كاديما .. نظرة قديمة
محمد الأميرخرجت إسرائيل عن تقاليدها الإنتخابية لأول مرة بعد أن شهدت هذا العام المعركة الإنتخابية الخامسة التي جاءت بطريقة إستثنائية .فمنذ منتصف التسعينات تخلت إسرائيل عن الترتيب الزمني لموعد الإنتخابات الإسرائيلية الشهيرة مرة كل اربع سنوات وكانت هي الإنتخابات الأكثر لفتاً للانظار في العالم بعد الإنتخابات الامريكية والفرنسية .الا ان استثنائيات الموعد الذي بدأ من العام 1996م تم في العام 1999م وتباعاً في 21 - 23م ثم هذاالعام هو من الاسباب الرئيسة التي جعلت الناخب الاسرائيلي يقبل على الصناديق بنسب ضئيلة ومهمشة ورتابة اقرب الى الملل . وبدت اللامبالاة واضحة فيما نقلته الشاشات ووكالات الانباء لمراكز الاقتراع وقد بدت شبه خاوية حتى عزاها البعض الى انها الاكثر انخفاضاً في الاقبال في تاريخ إسرائيل القصير .وعلى العكس من ذلك فقد كانت الاحزاب الإسرائيلية هذه المرة اكثر نشاطاً واكثر حدة في التنافس لاسيما بعد أن ظهر كاديما الحزب الأحداث بين الحزبين التقليديين العمل والليكود وحصده الفوز رغم حداثته .ويرى الكثيرون ان خيبات الامل من الحكومات الإسرائيلية لدى الناخب الإسرائيلي جراء تدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في السنوات الماضية مقارنة بحالة الازدهار التي كانت عليه قبيل منتصف التسعينات .. اضافة الى غياب واضح للمسألة الفلسطينية هي من اسباب تدني الاقبال على مراكز الاقتراع .ويشكل تراجع الحزبين التقليديين العمل والليكود في وسط الشارع الإسرائيلي وتقدم حزب كاديما عقاباً لهما خلال توليهما رئاسة الحكومات منذ قيام دولة الكيان الصهيوني .وحتى هذا الفوز لكاديما لايشعره بالفخر كثيراً فانخفاض نسب التصويت الذي خلق حالة من القلق وسط الاحزاب الإسرائيلية الكبرى ايضاً وقد تخوف خلالها كاديما ومسؤولية من تراجع النسب المتوقعة التي كانت تعطيه فوزاً كاسحاً لايكلفة القيام بالتحالفات وحتى بتأليف حكومة إئتلافية قد يضطرها هذه المرة في ظل هذه النسب . فأولمرت مرغم على تشكيل حكومة مؤتلفة مع العمل وميرتس الاكثر يسارية ومع الاصوليين من شاس الحزب الديني الاصولي الاكثر تشدداً . لاسيما وان ماميز هذه الانتخابات عن غيرها من انتخابات سابقة ان اتجاه الناخب جاء اكثر ميلاً الى احزاب وسط اليمين والاكثر يمينية من الاحزاب المتدينة .وإن يكن متوقعاً فوز كاديما هنا - وهو يمثل حزب وسط في خارطة الاحزاب الإسرائيلية ، هذا الوسط الذي يبدأ عالياً ثم يتراجع في أغلب الاحيان ونهار في آخر مرحلة ، الا ان فوزه لم يكن بالتوقعات الكثيرة التي كادت ان تظهره الى المتصدر الوحيد ، لكنه ظهر وتوقع ظهوره واضحاً ولم يتوقع بأي رصيد سيظهر . بل ان البعض يرى انه ليس بالإنتصار المعول عليه . فكاديما خرج من رحم الليكود وكان يحمله شارون الذي يمثل جيل الرعيل الاول من مؤسس دولة صهيون الإسرائيلية . لذا فإن خروج شارون من اللعبة السياسية - أيه كان شكل هذا الخروج - قد ابعده عن ذهن الناخب الإسرائيلي ولاتكاد تمثل هذه الاصوات التي فاز بها كاديما سوى ما استنشقه بعض الناخبين من بقايا رعيل شارون . اما الليكود الذي تدحرج على غفلة من صناديق الاقتراع ولم تسعفه ابتسامات نتنياهو ، فلم يكن متوقعاً له هذا السقوط او بالآحرى الهبوط المفاجئ .الا ان القضية بدأت شبه محسومة منذ البداية بعد ان بدأ ان الليكود فقد الكثير من اعتباراته بعد أن انسحب منه شارون من قبل ، ولم يعد بمقدور حزب الليكود الا ان يبقى منتظراً للاصوات المتأرجحة بين كاديما والعمل . وعلى جبهة حزب العمل رغم محاولات قادمة ومسؤولية اظهار الفخر بالقدر الذي حققوه كمركز ثان على لائحة قوائم الاحزاب السياسية الإسرائيلية . الا ان فوزه لايكاد يمثل إنتصاراً مقارنة بتاريخه القديم في دولة الكيان الإسرائيلي بقدرما حافظ على ماء الوجه وان قدر هذا حسب تصريحات مسؤولية بالقوة فإنه ينظر للامر بالقياس الى الانتكاسة الحادة التي مني بها نظيره اللكيود .فالعمل ظهر لاول مرة اليوم بزعيم شرقي على غير عادته بتسنم قاداته الغربيين منذ تأسيسة وهذا الامر لم يرق للناخب الإسرائيلي الذي يزعمون فيه المساواة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية في اوجها .حيث ظهر ان الناخب الإسرائيلي وان مال لحزب العمل لدى ذهابه الى صناديق الاقتراع الا انه يضمر في نفسه ان يرشح زعيماً شرقياً ليكون بحكم الاصوات هو رئيس الحكومة الإسرائيلية . بل ان الكثيرين يرون ان ماحققه العمل كحزب ثان بعد كاديما في هذه الانتخابات وبزعيم شرقي يعد إنتصاراً له وانتصاراً لم يكن متوقعاً . في حين ان حزب العمل قد سلم لهذه النتيجة منذ أكثر من اسبوعين . وهكذا فإن الانتخابات الإسرائيلية اظهرت الى حد بعيداً تشوشاً مثيراً في ذهن المواطن الإسرائيلي العادي وعدم وضوح في فرق واضح بين سياسات الأحزاب الاسرائيلية التي تكاد تكون واضحة تجاه اهم القضايا وهي القضية الفلسطينية على الجهة المقابلة حيث لم يصل اي حزب او زعيم إسرائيلي إلى حل حاسم او حتى احراز تقدم يمكن المواطن الإسرائيلي من التفكير في إمكانية حل نهائي .