د. يحيى عبد الله الدويله:لطب التداوي بالأعشاب تأريخ طويل منذ القدم، غير أن القرون الأخيرة للإسلام شهدت روحا مبدعة ونظرة علمية وعقلانية أسهمت في تطور وازدهار هذه المهنة، وتحققت إنجازات كبيرة على أيدي علماء المسلمين أبرزهم؛ الرازي (865-937) وأهم أعماله "الحاوي في علم التداوي"، وإبن سيناء (980-1037) وأهم أعماله "القانون في الطب"، وإبن البيطار (1197-1248) وأشهر مؤلفاته "الجامع في الأدوية الفردية". وقد جمع علماء طب التداوي بالأعشاب المسلمين بين عدة تخصصات هي الطب، الصيدلة، علم النبات والكيمياء حيث كانوا يقومون بتحديد علاجات الأمراض وتوصيف النباتات الطبية وإجراء التحاليل الكيميائية للمواد الفعالة في هذه النباتات بالإضافة إلى اختبار وتحديد التركيزات المثلى لهذه المواد والتأثيرات الفسيولوجية والجانبية لها. كما طور علماء الطب المسلمون أرقى نظام طبي فعال ، انتشرت توصياتهم إلى بقاع مختلفة من العالم، حتى بات التداوي بالأعشاب جزءا من ثقافة المجتمع فأطلق عليه الطب الشعبي والذي بلغ مستوى راقياً في التعامل مع العمليات المختلفة من جمع، وتحضير وطحن واستخلاص للنباتات الطبية.[c1]* التقدم العلمي للطب الحديث قام على أكتاف إنجازات التراث الطبي الإسلامي بعد اختفاء فئة العلماء والباحثين واقتصار العمل في المهنة على فئة العشابين والعطارين:[/c]غير أن الحال لم يدم طويلا حيث أن هذا النظام انهار باختفاء فئة العلماء والباحثين المشتغليين في هذا المهنة والتي كانت على رأس الهرم المهني، ولم يبقَ منهم سوى فئة العشابين (جامعي الأعشاب الطبية) والعطارين (البائعين) والذين حافظوا قدر الإمكان على التراث الطبي بالتوارث أبا عن جد حتى وصل إلينا في صورته الحالية وتفاوت مستوى التعامل مع هذه المهنة من بلاد إلى بلاد ومن قطر إلى آخر، وفي اليمن كان لها وضعها الخاص، حيث طوى مهنة التداوي بالأعشاب النسيان إذ تقلصت عملية التداوي بالأعشاب.على أن هناك حقيقة مفادها أن مايسمى "بالتقدم العلمي للطب الحديث" قد قام على أكتاف التراث الطبي الإسلامي من خلال حركة ترجمة واسعة لمعظم وأهم الأعمال الطبية لرموز علماء المسلمين في هذا المجال، وقد ساعدت الثورة الصناعية على تطوير تقنيات عالية الدقة لطرق الاستخلاص والتنقية الكيميائية للمواد الفعالة للنباتات الطبية، وأدت كفاءة التنقية لهذه المواد إلى وضعها في شكل أقراص، دهانات وحقن لتكون أكثر عملية في النقل والتداول تتناسب مع الإستخدامات الحديثة للأدوية وأطلق عليها " ألأدوية أو المستحضرات الطبية" وبذلك نشأت ما يسمى " بالفجوة بين الطب الشعبي والطب الحديث" واتسعت المسافة بينهما كما انقطعت الصلة بينهما.إن الطب الحديث هو شكل متطور للطب الإسلامي القديم وفي جوهره لا يتعارض أو يختلف معه حيث أنه إمتداد له، لكن ما يميز الطب الحديث إنه ابتدع آليات عمل جديدة بظهور شركات الأدوية الإحتكارية والتي تفننت في ابتداع أساليب تجارية حديثة استهدفت حماية حقوق الملكية وبراءات الاختراع كما أدخلت السرية والتسميات التجارية وحق الأمتياز والاحتكار بهدف تحقيق أكبر عائد ربحي لها، وتوثقت العلاقة بين هذه الشركات ومراكز البحث العلمي للحصول على نتائج علاجية للأمراض المستعصية والجديدة. وفي المقابل بدأ العلاج التقليدي بالأعشاب يتراجع أمام تطور الطب الحديث والمنافسة القوية لهذه الشركات والتي اكتسحت أدويتها ومستحضراتها الطبية التجارية أسواقنا المحلية، وقد ساعد على ذلك توقف حركة الإبداع في مجال طب التداوي بالأعشاب والذي أقتصر العمل فيه على الفئات الشعبية التي لا تحمل الشهادات الجامعية أو العليا وإستمرت في العمل على نفس الخبرات المتراكمة.[c1]* إستعداد وقبول شعبي واسع لتفعيل وتحديث طب التداوي بالأعشاب لدى معظم فئات المجتمع شريطة إجراء عدد من الإصلاحات الجوهرية في مجال المهنة:[/c]لكن هذه الفترة شهدت إنتعاشا وعودة إلى التراث الطبي القديم وتجري حاليا عملية محاولات إستعادة المكانة الحقيقية التي تبؤت فيها هذه المهنة في السابق، ويمكن القول وبشكل عام إن هناك إستعدادا وقبولا شعبيا واسعا لتفعيل وتحديث طب التداوي بالأعشاب لدى معظم فئات المجتمع بمختلف مستوياتهم الفكرية على هاجس ما كان يمثله من قيمة وأسلوب ناجح وغير مكلف، بالإضافة إلى فوائده الكثيرة.لكن علينا أن ننظر للمسألة من جوانبها المختلفة حيث لم تعد الأمور بنفس المكانة السابقة والتي كانت فاعلة في تلك الحقبة الزمنية إذ لا بد من العمل على إدخال آليات عمل جديدة وإجراء عدد من الإصلاحات الجوهرية في مجال المهنة. ولذا فإن مهمتنا الأولى هي تقييم الوضع الراهن للطب الشعبي- التداوي بالأعشاب، والكشف عن المفاهيم والآليات الجديدة وسننظر فيما بعد في دور المؤسسات الحكومية المختلفة في وضع آليات جديدة لتفعيل وتحديث المهنة، وسنحاول في الحالات الثلاث توضيح الآثار التي خلقتها المفاهيم البديلة والخاطئة وبعض الممارسات أيضا والتي شوهت تقديم هذه المهنة بالصورة السليمة. [c1]* ارتكاب بعض العطارين سلسة من الأخطاء بسبب عدم المعرفة وغياب المنهاجية الصحيحة في بعض الأحيان وضع مهنة طب التداوي بالأعشاب في مأزق:[/c] إذن دعونا أولا نلقي نظرة على الوضع الراهن والنمط السلوكي للفئات الحالية والتي تمارس عمليا هذه المهنة، وكما أشرت بعد اختفاء فئة العلماء والباحثين في مجال الطب التداوي بالأعشاب، إقتصر الأمر على فئة العشابين والعطارين والحقيقة هناك نمطان في سلوكيات العطارين؛ الأول: يكتفي بما تم اكتسابه من خبرات متراكمة ولا يتجاوز الأمراض التقليدية أو المعروفة، والثاني: لا يكتفي فقط في توصيل هذه الخبرات المتراكمة ولكن يجتهد ويرغب في اختبار واكتشاف أنواع عشبية جديدة أيضا يقوم بترويجها في علاج بعض الأمراض المستعصية لم يسبق التعامل معها فحسب بل أيضا لم يتوصل اليها الطب الحديث نفسه، وبسبب حدود المعرفة والقدرة والمؤهلات والإمكانيات التجريبية فأن هذا النمط السلوكي وضع مهنة التداوي بالأعشاب في مأزق.لقد تسنى لنا رصد سلسلسة من الأخطاء في ممارسات العطارين في استخدامات العلاج بالأعشاب بسبب عدم المعرفة أحيانا، أو الخداع والغش كما كما هو جاري في علاجات بعض العيادات الصحية حينما يتم استغلال ضعف المرضى بهدف الربح والكسب السريع، من هذه الممارسات عدم التمييز بين أجزاء النبات المحتوي على المادة الفعالة للعلاج إوعدم القدرة على تحديد المواد الفعالة والمقادير المطلوبة الكافية للعلاج حيث أن قلة المقادير أو زيادتها يمكن أن تكون له نتائج عكسية. بالإضافة إلى عدم إدراك أن الأعشاب منها ماهو ضار ومنها ماهو سام لذلك يمكن أن يؤدي عدم القدرة على التمييز بينهما إلى كارثة. ليس هذا فحسب بل يتم أحيانا خلط أدوية في الخلطة العشبية مثل المهدئات وأحيانا أدوية تحتوي على مكونات أزوتية تؤدي إلى مشكلات في القلب، وأطرف ما في الموضوع أن بعضهم يتخذ من الأعضاء النباتية الشبيهة بالأعضاء التناسلية افتراض أنها علاج لأمراض الضعف الجنسي. إن معظم العطارين يلجؤون إلى الكذب والزيف بهدف إخفاء عدم المعرفة من خلال تضخيم المنافع وادعاء شمولية العلاج.[c1]* طب التداوي بالأعشاب له فوائد عديدة أهمها تجنيب المريض التأثيرات الفسيولوجية الجانبية الناتجة عن استخدام الأدوية المصنعة كيماويا: [/c]إن مفهوم الطب الشعبي يعني عندما تتحول توصيات العلماء والباحثين إلى قناعة شعبية فلا تكون هناك حاجة إلى طبيب أو وسيط لتحديد المرض والعلاج، كأن يكون المواطن مثلا على دراية أن الكاكاو مفيد في تخفيض ضغط الدم. لقد أفرزت تطبيقات طب التداوي بالأعشاب وجهتي نظر الأولى تنادي بالعودة إلى العلاج بالأعشاب لما لها من فوائد عديدة أهمها تجنيب المريض التأثيرات الفسيولوجية الناتجة عن استخدام الأدوية المصنعة كيماويا فنعالج مرض وتظهر أمراضا أخرى، والثانية ترى أن طب التداوي بالأعشاب لم يعد سوى ماضٍ لا رجعة فيه، حيث لا يمكن التخلي عن انجازات العصر، وفي رأيي أن تخوفات الرأي الثاني تعود إلى التشوهات التي لحقت بالمهنة من جراء عدم المعرفة والتحايل عند تطبيقات طب التداوي بالأعشاب. لكننا نجد أنفسنا أمام ثلاث حالات: هناك أمراض تقليدية مألوفة وعلاجها إيضا معروف مثل الإسهال، الإمساك، الزكام، الحمى وغيرها، والحالة الثانية: أمراض مستعصية وهي أيضا إما معروفة العلاج أو أمراض لم يتم التوصل بعد إلى علاج حتى يومنا هذا، والحالة الثالثة هي ظهور أمراض جديدة لم يتم التعرف على مسبباتها ولم يكتشف علاجها. لذلك يقوم العمل البحثي على السرية حيث تقوم مراكز البحوث العلمية بإجراء إختبارات لعدد من العقاقير وفقا لأسس علمية ومنطقية. [c1]* الأخلاقيات والقيم الإسلامية لا تسمح باستخدام الإنجازات الطبية كوسيلة تجارية بل تجعله واجب على كل مسلم قادر:[/c]والواقع إن الحالة الأولى تعتمد على التراكم المعرفي المتوارث، ولا ضرر في ممارسته على الصعيد الشعبي وتحديدا عندما تتحول مخرجات الطب إلى ثقافة فاعلة للمجتمع، وتصبح الخبرة والتراكم المعرفي تقليدا وواقعا يتم إكتسابه بسرعة. ولكن الأمر يختلف بالنسبة للحالات الأخرى والتي لم يتوصل العلم نفسة إلى نتائج حاسمة، وبالتالي لا أحد يريد أن يبدو ساذجا أو أحمقا لاننا نخدع أنفسنا إذا ما أعلن أحدهم عن إمتلاكه توليفة عشبية لعلاج عدد من الحالات المستعصية كالسرطان والأيدز وأمراض القلب والسكري. فيصدقه الكثيرين وخصوصا أولئك الذين ليست لديهم خيارات علاجية أخرى أو بسبب عدم القدرة على دفع تكاليف العلاج أو أن المرض نفسه لا علاج له وليس أمامهم ملاذ سوى اللجؤ إلى أولئك المدعين بإمتلاكهم العلاج الصائب والشامل.ويستغل الكثيرون موقعهم الديني لما يمثله من جواز مرور لدى الفئات الشعبية في إدعاء إكتشاف علاجات ذات قدرة في التغلب على الأمراض المستعصية، ونحن لا نستطيع أن نقف ضد إي محاولات من هذا القبيل طالما لا توجد ضوابط وآليات توقفهم عند حدهم. لكن في الوقت نفسه تواجهنا في هذه المسألة عقبة مهمة حيث أن أولئك يعربون عن مخاوفهم من التعدي على حقوق الملكية الفكرية حيث أن البلد تفتقر إلى وجود آليات إقرار التراكيب الدوائية الجديدة، ونحن في ذلك نؤيدهم أشد التأييد مقتنعين إلى أن الآوان قد حان في تنظيم آليات العمل في هذه المهنة النبيلة، بالرغم من أن الأخلاقيات والقيم الإسلامية لا تسمح باستخدام الإنجازات الطبية كوسيلة تجارية بل تجعله واجباً على كل مسلم قادر.وعليه فأن من يدعي بإمتلاكة إي إكتشاف طبي أن يجعله في خدمة المجتمع، بالرغم من قناعتنا بإستحالة الوصول إلى نتائج حاسمة في علاج الأمراض المستعصية ما لم تكون ثمرة جهود أبحاث معملية، وهي الحلقة الأولى تتبعها سلسلة من الإجراءات أكثرها تعقيدا الرغبة في احتكاره وأسهلها عندما يكون الهدف صحة المجتمع. ولتخرج المهنة من إطارها الضيق ولتبقي أخلاقيات ومضمون الإسلام القائم على استبعاد مبدأ الكسب والاستغلال بدلا من السعي نحو مجتمع سليم صحيح أن التجارة حق مشروع لكن حينما يتجاوز الأمر إلى حد المتاجرة بأرواح الناس يكون ذلك على حساب قيم وأخلاقيات الإسلام.[c1]* المؤشرات كلها تشير إلى أن عملاقا جديدا في عالم الأدوية يغزو الأسواق العالمية يستطيع المنافسة مع شركات الأدوية الغربية بسب الارتفاع الضخم لأسعار مبيعاتها الدوائية:[/c] إن مكاسب إنتاج الأدوية والعقاقير هو من نصيب شركات الأدوية الاحتكارية والتي لا يهمها سوى الربح الفاحش من خلال نسج هالة من التعقيدات الخاصة بأحقية الإمتيازات في شراء براءاءت الاختراع فتأتي أسعار أدويتها ضخمة بالرغم من التكلفة الضئيلة جدا وبذلك لا تستفيد الكتل العريضة من الفقراء. إن التفكير الجاد في تنمية الموارد الدوائية وتحسين وتطوير النباتات الطبية الأكثر استخداما ستظل مسألة عاجلة ومهمة. ولعل من المناسب هنا أن نذكر بما حدث مؤخرا من إكتشاف عظيم للباحثين المصريين لطحلب يحتوي على مكونات لعلاج فيروس إصفرار الكبد الخطير استمر البحث فيه قرابة 15 عاما مما يفتح الباب واسعا لعلاج هذا المرض ليس في مصر وحسب بل أيضا دول العالم الثالث الفقيرة، إن هذا الاكتشاف يعد مثالا حي بانه لا يزال هناك عدد هائل من النباتات الطبية سواء البرية أو البحرية لم تكتشف فوائدها الطبية وما يزال هناك الكثير ينبغي عمله في هذا المجال وذلك من خلال إنجاز المزيد من التجارب والأبحاث والعمل الطويل والشاق للحصول على توصيات ومخرجات أكثر. إن شركات الأدوية الاحتكارية وهي تخفي جوهرها الاستغلالي خلف قوانين حماية دولية تضمن لها السيطرة في الإسواق العالمية من صنيعة الدول الغربية تتمتع بموجبها على إحتكار عالمي لا يستفيد منه سوى الأغنياء، حتى وإن وصل الأمر إلى تهديد بقاء الجنس البشري نفسه وهذا واضح من موقفها تجاه عدم السماح لدول العالم الثالث الكبيرة (الصين والهند) في إنتاج عقاقير للحد من انتشار الأيدز بأسعار تتناسب مع إمكانية دول العالم الثالث الفقيرة، وعلى وجه العموم فإن المؤشرات كلها تشير إلى أن عملاقا جديدا في عالم الأدوية يغزو الأسواق العالمية يستطيع المنافسة مع شركات الأدوية الغربية والتي لا تمتلك سوى العزف على التعدي على امتيازات التصنيع وحقوق الملكية .[c1]* انقطاع الصلة والتواصل الطبيعي بين الباحثين، الأطباء من جهة وفئة العطارين مسؤول عن انهيار هرم مهنة طب التداوي بالأعشاب:[/c]يجب أولا أن نقف عند مفاهيم سائدة تشكلت مع تطور وانحسار المهنة وهي مفهوم "الطب الشعبي" ومفهوم "طب التداوي الشعبي"، فالمفهوم الأول يدل على أستخدام الأعشاب كمصدر للعلاج من خلال تراكم الخبرات المتوارثة عن الأولين على نطاق شعبي واسع ولا يشترط توفر مؤهلات معينة أما المفهوم الثاني فيقصد به استخدام الأعشاب كمصدر للعلاج بصورتها الطبيعية أو المستخلصة والنقية ويشترط توافر الخلفية العلمية الأساسية لممارسة المهنة. ولسؤ الحظ إختلطت الأمور لدرجة يصعب معها الترحيب والثقة في مخرجات والتوصيات العلاجية للفئات العاملة في ممارسة المهنة وذلك لعدة أسباب منها.أولها أن العلاقة بين الباحثين الزراعيين، الأطباء والمؤهلين وحملة الشهادات الكبيرة من جهة وفئة العطارين ظلت غير مثالية حيث نشأ شي فظ لا يمكن فهمه، فلم يعد كل شخص منهما قادر على التعامل مع الآخر بمصداقية وشفافية فكل منهما يخشى أن يفوز الآخر بسبق أو يسرق مجهود الآخر، فأنقطعت الصلة والتواصل بينهما.هذا الوضع ساعد على إبتعاد المتخصصين عن ممارسة طب التداوي بالأعشاب فمعظم الأطباء هم في الأساس نتاج الطب الحديث بالرغم من أن كليات الطب اليمنية بدأت تدخل طب التداوي بالأعشاب في مناهجها، وبالتالي توقف الأطباء في التعامل مع الطب الشعبي، بالإضافة إلى أنه بالرغم من تأهيل عدد كبير من المتخصصين في مجال الصيدلة، إلا أنهم أما يعملون كوكلاء ومندوبي للشركات الأجنبية، أو أنهم لا يمتلكون سوى تأجير أو بيع تراخيص فتح صيدليات بحكم المؤهل ولا يبذلون أي مجهود في مجال المهنة، فالصيدلي ليس بأئع أدوية لكنه كيميائي بالدرجة الأولى.لن تقف هذه المهنة على قدميها إلا من خلال إعادة بناء الهرم الوظيفي لهذه المهنة وهي مسألة ملحة وذلك من خلال عودة الباحثين والمتخصصين ألاساسيين في مجال الطب، الصيدلة، النباتات الطبية، الفسيولوجي والكيمياء الحيوية ليشغلوا موقعهم الطبيعي في قمة الهرم.[c1]* إستراتيجية الوقاية والعلاج في تراث الطب الإسلامي تقوم على التوازن الغذائي وتطوير سلوكيات غذائية وقائية من الأمراض والإبتعاد عن الأدوية المعقدة التركيب:[/c]لقد كانت إستراتيجية الوقاية والعلاج في الطب الإسلامي تقوم على أساس الوقاية أولا من خلال تنظيم غذائي متوازن يجنبنا الأمراض حيث أن معظم الأمراض إما نتيجة نقص التغذية والعناصر الغذائية أو زيادة التغذية والإفراط فيه، وقد عكس حديث رسول الله هذا المعني في تقنين الغذاء حينما قال "ثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس". أما الإسترتيجية الثانية فتعتمد على أن عدداً كبيراً من النباتات ثنائية الغرض فهي تحمل مكونات غذائية ضرورية وفي نفس الوقت تعتبر ذات فعالية للوقاية من بعض الأمراض وأهمها الثوم، البصل، الليمون، الحبة السوداء وكذا زيت بعض النباتات مثل دوار الشمس وفول الصويا والسمسم والتي تقي من الإصابة بأمراض القلب كضغط الدم، تصلب الشرايين، والذبحة الصدرية حيث أنها تقلل من ترسيب الكوليسترول الضار على الشرايين. كما تحولت بعض المشروبات إلى عادات غذائية وهي ذات صلة بخفض الإصابة من بعض الأمراض منها السحلب، تمر هندي، الحلبة، النعناع، الينسون وجميعها تقريبا اختفى من قائمة المشروبات الشائعة هذه الأيام. أما الإسترتيجية الأخيرة في الاستخدام العقلاني للدواء واوليات العلاج والتي لخصها الرازي في قوله المأثور "إذا كان في استطاعتك أن تعالج بالغذاء فابتعد عن الأدوية، وإذا كان بإمكانك أن تعالج بعقار واحد فتجنب الأدوية المركبة من أكثر من عقار". إن هذه الإستراتيجيات تقريبا لم تتغير رغم مرور عدة قرون فهي ما زالت قائمة.[c1]* مهام عاجلة لإصلاح آليات عمل مهنة طب التداوي بالأعشاب تتمثل في إعادة بناء الهرم الوظيفي، إصدار دليل مخرجات العلاج بالأعشاب وإخضاع المهنة للرقابة الدورية: [/c]أول مهمة تنتظر إصلاح مهنة التداوي بالأعشاب هي تخليصها من جملة الأخطاء التي رافقت عملها في السابق، وذلك بأن تخضع مهنة العطارين لوزارة الصحة واإخضاعها للرقابة الدورية وذلك من خلال عمل إجراء اختبارات يعطى بموجبها تراخيص لمزاولة المهنة. وهذا يتطلب عدد من الخطوات السريعة وأهمها إصدار دليل مخرجات العلاج بالأعشاب يشتمل على اسم المرض، الأعراض، النبات الطبي والجزء المستخدم في العلاج، الصورة (جاف، أخضر، مستخلص)، التركيزات المناسبة والمواعيد، يتم إصدارة بالتعاون بين الهيئة العامة للبحوث الزراعية ممثلة عن وزارة الزراعة ومراكز البحوث الصحية الممثلة عن وزارة الصحة.يوزع هذا الدليل على جميع العطارين وحتى الأطباء وبموجب ذلك ينبغي أن يلتزم العطارين بالتقيد بالتوصيات الموجودة في الدليل وأن يعرف المريض التفاصيل الأولية بحيث لا تخضع الأمور للاجتهادات والعشوائية والسرية القائمة على عدم المعرفة، وفي المقابل على الجهات المعنية إستمرار نشر إي نتائج جديدة، كما أن على العطارين رفع أي مشكلات واستفسارات للمختصين. إن رفع كفاءة طب التداوي بالأعشاب لن يتأتى إلا من خلال إعادة بناء الهرم الطبيعي لهذه المهنة والتعاون المشترك للجهات ذات العلاقة وهو أساس ردم الفجوة بين الطب الحديث والطب التداوي بالأعشاب، إن التعاون هي عملية أخذ وعطاء بين زملاء المهنة الواحدة ويؤدي إلى الإبداع عن طريق النتائج المثمرة في نجاح التوصيات، رفع كفاءة استخدام الموارد من خلال شبكة عمل تستثمر المهارات المتكاملة التخصص، والتوصيل المناسب للمعلومات والمخرجات.[c1]* إنجازات البحوث لم تتجاوز سوى جمع وتوصيف النباتات الطبية في الأقاليم المختلفة للبلاد، وتحديد تسمياتها الدقيقة وأماكن تواجدها ومكوناتها الفعالة طبيا وإستعمالاته الشعبية والحديثة:[/c]تكللت الجهود البحثية التي قام بها عدد من الباحثين في جمع وتوصيف النباتات الطبية في الأقاليم المختلفة للبلاد، وتحديد التسميات المتعددة للنبات الواحد سواء المحلية أو العربية والعلمية والإنجليزية واسم العائلة التي تنتمي لها هذه النباتات والوصف العام والدقيق وأماكن تواجدها والبيئات المناسبة ثم الأجزاء الطبية المستخدمة من النبات والمكونات الفعالة فيه واستعمالاته الشعبية والحديثة، إن هذه الجهود مثال حي لثمرة التعاون المشتركة بين كلية العلوم جامعة صنعاء والهيئة العامة للبحوث الزراعية، لقد جمعت هذه القاعدة المعلوماتية في كتاب تحت عنوان "النباتات الطبية والعطرية في اليمن: انتشارها .. مكوناتها الفعالة .. إستخداماتها" للزميلين أستاذ علم النبات د. عبدالرحمن سعيد الدبعي (كلية العلوم - جامعة صنعاء) وإخصائي البيئة النباتية بها د. عبدالوالي أحمد الخليدي (الهيئة العامة للبحوث الزراعية) , لكن كل ما نأسف له الإخراج العادي للكتاب فلو كانت الباتات الطبية والعطرية ملونة لكان الكتاب أجمل خصوصا في هذا النوع من الكتب. غير أن هذه الخطوة كان ينبغي أن تتبعها خطوات أخرى، حيث أن العمل في هذا المجال لم ينتقل إلى مراحل متقدمة.[c1]* غياب السياسة البحثية للدولة لتطوير النباتات الطبية يعد عائقاً في الوصول إلى أهداف إستراتيجية متوسطة وطويلة المدى:[/c]مما لا شك فيه أن اليمن تتمتع بتنوع بيئي ساعد على انتشار عدد كبير من النباتات الطبية غير إنها لا زالت في وضعها البري، ومعظم البحوث التي تمت في هذا المجال اقتصرت على التصنيف النباتي وإقرار تواجد أنواع كثيرة منها، ولم تتجاوز الأبحاث حتى الآن هذا الحد فالكثير من التحاليل والتجارب العلمية لا زالت في أطوارها الأولى.ومن الأمور المهمة والتي لا زالت تحتاج إلى تأكيد هي مسألة تحديد الأوليات المحصولية، وهذا يتطلب قاعدة معلومات تتعلق بالأهمية الإقتصادية وأهمها المساحة المنزرعة وحجم الإنتاج المتوقع، بالنسبة للنباتات الطبية لا تزال في حالتها البرية ومعظمها ينتشر في الجبال، الصحاري، الوديان، السهول والهضاب. والسؤال ما مقدار ما يمكن أن توفره من مواد فعالة لسد الإحتياجات المحلية وبالتالي تحديد الإكتفاء الذاتي؟ وهذا طبعا يأتي من خلال مقارنة الانتاج المكحلي مع الكميات المستوردة من الخارج، وبالتالي وضع إستراتيجيات وخطط لتنفيذها لتحقيق أهداف متوسطة وطويلة المدى.على سبيل المثال، نفذت الهيئة العامة والبحوث الزراعية مشروعا لدراسة الاستخدامات المختلفة (التقليدية والغير تقليدية) لنبات الصبر إنطلاقا من أن إقليم المرتفعات الجنوبية (تعز - إب) من المناطق الغنية بالصبر لدرجة أن بعض المناطق سميت باسمه (جبل صبر)، ونظرا لما يمثله هذا النبات من قيمة طبية حيث يستخدم في صناعة مواد التجميل ويحتوي على جميع الأحماض الأمينية تقريبا بالإضافة إلى إحتوائه على فيتامينات ومضادات حيوية وهرمونات ومواد منشطة وإنزيمات، وكانت أهداف المشروع جمع التنويعات الوراثية للصبر، وحفظه في بنك الجينات، وتحديد قدراته على إنتاج الفسائل وسرعة النمو ودرجة تحمل العطش. وقد أصدرت عدد من التوصيات تتعلق بحماية نباتات الصبر من التدهور بسبب الجمع العشوائي. وبالرغم من هذا المجهود الكبير، تظل النظرة في إطارها الضيق، حيث ان غياب السياسة البحثية للدولة يعد عائق في الوصول إلى أهداف معينة، وحيث أن كثيراً من العناصر والحلقات غائبة في كثير من الأعمال البحثية نتيجة حماس لا يلبث أن يخبو لانعدام الخطوات التالية.ولكن الرؤية ستختلف إذا ما نظرنا إلى الموضوع من زاوية أخرى، بالتركيز مثلا على المكونات الإقتصادية على سبيل المثال، المادة الفعالة المستخدمة في علاج صعوبة التنفس أو الآم المفاصل، فعند رسم إستراتيجية بحثية صحيحة لابد من أن تتوفر قاعدة معلومات أهمها كميات الأدوية المستوردة من الخارج لعلاج صعوبة التنفس أو الآم المفاصل ومدى قدرة العقاقير المستخلصة من الصبر في إحلال الأدوية المستوردة، ومن جهة أخرى لابد من معرفة المساحات والقدرة الإنتاجية لنبات الصبر، وستحدد النسبة بين الإنتاج المحلي درجة الإكتفاء الذاتي، وتوقعات الإستثمار في هذا المجال، وعلى ضوء ذلك ستحدد إستراتيجية وخطط التطوير والتحسين المتوسطة والطويلة المدى.[c1]* دعوة ملحة لتأسيس المجلس الوطني للبحوث لتحديد السياسات البحثية على المستوى الوطني، وبالتالي تنشيط وتنسيق العمل المشترك بين الجهات المختلفة من مؤسسات البحث العلمي:[/c]أمام غياب منظومة العمل هذه ليس أمامنا سوى خيار واحد في إسهام البحوث في تحسين النباتات الطبية هي تقدير حجم التعامل والتبادل التجاري للنباتات الطبية في أسواقنا المحلية، من خلال مبيعات العطارين، غير أن الأمر بالقطع يحتاج إلى إعادة صياغة لمنظومة العمل والأولويات. إننا أحوج ما نحتاج إلى نموذج للجمع بين ذوي الخبرة في التخصصات المختلفة بانضمام اشخاص من البحوث الزراعية، الفئات الشعبية (العشابين والعطارين)، الأطباء المتخصصين والصيادلة لأن يعملوا كفريق متعاون قائم على رؤية متكاملة ومدروسة من زوايا مختلفة. والجمع بين هذه الفئات لن يتم الا من خلال التأسيس للمجلس الوطني للبحوث مهمته تحديد السياسات البحثية على المستوى الوطني، وبالتالي تنشيط وتنسيق العمل المشترك بين الجهات المختلفة من مؤسسات البحث العلمي والجامعات اليمنية والجهات الحكومية ذات العلاقة حيث أن وجود هذه المؤسسات العلمية تحت مظلة واحدة سينبثق عنه رؤية متكاملة للمعطيات البحثية سيساعد على رسم سياسات بحثية على المستوى الوطني. ولكن سوء الحظ نجد صعوبة في توفير التمويل اللازم للربط بين العمل التجريبي والتخطيط المستقبلي وتغيير الإستراتيجيات واوليات التمويل.في الغالب تكون النباتات الطبية قليلة المحتوى للمواد الفعالة لذا أهم أولويات البحوث هو التحسين الوراثي للنباتات الطبية بهدف رفع التركيزات المنخفضة للمواد الفعالة وستكون مهمة البحوث أيضا تطوير أصناف عالية النوعية والإنتاجية، وتحسين الإدارة المحصولية من خلال الزراعة المكثفة من تحديد الكثافة النباتية، التسميد ، الري، الوقاية وعمليات الجمع والحصاد وما بعد الحصاد ودراسة نظم التحميل مع النباتات الطبية واقترح العشبية والقصيرة منها أن تحمل مع القات، الإختبارات الفسيولوجية والكيموحيوية للمادة الفعالة وتحمل الجفاف وإنتخاب نباتات ذات فترة نمو قصيرة، وحساب تكاليف الإنتاج والجدوى الإقتصادية ومشكلات التسويق. إن ما يجب عمله في كل الأحوال هو ترتيب البيت اليمني وفي الحدود الدنيا علينا أن نمتلك المعرفة الواقعية لحجم الخطر وتحديد أولويات العمل وبعد تحديد الهدف المناسب يأتي التنفيذ وهذه هي المقومات الرئيسية لإقامة منظومة عمل متكاملة فعالة على صعيد حماية الصحة البشرية لمواطنينا وبداية الألف ميل تبدأ بخطوة.
النباتات الطبية وإشكالية التداوي بالأعشاب
أخبار متعلقة