قراءة في ديوان (شعر ومزاح) للدكتور قيس غانم
منذ أيام صدر ديوان نصفه الأيمن يحوي 49 قصيدة باللغة العربية والنصف الأيسر يحوي 34 قصيدة باللغة الانكليزية والقصائد بلغتين مختلفتين وليست ترجمة لبعضها البعض فالشاعر يقرض الشعر باللغتين مباشرة والقسم الأيمن يحمل عنواناً من اليمين إلى اليسار (شعر ومزاح) أما القسم الأيسر بالانكليزية فيحمل عنواناً “ من اليسار إلى اليمين - (شعر ومزاح) ، فمن الواضح أن الشاعر يقصد أن القسم العربي يقرأ من اليمين إلى اليسار بينما القسم الانكليزي من اليسار إلى اليمين . ولا شك في أن الشاعر يدرك ما تحمله هاتان الكلمتان من مدلولات دينية أصحاب اليمين وأصحاب الشمال أو مدلولات سياسية أيديولوجية ولكن كما يبدو انه لم يخشى سوء فهم القارئ لأنه سرعان ما سيدرك مرمى الشاعر بعد أن يقلب الديوان. صاحب الديوان هو الدكتور الطبيب اليمني الكندي قيس غانم الابن الأكبر لشاعر اليمن الكبير الدكتور محمد عبده غانم رحمه الله وهو الشقيق الأكبر لكاتب هذا المقال وقد نشر الديوان شقيقنا الأصغر الطبيب الفنان الدكتور نزار غانم والذي هو ايضاً شاعر اصدر ديواناً صغيراً في مطلع شبابه في الثمانينات بعنوان “ تداعيات الغربة” وقد صدر الديوان الجديد في صنعاء ومن دون صفحة المحتويات.ولا شك في أن صدور ديوان بلغتين أمر نادر ، بل هو أول ديوان اطلع عليه بهذا الشكل ، وقيس غانم يجيد اللغتين بنفس المستوى بل ربما يجيد الانكليزية أكثر بحكم انه قضى قرابة نصف قرن في بريطانيا وكندا حيث تخرج في الطب من جامعة أدنبرة العريقة في عاصمة اسكوتلندا عام 1964م ثم حصل على شهادات عليا تكاد لا تحصى في التخصصات الدقيقة مثل زمالة الكلية الملكية للأطباء بكندا والبورد الامريكي في الأمراض العصبية وخمس بوردات أخرى في أمريكا أخرها في طب النوم وهو بروفسور في جامعة مكماستر وجامعة أتوا ومدير لثلاثة مختبرات مهمة لأمراض النوم في كندا منها المستشفى الجامعي والمستشفى العسكري . وقد ترأس جمعيات علمية كثيرة في كندا مثل جمعية فيزيولوجيه الأعصاب من 2002الى 2005 وهو ممثل كندا لدى الجمعية العالمية في هذا التخصص وأمين عام جمعية أطباء أمراض النوم في ولاية انتاريو التي تقع فيها العاصمة أتوا وله أكثر من عشرين مؤلفاً علمياً بالانكليزية وكتابان بالعربية عن مرضى الصرع ومرضى الصداع. أما نشاطه الاجتماعي فأيضاً مذهل فقد ترأس رابطة الخريجين الجامعيين الكنديين العرب عشر سنوات واذكر أثناء إحدى زياراتي لكندا أن اخبرني بعض أعضاء الجمعية عن سبب تشبثهم به رئيساً انه كان الشخص الوحيد الذي استطاع أن يجمع العرب ويوحدهم وهم الذين تعودوا على الاختلافات والصراعات والتكتلات حسب مواطنهم العربية الأصلية وهو صاحب فكرة ومستضيف برنامج إذاعي أسبوعي في كندا بعنوان “ الحوار مع الشعوب “ ومدير الوب سايت للمجلس الكندي ومؤسس منتدى الشعر والكتاب في أتوا وعضو الجمعية اليمنية وهو ناشط شهير في حقوق الإنسان وفي الدفاع عن الشعب الفلسطيني والقضايا العربية وكل ذلك يتضح في شعره باللغتين وفي عضويته لعدد كبير من الجمعيات الطبية وغير الطبية في مجال حقوق الإنسان ومعارضة الحرب النووية بل هو مؤسس مجموعة للحوار بين الكنديين العرب واليهود وعضو مجموعة ضد الحرب وباختصار هو مفخرة من مفاخر أسرته وعدن ووطنه الأول اليمن ووطنه الثاني كندا لقد اهدى الشاعر الجزء العربي من ديوانه لأشقائه وشقيقتيه شهاب وعزة وعصام وسوسن ونزار واهدى القسم الانكليزي لزوجته وابنتيه وأحفاده. درس قيس في مدارس عدن وكان باستمرار الأول على طلبة صفه وكان في كلية عدن شاعر المدرسة ونشر قصائد في مجلات الحائط وأيضاً في مجلة كلية عدن النسوية التي كنت أنا في سنوات لاحقة رئيساً لتحريرها تحت إشراف المربي القدير الأستاذ إبراهيم روبله . بل وقد أعادت إحدى الصحف السودانية نشر إحدى قصائد قيس وهو تلميذ في المدرسة الثانوية ومن القصائد التي اذكرها قصيدة عن القضية الفلسطينية التي ما زال قيس حتى يومنا يدافع عنها ولم يمنعه اندماجه التام في المجتمع الكندي واحتلاله ابرز المراكز فيه أن ينسى هذه القضية ولذلك عندما تقدم مؤخراً لانتخابات البرلمان الكندي بترشيح من حزب الخضر هاجمه اللوبي الصهيوني الذي يعرف جيداً نقده اللاذع للوحشية الإسرائيلية ولجرائم أمريكا وبوش وبلير في العراق والشرق الأوسط، وقام الصهاينة بحملة ضد انتخاب الدكتور قيس فحصل على المركز الثاني . وفي المدرسة كتب قيس أغنية عدنية شهيرة هي الزين “ جزع مرة “ التي لحنها وغناها الفنان الكبير سالم احمد با مدهف في خمسينيات القرن الماضي ونسبها بعضهم خطأ لوالدي . ومن القصائد التي نشرها قيس غانم في المدرسة قصيدة بعنوان “ بين نفسين” استوحاها من قصة بطل قدم ماء لعدو جريح في ساح المعركة فحاول الجريح قتل المسعف ومع ذلك لم يمنعه المسعف الماء وهي قصة كانت في كتبنا المدرسية. وقد جاء قيس للعمل في دبي في مطلع الثمانينات حيث أسس قسم الأعصاب في مستشفى راشد حيث عمل لنحو ثلاث سنوات قبل أن ينتقل للعمل بجامعة صنعاء ثم في قطر وفي أثناء إقامته في دبي عرفته على مجموعة من الأدباء والشعراء العرب وقد أصدرنا يومها مجموعة شعرية صغيرة مشتركة مع الشاعر المصري المعروف عبدالمنعم عواد يوسف ووائل الجشي وفوزي صالح بعنوان “ تنويعات على الأوتار الخمسة” لأننا كنا خمسة شعراء في المجموعة وكانت قصيدة قيس أعلاه ضمن القصائد التي نشرها. وكانت إقامة قيس في دبي الحافز للعودة إلى الشعر بعد انقطاع طويل منذ أيام المدرسة وكان والدي يقيم في نفس الفترة في أبو ظبي حيث كان يعمل مستشاراً ثقافياً في السفارة اليمنية. ويقول د. قيس إنه تردد في نشر ديوانه الجديد لكي لا يقارن بوالده بل وأيضاً بشقيقه شهاب في مجال الشعر ويقول:” إن ديوان والدي (على الشاطئ المسحور) هو العامل الرئيسي الذي وجهه للاهتمام بالشعر منذ الطفولة في الأربعينيات من القرن الماضي”.وبعد هذه المقدمة الطويلة نتحدث عن الديوان نفسه فنجد أن د. قيس يستوحي قصائده من تجاربه المباشرة في الحياة ويكتب شعره باللغتين بلغة بسيطة مباشرة ويلتزم الوزن والقافية. أما قصائده العربية فبيتيه أي عمودية في معظمها، وبعضها تفعيلية ويستوحي كثيراً منها من الأحداث السياسية أو من خلال عمله الاجتماعي السياسي والثقافي، فهناك قصيدة عن حرب أكتوبر، وقصيدة بعنوان عدو السلام والإسلام على مجرم الحرب بوش ينهيها بهذه الأبيات:[c1]ماذا تهم ظنونهفالعالم المسلوب قد فك القيودورمى النعال بوجههمتحديا تلك البنود[/c]وهناك قصيدة بعنوان عمرو بن موسى ألقاها أمام عمرو موسى منها:[c1]فويحك إن تهادن في حقوقلشعب عاش مضطهداً تعيساًبعاصمة العروبة في عراقفبات مكبلاً وصحا حبيساً[/c] وهناك قصيدة بعنوان “ غزة” وأخرى متفائلة بعنوان “ لنا النصر” وقصيدة في رثاء إدوارد سعيد ولعله كان صديقه وقصيدة بعنوان رمضان مطلعها:[c1]رمضان أقبل فالأنام صياموالشهر حل فرفرف الإسلام[/c]وهناك عدد من القصائد العاطفية والغزلية وقصائد إخوانيات كتلك التي كتبها في وداع السفير مصطفى أحمد محمد نعمان وقصيدة مداعبة بعنوان “ الخطوبة” وقصيدة رمزية فكاهية بعنوان “الصفافة “ وهناك كلمات أغنية لحنها الفنان اليمني نجيب سعيد ثابت بعنوان “ حقوق الطبع محفوظة” وأخرى لحنها وغناها مطرب سوري يدعى بسام النصيري وأيضاً أغنية “ الزين جزع مرة” وهناك قصيدة بعنوان في السبعين مطلعها:[c1]ماذا أقدم للسبعين إن أزفتوهل أزف لها أسمى تحياتي [/c]وقيس من مواليد 22 مايو 1939م فهو إن شاء الله سيبلغ السبعين من عمره المديد بإذن الله هذا الشهر وهناك قصيدة بعنوان “ صداع” كتبها من وحي تجربته كطبيب يعالج عجوزاً مريضة أثناء عمله في دبي.ومن أكثر قصائده شفافية قصيدة “رضوخ” التي كنت ترجمتها إلى الانكليزية ونشرتها في مجموعتي من الشعر اليمني المترجم إلى الانكليزية بعنوان “قصائد من أرض سبأ” والقصيدة تقول في بدايتها:[c1]يا شقيقيعندما كنا صغاراُ لا نباليباللياليكم غرقنا بين أحلام الطفولةكم صرخنا وضحكناوصعدنا قمة التلومثل الرئم كم زرنا سهوله..[/c]ولاشك عندي أنه كان يوجه حديثه هذا لي أنا شخصياً بين أشقائه فأنا اصغر منه بسنة ونصف فقط وكنت الشقيق الذي يلازمه في الطفولة. وكانت قصيدة رضوح بتاريخ 1992م ولكن هناك قصيدة أخرى بعنوان “وداعاً” لعلها أيضاً موجهة لي أو أحد الشقيقين الآخرين وفيها يقول:[c1]يا شقيقيهل ترى تذكر قولي وقريضيعندما أكملت نصف القرنمن عمري ..[/c]وهناك قصيدة في الديوان بعنوان “عتاب قلب” عن معاناته من اضطراب في القلب. وأخيراً نتوقف مع قصيدة عاطفية بعنوان “ بشر من سائر البشر”:[c1]أنا المتيم هل يرضيك لي كدرىوسط الدجى وبصيص النجم والقمروهل يحق الأجفان لك انسدلتعذب الكرى بينما عيناي في سهربه قضيت سويعات مرددةأرى محياك في فيض من الصورفأغمض العين عليّ أن أرى صوراًتبقى بذهني وقلبي ثم في نظري كثغرك الناعم المحمر يسمعني همس الغرام كنغم العود والوترأو قدك السامق الممشوق ينذرنيبأنني بشر من سائر البشروأنني قد أضعت العمر في شغلفليت حبك وافى أول العمر[/c]ويبقى القسم الإنكليزي من الديوان وربما كان أفضل من القسم العربي وكان الصديق الشاعر اليمني كمال اليماني قد قال بعد الاطلاع على قصائد انكليزية وعربية للدكتور قيس إن شعره الإنكليزي أفضل في نظره. وعلى كل حال فالقسم الإنكليزي يركز بشكل خاص على قضايا السياسة المعاصرة وجرائم بوش وبلير في العراق وجرائم شيني وولفوتز وغيرهم من عصابة المحافظين الجدد.وإحدى قصائد قيس مهداة إلى سندي شيهان التي فقدت ابنها في حرب العراق والقصيدة بعنوان “عويل أم” وقد حُوِّلت إلى أغنية تجارية على أقراص السي دي واليوتيوب ولحنها روبرت كلاروت وغنتها كيت برنارد.وهناك قصائد عن جوانتينامو وعن اليورانيوم المنضب وعن تجار الحروب والمقاومة وعن رحلة مع الوفد الكندي الطبي إلى اليمن والذي نظمها قيس عدة مرات وكان قيس ضمنه ويحوي عدداً من الأطباء المتخصصين في مجالات نادرة وقد زار الوفد مختلف نواحي اليمن لمعالجة الحالات الصعبة عدة سنوات.وهناك قصيدة رقيقة كتبها لزوجته ويتحدث فيها عن رحلة الحياة معها وعن طفلتيهما. ونكتفي بهذه اللمحة لأن الحديث عن القصائد الإنكليزية يحتاج إلى مقال مستقل. وكل عام والدكتور قيس بخير بإذن الله.