علي حيمد ولد محمد سعد عبدالله في حوطة لحج الخضراء. بلد الروائح العطرة .. بل الفل والكاذي والبشام وكثير من الطيوب العابقة .. بلد الفن والجمال .. بلد الايقاعات المتعددة، وذلك في العام 1938م ، ولقد تأثر محمد سعد عبدالله بكل هذه الجماليات مات والده وهو في سن صغيرة لم يتجاوز السابعة من عمره - هكذا حدثني استاذي الشاعر احمد بومهدي رحمه الله ذات مرة ونحن نتجادب اطراف الحديث حول الفنان الكبير محمد سعد عبدالله حيث قال وحمه الله بالنص :" ونحن نشيع زميل فنان الى مثواه الاخير حينها قال الاستاذ محمد سعد عبدالله رحمه الله لي اي "الصديقه الشاعر احمد بو مهدي " توفى والدي وانا مثل هذا الطفل واشار الى طفل كان يسير خلف الجنازة ، قال بن سعد كنت امشي خلف جنازة والدي وعندي فكرة على قدر سني ان الموت عبارة عن رحلة يعود منها الميت حاملاً لاهله وذوية الكثير من الهدايا ، ولكن عرفت فيما بعد ان خطواتي الاولى في جنازة والدي كانت متجهة الى اليتم والتحمل المبكر للمسؤولية ، ولولا وقوف والدتي رحمها الله معي لما كنت محمد سعد عبدالله وهكذا عاش استاذنا القدير وفناننا الكبير محمد سعد عبدالله حياة كلها مآسي ومسؤولية . كان يرافق الفنانين الكبار في احياء حفلات الاعراس ( المخادر) لانه عاش في منزل والده الفنان المعروف ( سعد عبدالله صالح اللحجي) وتوفرت بعض الآلات الفنية ساعدته في ابراز موهبته التي رافقته منذ الصغر..ومن الفنانين الكبار الذي رافقهم فناننا الكبير محمد سعد عبدالله : الفنان الكبير الراحل محمد سعد الصنعاني ، الذي كان له فضل كبير في التربية والنشأة الفنية لمحمد سعد عبدالله الذي عاش فترة من الزمن في منزل محمد سعد الصنعاني بحوطة لحج ، كما رافق الفنان الكبير عوض عبدالله المسلمي رحمة الله الذي تعلم من أصول الفنون التراثية والشعبية ، وكان للفنان احمد عوض الجراش الفضل الاكبر على الفنان محمد سعد عبدالله .. ولست هنا بصدد الاسهاب في سرد السيرة الذاتية له لانه علم فني وبارز وسيرة حياته معروفة لدى كل محب وعاشق فنه .. وهم كثر.بدأ بن سعد يلحن لكبار الشعراء في عدن وفي مقدمتهم الشاعر الكبير د. محمد عبده غانم ( رحمه الله) الذي قام بتلحين اول لحن له في حياته من كلمات د. غانم وهي أغنية ( محلا السمر جنبك) ولحن للاستاذ الشاعر يوسف مهيوب سلطان ( بنور جمالك) و( ياظبي من شمسان) ، ولحن للشاعر الكبير لطفي امان اغنية ( ليش هذا الهجر)، وللشاعر المناضل الوطني الاستاذ ادريس احمد حنبله قصيدة ( سل فؤادي الحزين) وللشاعر علي عوض مغلس ( الا لما متى يبعد وهو مني قريب )، ومن كلمات عبدالله الهدار أغنية ( قلت لي حبك وباك) ، ومن كلمات الاستاذ عبدالله عبدالكريم اغنية ( بصراحة ) ومن كلمات الاستاذ احمد الجابري ( من زمان اشتي اقولك ) وانت استويت حساس اكثر من اللازم ، ومن كلمات الاستاذ علي امان اغنية ( ماله كذا طبعك) ومن كلما الشاعر سيف كبشي اغنية ( غيروك الناس عني) كما غنى من كلمات وألحان أبوبكر التوي أغنيتي ( مالي المحبوب ) (انته لما معك شي مال يهناك).كما لحن من كلمات صديقه مهدي علي حمدون صاحب ديوان ( ضناني الشوق) اغنية بعنوان:( ذي تهواه واقلبي ولى وهب) غناها الفنان القدير محمد صالح حمدون، وسجلها على اسطوانات ( بيبي فون ) وذلك في العام 1964م. وقام الفنان محمد صالح حمدون بتسجيلها مؤخراً لتلفزيون ( ق2) عدن وبالمناسبة فان بن سعد كان على علاقة صداقة قوية بأخية الشاعر مهدي علي حمدون منذ اواخر الخمسينيات حتى توفاه الله في13 /مارس 1975/م ما قاله بن سعد عن مهدي حمدون: "اللاديب مهدي حمدون مكانة خاصة في قلبي ، وتربطني به ذكريات طيبة والذي بيننا مش قليل ، بيننا اشياء لايعرفها المتطاولون والمتهورون .. فمن الافضل لنا ان نذكر محاسن موتانا بدلاً من الاساءة اليهم وتجريحهم"..وعلى الجانب الاخر غنى لشعراء اخرين فإن فنانين غيرهم غنوا من كلمات الفنان الشاعر محمد سعد عبدالله مثل الفنان الموسيقار احمد بن احمد قاسم ، الذي لحن وغنى من كلمات بن سعد اغنية ( كلما تخطر ببالي تحلى في عيني الليالي) وغنا له فنان اليمن الكبير محمد مرشد ناجي انشودة ( قائد الجيش البريطاني مسيكين ارتبش) ، وغنى له ايضاً الفنان نجيب سعيد ثابت من كلماته والحانه اغنية ( ياللي قلبك من حجر طال انتظاري) وغنى له الفنان عصام خليدي عدداً من الاغاني العاطفية والموضوعية مثل أغنية ( فل نيسان لك غايب زمن ماتجين اليش زعلان لاتزعل فحقك علينا).[c1]والأغاني الموضوعية ذات الملمح النقدي مثل ( حادي العيس) التي يقول مطلعها :[/c]ياحادي العيس شي تقدر تسوي لي بصراوشي معك جل ينقذني يجنبني الخطراناشوفني ضعت ماشي عادلي حتى اثرانا ملطشة صرت ماناشي كما باقي البشرشف كل من جاب حراره وستعشر نفرواختار بقعة على الشارع وفي احسن مقرجاب المهندس نص الليل وخططها وحرتصحى من النوم والشارع قده كله حفرياغارة الله متى سوّس مسرع قد عمرذا يحفر الساس نصف الليل والدنيا غدراما الشبابيك يركبها على ضوء القمرياحادي العيس ايش المشكلة وايش الخبرقد فاض صبري ومن مثلي تحمل اوصبركانوا يسموني يمن والشعب بي ياما افتخرقد غيروا اسمي وسموني من جاء نجروالماضي كله مر والحاضر اناشوفه امرّ قم هات قانون يحميني ومثلك لو امرباينهي الاشكال كله في البوادي والحضر[c1]وأغنية موضوعية اخرى بعنوان( مطالب شعب) قال فيها :[/c]حبايب حبكم قلبي وعنكم والنبي ماحيد هواكم في دمي يامن رفعتم راية التوحيدلكم اطيب تحياتي واغلى امنيات العيدوبعد التهنية باكم تخلوني اقول ماريدومابقول غير اللي يهم الشعب بالتأكيدلان الشعب ذا اضحى وعانى الظلم والتشريدوعاش الذل في الماضي وذاق القهر والتهديديبا ينسى زمان الذل وينهي رحلة التنكيديبا ينعم بخيراته بحرية بلا تشديديبا يرتاح في ارضه ويبني مجدها ويشيد يبا ترجع علاقاته كما كانت بلا تحديديبا الاوضاع تتحسن مع مرعي مع بلعيد يباكم تحفظوا ارضه وامواله من التبديديبا منكم عمل خالي من التطبيل والتمجيديبا يسمع خبر واضح حقيقي مايبا تقليداذا هوه صدق خلونا نحسة نلمسه بالايدكفاية هرج ملينا من التكرار والترديد نظام الهرج قد ذحل بلى يحتاج له تجديدشوعنا كلما نهرج نزيد المسألة تعقيدتكلمنا كثير لكن متى بانبتدي التنفيذ[c1]فل نسيان[/c]فل نيسان لك غايب من ماتجيناليه زعلان لاتزعل وحقك عليناوعدلو جيت زهرة عمرنا تنعش ارواح ذابت منناوانت فاهم عيدنا لما تجينا يافل نيسانحلو فتان ساكن في ضلوعيحي لك بان يرتسم لي من دموعيياهناء الروح ياكل المنى داوي مجروح يكفي مابنا ياحمايم بلغي خلي ولوعي يافل نيسان عمر وازمان في البعد ياما بكيناخلنا الان ننسى بأنا اكتوينا كم على البعد ماذقنا الهناءليلنا سهد يكفينا ضناغُد بوصلك جنة وقربك الينايافل نيسان[c1]بعد حرب 94م قدم الفنان محمد سعد في احتفالات نوفمبر 94م اغنية بعنوان وحدويين يقول فيها :[/c]وحدويين ولا في مجتمعنا شاذولافينا انفصالي وحدويين ولا هذا جنوبي عادولا هذا شماليبات يجمعنا وطن وحدوي اسمه اليمنرفرفي يارآية الوحدة تملي في العلاليوفي وقت لاحق في عام 95 قدم بن سعد (اوبريت) بعنوان أيلول وسام على صدر اليمن اشترك فيه عدد من كبار الفنانين اليمنيين وهم عمر سالم بن شامخ ،يوسف احمد سالم ،احمد علي قاسم، امل كعدل ،نجيب سعيد ثابت وآخرون واذكرانني كتبت حينها اول تعليق لاول عمل فني اكتبه عنه في صحيفة 14 اكتوبر بعنوان بن سعد يصنع (وسام ايلول على صدر اليمن).* بدأت قريحة بن سعد الشعرية تتفجر وفيها من المرارة والوجد والالم مافيها ،لان حياته كلها متاعب وضنك عيش واعتماد على النفس، وهذا ماعكس نفسه على قريحته الشعرية.وتطور الفنان بن سعد( رحمه الله) في كل مناحي الحياة : فناً وعزفاً ، وبدأ يدخل ميدان الشعر العاطفي وكتب باكورة انتاجه ( ياناس ردوا حبيبي) .. هذه الاغنية التي أثارت زوبعة ضد محمد سعد عبدالله الذي ظهر من خلالها على الساحة الفنية شاعراً وملحناً ومؤدياً .. حتى انه قال في مقدمة ديوانه ( لهيب الشوق): ( وللتخفيف من حدة تلك الحملات الهجومية المغرضة لجأت الى أسلوب التضليل، فنسبت بعض اغنياتي المنشورة في هذا الديوان الى اشخاص اخرين حتى اثبت للحاقدين اني لا اكتب الشعر لمزيد من الشهرة ولكني اكتبه حباً فيه فقط".وتأسيساً على ماسمعناه وقرأناه من اغان شعرية غنائية لبن سعد فإننا نؤكد هنا ان محمد سعد عبدالله كان شاعراً غنائياً بكل ماتحمله الكلمة من معنى ويجيد استخدام وتوظيف الكلمة العامية لتصل الى أحاسيس ومشاعر المتلقي ، وكما يقول د. عبدالعزيز المقالح :" ان شعر العامية في اليمن اثبت انه وعاء للقيم الجمالية واللمسات الانسانية".ومضى فناننا القدير محمد سعد يشق طريق النجاح، وقدم الكثير من أعماله خصوصاً في الوقت الذي توافد اليه أصحاب شركات الاسطوانات ليأخذوا جديده، فجاءت ( جدد أيام الصفا) ، ( نظرة من عيونك) ، ( الصبر طيب) ، ( اللي مضى ماعاد يرجع) ، ( ما بابديل) ، ( أنا اقدر انساك)، و( اللي احبه راح) .. وتغير اسلوب محمد سعد عبدالله حتى في قرض الشعر فهو يختلف الاسلوب في ( اعز الناس) و( لهيب الشوق) .. وغيرهما من الروائع التي عبرت عن حالة كان فناننا القدير محمد سعد عبدالله يعيشها .* فمن معاناتة يخلق اغانيه، من حزنه الدفين يخلق ألحانه ويختار لها مقامات موسيقية معبرة، فمحمد سعد عبدالله ( رحمه الله) حتى عندما يحزن او يبكي او تدمع عيناه .. يختار اسلوباً جديداً يختلف عن اي انسان .. انه حساس سريع التأثر .. وفي شعره الذي حواه ديوانه ( لهيب الشوق) أسرار ومفارقات .. فهو الذي كتب عن غدر الزمان وكتب عن أعز الناس.. والسر المكنون ، وكتب عدة اغانٍ مرتبطة بالوطن .. وبن سعد فنان امتلك احاسيس مفرطة ، فهو يستعمل احياناً ردوداً من نوع غريب على كل من يقف امامه او يخدعه .. سلاحه القلم ولسانه وقلبه يكيلان الصاع صاعين لكل من عاداه ولكن بأسلوب لحني رقيق وشفاف ، لانه في قرارة نفسه لايقصد مايقوله من كلمات الصد والجفاء والهجران ، فهو الشاعر والفنان الذي قال ( انا ماطيق على الهجران) وهو من قال ايضاً ( لابكى ينفع) ، ( اهجره وانساه) ،( وفات الاوان)، (واناسيتك) و( إنا اقدر انساك) .. تجد ان تلك الرقة والشعور الطيب يتلاشى ويظهر امامك شخص ذو تجربة مصقولة ، وعنده من الابعاد والمسافات ما لايحصى ... انه فنان اليمن الكبير خالد الذكر محمد سعد عبدالله ( رحمة الله عليه) .انني تعمدت في هذه المداخلة المتواضعة ان لا اكتب بعضاً من ابيات تلك الاغاني التي استعرضتها عناوين فقط، لانني احس انني استمع اليها في كل مكان وفي كل منزل ومقهى .. وفي السيارات .. ان صوت محمد سعد عبدالله صوت تجسد في وجداننا ، وسيظل خالداً متجسداً في آذاننا ما حيينا ، فهو اضافة الى انه كان يمتلك صوتاً نادراً فقد حباه الله سبحانه وتعالى بالتوفيق في كتابة النص الغنائي ، واستطاع ان يضاهي اشهر كتاب الاغنية واساطينها في زمن العصر الذهبي للاغنية اليمنية.* إن ماتناولته اليوم ماهو الا النزر اليسير من حياة ( بن سعد) الذي عاش حياته بعرضها والطول .. باحثاً عن كل ماهو جديد في كل الوان الغناء اليمني ، وكذلك العربي ، فهو الفنان الذي عاش وتنقل في معظم المدن والقرى اليمنية واجاد كل الوان الغناء اليمني:الصنعاني والحضرمي واليافعي ، واللونين اللذين تميز بها وهما : العدني واللحجي فلقد عاش فترة مهمة جداً من حياته في محافظة حضرموت ، وبالذات مدينتي الشحروالمكلا ، وقد استعرض تلك الفترة الكاتب والباحث الكبير الاستاذ عبدالله صالح الحداد في مقالة نشرت في صحيفة (14 أكتوبر) في عدد الخميس الماضي 2002/4/16م.. واتمنى ان يتناول الباحثون بقية مراحل حياته في بقية المدن اليمنية ، وكذلك المدن العربية التي عاش فيها مثل بيروت وجدة.* هذا ما استطعت الكتابة فيه وبانجاز حول هذه الشخصية الفنية الفذة، الذي ربطتني به علاقة حميمة ، ولو انها كانت في السنوات العشر الاخيرة من حياته ، ولكنني استطعت خلالها قراءة الشخصية الفنية والادبية والانسانية لفناننا الرقيق محمد سعد عبدالله ( رحمه الله).
|
ثقافة
محمد سعد عبدالله الفنان الشاعر والشاعر الفنان
أخبار متعلقة