المؤرخ حمزة علي لقمان .. وإسهاماته في كتابة تاريخ عدن
[c1]* عين الأمريكي المستر وليم لوكرمان في عام 1879 قنصلاً فخرياً في عدن وكان يعمل في التجارة[/c]نجمي عبدالمجيد أسهمت كتابات المؤرخ الراحل الأستاذ حمزة علي لقمان الذي كان ميلاده في مدينة عدن عام 1919م ورحيله في صنعاء عام 1995م في تدوين العديد من المعارف والمعلومات عن هذه المدينة، منها ما تذهب بها المصادر إلى فترات بعيدة في التاريخ ومنها ما يتوسط الاحداث في الأزمنة، وبعضها قريباً من القضايا المعاصرة في دورة الأيام.وهذه وقفات تبرز في معانيها الدور الثقافي لهذا الرائد في كتابة تاريخ عدن ومحاولاته الجادة في حفظ صورة المكان وهوية الذاكرة، وذلك هو الأرث الذي تركه لنا هذا المؤرخ منذ ان بدأ تعامله مع الكتابة بداية في صحيفة فتاة الجزيرة ومن ثم القلم العدني وفتاة شمسان والمستقبل والأفكار وإصداره للعديد من المؤلفات كان أولها من صميم الحياة عام 1945م وآخرها تاريخ قبائل اليمن عام 1985م.[c1]تاريخ عدن وجنوب الجزيرة العربية[/c]صدر هذا الكتاب عام 1960م عن دار مصر للطباعة ويعد أول كتاب له يتحدث عن تاريخ عدن وجنوب الجزيرة العربية في أزمنة مختلفة فيما جاء في هذا السفر التاريخي نختار بعضاً من المعلومات المتصلة بتاريخ عدن وهذا الاتجاه كرس له الأستاذ حمزة علي لقمان معظم ما كتب حتى أصبح من الرواد الذين تذكر أعمالهم في ميدان الدراسات والبحوث المتعلقة بعدن وأحوال أهلها في أزمنة متعددة.[c1]الصهاريج في التاريخ[/c]عن هذه المعالم التاريخية في مدينة عدن يقول حمزة علي لقمان: (ان المؤرخين والرحالة العرب لم يذكروا لنا شيئاً وافياً عن صهاريج عدن، كما أن الذين كتبوا عنها لم يذكروا عددها ولم يصفوها الوصف الجدير بها حتى يمكننا ان نأخذ فكرة واضحة المعالم عما كانت عليه في الماضي.إلا أن بعض المؤرخين والرحالة الأجانب ذكروا لنا صهاريج عدن ووصفوها كما شاهدوها حين زيارتهم لها في العهود المختلفة التي قدموا فيها.فقد ذكر الكابتن بليغير الذي كان مساعداً للمقيم السياسي البريطاني والذي اكتشف الصهاريج في عام 1854م، أن عدد صهاريج عدن خمسون، وان ما يمكن ان تخزنه من الماء يبلغ حوالي ثلاثين مليون جالون، وأن أكبر الصهاريج هي الموجودة في الطويلة التي تتسع لحوالي عشرين مليون جالون من الماء.وبعد الزيارة التي قام بها المستر سولت الانجليزي في سنة 1809م وصف الصهاريج بقوله: "وبين الخرائب نشاهد بقايا لمجموعة من الصهاريج في الجزء الشمالي الغربي لمدينة عدن، ثلاثة منها عرضها ثمانون قدماً ومثل ذلك عمقاً، وكلها محفورة في الصخر الأصم ومبطنة بغطاء من معجون المرمر الرقيق القريب الشبه بالبلور، ومازال بالامكان مشاهدة خزان واسع كان يدفع الماء إلى الصهاريج من مضيق عميق في الجبل المطل على الصهاريج في الطويلة، وفي بقعة أعلى من تلك التي نجد فيها الخزان يوجد خزان آخر كان وقت زيارتنا له يحتوي على كمية من الماء".وحينما كان الكابتن هينس يجوب سواحل البحر الأحمر وخليج عدن في عام 1835 ـ قبل غزوه لعدن بأربع سنوات ـ كان عدد من هذه الصهاريج في حالة صالحة للاستعمال, وإلى جانب صهاريج الطويلة والصهاريج المعلقة في أعالي وبطون الجبال كان يمكن مشاهدة عدد من الصهاريج الكبيرة حول مدينة عدن، ولكن منذ الاحتلال البريطاني وجه الاهتمام نحو صهاريج الطويلة فقط ولم تتخذ أي إجراءات لترميم أو للمحافظة على الصهاريج الأخرى من مزيد من التخريب، ولذلك فقد امتلأت بالحجارة والطين الذي يجرفه ماء المطر.ومما زاد من تدمير الصهاريج المعلقة سماح الحكومة للأهالي باستعمال أحجارها في بناء المنازل، فكانت النتيجة ضياع معالم تلك التحف الأثرية الرائعة فيما عدا بضعة صهاريج لم يكن من السهل تدميرها أو إخفائها.كما اننا نجد بقايا كسور من الجبس هنا وهناك فوق الأرض وفي سفوح الجبال فتدلنا هذه على البقعة التي كانت يوماً مقراً لصهريج.وفي عام 1856م بدأ العمل في ترميم صهاريج الطويلة، وليس من السهل تقديم وصف صحيح لتلك الآثار النادرة الممتازة لنعطي القارئ فكرة عما كانت عليه في عصر بنائها.وجبل العز أو جبل شمسان هو الجبل الدائري الممتد من جبل حقات حتى الخساف والجانب الغربي منه شديد الانحدار وحينما يهطل المطر ينساب الماء سريعاً من منحدراته.وكان الخطر يهدد مدينة عدن وقت تدفق المياه في الشوارع لو لم تشيد السيلة الممتدة من الطويلة حتى شواطئ صيرة".[c1]مساجد عدن[/c]حول هذا الجانب من تاريخ عدن الإسلامي يذكر الأستاذ حمزة علي لقمان العديد من المساجد التي اشتهرت بها عدن عبر عصور ومنها: مسجد النبي، وقد كان من مساجدها المشهورة وعمل فيه الإمام أبو الطيب طاهر بن علي بتدريس الفقه، وكان أبوه رجلاً محباً للخير، اشتغل بالتجارة وبنى الجناح الشرقي للمسجد، وأوقف عليه مواضع عدة في عدن وذلك قبل عام 686هـ وقد جعل ذلك التاجر أمور المسجد والعناية به لأولاده من بعد رحيله.مسجد التوبة: كان قد عرف بين الناس بهذا الاسم، ولكن بعد وصول الفقيه محمد بن يحيى أبو شعبة الحضرمي واقام فيه لسنوات عدة أطلق عليه العامة اسم مسجد "أبو شعبة" وقد كانت مرتفعة درجاته ويعلم فيه الفقه والحديث.مسجد السماع: وقد كان كما يذكر المؤرخ حمزة لقمان يزدحم بطلاب العلم الذين يتوافدون إليه ليتعلموا على يد الفقيه والعالم أبي الحسن علي بن محمد بن حجر الشحري الحضرمي الذي كان ميلاده في عام 598هـ وقد أطلق على هذا المسجد اسم السماع لكثرة ما كان يسمع فيه من قراءة القرآن والحديث.وكان أشهر من حضر حلقات الدرس فيه من العلماء الفقيه أبو الخير بن منصور الشماخي والضياء ابن العلج المغربي والإمام احمد بن علي العدني الحرازي والفقيه احمد القزويني والفقيه محمد بن حسين الحضرمي وغير هؤلاء.مسجد ابن عبلول: عمل في هذا المسجد بالتدريس الفقيه العلامة علي بن محمد بن عبدالعزيز الطحنشهائي الوفائي الشاذلي الحنفي، وكذلك أستاذ الفقه قافي قاضي قضاة عدن جمال الدين محمد بن سعيد بن كبن عام 806هـ.مسجد البيلقاني: وقد بناه احمد بن يحيى وهو ابن الفقيه ابن الحسن ابو طاهر شمس الدين البيلقاني العجمي، وكان مشهوراً ببراعته في تدريس علوم المنطق والبيان والحساب وعلم المواريث، وقد أمر الملك المظفر يوسف بن علي بن رسول بتعيينه مدرساً في المدرسة المنصورية في عدن، وقد بقى العالم الزكي ابن الحسن أبو طاهر في عدن حتى وفاته عام 676هـ وقد دفن في مقبرة القطيع.[c1]سكان عدن[/c]في شهر يناير من عام 1839م رفع الكابتن هينس تقرير إلى حكومة الهند يقول فيه ان عدد سكان عدن 600 فرد فيهم 180 يهودياً وما بين 30 إلى 40 من الهندوس البينيان والباقي ما بين العرب والصومال، وفي سبتمبر من العام نفسه وصل عدد سكان عدن 2385 شخصاً، وفي شهر مارس من عام 1840م وصل العدد إلى 4600 نسمة.[c1]أجناس مختلفة[/c]وحول التعدد العرقي والأجناس التي شهدته عدن في تلك الحقبة من التاريخ يقول حمزة علي لقمان: "ارتفع عدد السكان وبدأت مدينة عدن تتوسع وبلغ عدد البيوت ألفين بيت من الحجارة والنورة والطين فوق بقايا عدن القديمة، وفي سنة 1842م بلغ عدد السكان خمسة عشر ألف نسمة وانتعشت عدن واستعادت بعض مجدها الغابر بعد إعلانها ميناء حراً مفتوحاً في سنة 1850م، وجرى إحصاء رسمي لسكان عدن في سنة 1856م فكان العدد عشرين ألفاً وستمائة وأربعة وخمسين نسمة، وفي سنة 1872م جرى إحصاء آخر فكان عدد السكان 19,289 وعدد الجنود 3,433 منهم 8,241 عربياً و4,346 صومالياً و2,614 هندياً مسلماً و1,435 يهودياً و851 هندياً بينيان و182 بريطانياً مدنياً و121 هندياً فارسياً، أما الباقون فكانوا من الأتراك والإيرانيين والمصريين والكرد والصينيين وبعض الأوروبيين وأمريكي واحد المستر وليم لوكرمان الذي كان يشتغل بالتجارة.وفي عام 1879 عينته حكومة الولايات المتحدة قنصلاً فخرياً في عدن، غير أن القنصلية الأمريكية الرسمية أنشئت في سنة 1895م وكان القنصل الرسمي هو المستر ماسترسن، ويبلغ عدد الأمريكيين المقيمين في عدن اليوم ثمانية وعشرين بين رجال ونساء وأطفال وهم يعملون في القنصلية الأمريكية وفي شركة كالتكس وفي الإرسالية التبشيرية المسيحية المعروفة باسم إرسالية بر السودان.[c1]عدن المستعمرة[/c]في سنة 1937 تحولت عدن من سلطات حكومة الهند وصارت مستعمرة من مسؤولية وزارة المستعمرات البريطانية في لندن، وكان الإحصاء الرسمي للسكان الذي جرى في سنة 1946 هو ثاني إحصاء منذ أن تحولت إلى مستعمرة، وفي تلك السنة ظهر أن سكان عدن 80,516 نسمة وفي سنة 1955م جرى إحصاء آخر فكانت النتيجة كما يلي: عدن 54,995 ـ الشيخ عثمان 28,879 ـ المعلا 20,868 ـ التواهي 20,353 ـ عدن الصغرى 9,277 ـ خور مكسر 3,059 المجموع 138,441.وهذه الأرقام موزعة على الجنسيات الآتية: اليمنيون 48,088 ـ البريطانيون 3,765 ـ العدنيون العرب 26,910 ـ عرب شرق الأوسط 6,608 ـ عرب المحميات 18,881 ـ الصومال ـ 10,611 ـ الهنود المسلمون 10,435 ـ الهنود البينيان 4,785 ـ اليهود 831 ـ الأوروبيون 721 ـ الهنود الفرس 596".[c1]جزيرة صيرة[/c]في كتابه تاريخ الجزر اليمنية الصادر في عام 1973 في بيروت يقدم لنا الأستاذ حمزة علي لقمان معلومات عدة عن صيرة، فهو يصف موقعها مثل حارس أمين تجاه مدينة عدن فقد كانت تربطها بعدن طريق تتسع لعربة واحدة وفي وسطها جسر تمر من تحته قوارب صيد الأسماك، وهذه الجزيرة يرتبط تاريخها بعدن بفعل مركزها الأمامي في صد الهجمات والدفاع عن عدن عبر البحر "ميناء صيرة" وهذا الموقع الجغرافي الهام دفع كل السلطات التي مرت على عدن إلى تشييد الحصون والأبراج على قمة جبلها وكذلك السفح حتى تتم السيطرة على مدى الرؤية البحرية من أوسع مساحة، وأيضاُ السفن التي تدخل الميناء وتخرج منه، وعدن تتكون من أخدود واسع كان في الماضي السحيق عبارة عن بركان ثائر، حتى الفت القصص والأساطير عن المدينة والجزيرة.[c1]اسم الجزيرة[/c]وحول معنى الاسم يقول الكاتب: "ظنّ بعض الكتاب ان البرتغاليين هم الذين أطلقوا اسم "صيرة" على الجزيرة وعلى جبلها وساحلها، وهذا غير صحيح فالاسم قديم وكلمة صيرة تعني السمك الصغير ـ الساردين ـ وتعني أيضاً الشق والكهف.والمعروف ان جبل الجزيرة يمتلئ بالشقوق والكهوف كما تكثر عنده الحيتان الصغيرة المعروفة بالعيدة.بالإضافة إلى ذلك ان القائد البرتغالي الفونسو ديلبو كيرك الذي حاول احتلال عدن وفشل قال عن الجزيرة ان العرب يسمونها صيرة.[c1]البرتغال والإنزال العسكري في جزيرة صيرة [/c]عن هذا الحدث يذكر في كتابه: "كان القتال شديداً بين الصومال المسلمين والأحباش المسيحيين، وكانت الدولة الصومالية الإسلامية قد انتشرت على طول الساحل وشقت طريقها إلى الداخل حاملة رايات النصر حتى نواحي بحيرة "تانا" ولما رأى الأحباش أنهم وحدهم لا يستطيعوا أن يصدوا الجيوش الصومالية طلبوا من ملك البرتغال أن يساعدهم في القضاء على دولة الصومال وعلى الدولة الظاهرية في اليمن.وفي ليلة عيد الفصح من شهر فبراير 1513م 919هـ وصلت إلى شواطئ عدن عشرون سفينة حربية برتغالية تحمل 1700 برتغالي و500 هندي بقيادة الفونسو ديلبو كيرك وفي صباح الثلاثاء نزل 700 برتغالي و500 هندي إلى ساحل صيرة وساحل حقات بعد قصف شديد بالمدافع من الجانبين، وتسلق بعضهم سور حقات بواسطة سلالم.. وبعد حصار دام أربعة أيام انهزم البرتغاليون أمام الهجوم المضاد الذي شنه جنود عدن بقيادة حاكمها الأمير مرجان بن عبدالله الظاهري وجرت معركة طاحنة في ساحل صيرة قتل فيها عدد كبير من البرتغاليين الذين انتشرت جثتهم على طول الساحل.وكانت ترسو في ميناء صيرة سفن عدنية أمر الفونسو باحراقها كما أمر بضرب عدن بالمدافع، وبعد ذلك انهزم إلى البحر على أمل أن يتصل بحلفائه الأحباش".
صهاريج عدن