإنهم يذكرونكم دائماً ويتذكرون آراءكم ويطبقونها على الواقع فيجدونها تنبؤات صادرة عن علم واختبار. هل أخبار ابن جلول في تونس صحيحة؟ وهل يصح لنا أن نفرح؟ أم جعجعة بلا طحن، أسألكم لأنكم يا مولاي أعلم الناس وخصوصاً بتونس وما يجري فيها والله يحفظكم.الوالد والإخوان والأولاد يقبلون يديكم.* ولدكم/ محمد علي ابراهيم لقمان [c1]الرسالة الثالثة [/c]عدن في 9 ابريل 1936مجناب مولاي العلامة الجليل الأستاذ عبد العزيز الثعالبي، حرسه الله.السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أما بعد، فإني منذ زمن طويل أحاول أن أكتب إليكم ،لكني لم أكن أعرف عنوانكم في مصر تماماً، وإن كنت أعرف في شهرتكم غنى عن العناوين.وجاءني الأخ علي محمد ناصر وهو مغرم بكم وتفضل عليّ بعنوانكم الجديد.. وها أنا أكتب إليكم اليوم، وقد عدت إلى عدن من بلاد الصومال راجياً أنكم في خير وعافية.ستذكرون أني كنت ذكرت لكم رغبتي في إرسال بعض أولادي إلى الخارج ليتعلموا. وقد كتبت أخيراً خطاباً للملك غازي (عاهل العراق) ورجوته أن يسمح لنا في عدن أن نبعث عشرة تلامذة إلى العراق ليتعلموا إسوة بإخوانهم اليمنيين، وذكرت أني سأرسل ولدين من أولادي وسبعة آخرين من أبناء عدن.وإلى الآن لم يردني جواب رغم مرور 3 أسابيع.وأظن أني سأبعث ولداً وأخاً إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، إذا قبلت أن تخفض لي الأجرة والمصاريف، فما هو رأيكم؟ هل هذه الجامعة نافعة؟.وهل بوسعكم يا مولاي أن تساعدونا في العراق؟الوالد والأولاد والأخوان وأعضاء النوادي يذكرونكم دائماً وفي كل حين ويتذكرون نظرياتكم وآراءكم وخطبكم.والسلام عليكم في كل حين آمين* ولدكم المخلص محمد علي ابراهيم لقمان / عدن
|
ثقافة
رسائل محمد علي لقمان إلى الزعيم التونسي الشيخ عبدالعزيز الثعالبي
أخبار متعلقة