كــتاب
تأليف / لوسيل فيغرييه عرض / إصلاح العبدكتاب "أحداث عشتها في اليمن" تأليف لوسيل فيغرييه، وترجمة / خالد طه الخالد ، صدر عن دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة ، الطبعة العربية الأولى . المؤلفة هي من الشخصيات التي عرفت اليمن عن قرب فجاء كتابها واقعاً وأحداثاً عاشتها المؤلفة لوسيل التي ولدت في إقليم "تورين" الفرنسي ، في أسرة طبية ، فجدها لوسان فيغرييه كان طبيباً عقيداً، وأخو جدها شارل فيغرييه كان طبيباً فريقاً ، ووالدها بييرفيغر كان طبيباً أيضاً .كان والدها يعمل في المغرب حتى عام 1946م انتهت فترة عمله في مناجم "جردة" في المغرب، حينها عرضت وزارة العلاقات الثقافية الفرنسية على والدها إدارة المستشفى الفرنسي في صنعاء باليمن حيث كان نداء الشرق الأوسط يثير الجميع .[c1]اغتيال الامام يحيى[/c]هنا تبدأ أهم الأحداث التي تطرقت لها المؤلفة من خلال وجودها في اليمن حيث تصف الأجواء بأنها اجواء كئيبة خلال فترة ثورة 1948م وكيف كانت ظروفهم بدون رب الاسرة في بلد يعيش القرون الوسطى وتقول المؤلفة أنهم كانوا في صنعاء دون أي تمثيل دبلوماسي محصورين في منزلهم وسط مدينة محاصرة وتضيف انها كانت تعرف بأن طابع اليمنيين ودود وعدم عدائيتهم إزاء الاوروبيين ولكن تتساءل المؤلفة وتقول من ذا الذي يمكنه تخمين ردود افعال الجماهير في ظل هذا الوضع المضطرب والطارئ؟ويتميز ماذكرته المؤلفة عن هذه الفترة بأنها سردت يوميات واقعية وحيوية حيث تشير الى أنه في 17 فبراير 1948م الساعة 10:2 مساءً وصل أحد الأصدقاء " دانزكير" وهو متلعثم ومنفعل جداً ويرتعش وقال بصوت متقطع إنه منذ قليل اغتيل الامام يحيى ورئيس الوزراء القاضي العمري بطلقات رشاش وكنا أوائل من علموا بالخبر .. ولكن في الشارع كان كل شيء يبدو طبيعياً فلا تجمهر ولاقلق وحين قام اخوها بابلاع احد جيرانهم فجأة جاء عسكري وقال لهم يمنع منعاً باتاً على الاوروبيين مغادرة منازلهم والخروج الى الشارع وعاد اخوها بصعوبة اليهم في الساعة 4 مساءً قلت حركة السير وثمة جماعات تتشكل والعساكر يتجولون والناس قلقون وقيل بأن اربعة من ابناء الامام قد اغتيلوا وكانت تنتشر شائعات كثيرة وان سيف الاسلام الحسين ربما يكون قتل .بعض طلقات البنادق سمعت من اتجاه القصر والاخبار تتناقض ولكن هنالك حدثاً واحداً اكيداً وهو ان الامام يحيى قد اغتيل وان أزمة بدأت. في المساء عند الساعة 30:6 عاد صديقهم الذي ابلغهم باغتيال الامام ليحدثهم بالرواية فقد غادر الامام يحيى القصر نحو الساعة العاشرة صباحاً ليتنزه كعادته في ضواحي صنعاء وبرفقته القاضي العمري وعبدالله قلالة وحفيده البالغ من العمر ستة اعوام " ابن سيف الاسلام الحسن" قابلت سيارة الامام شاحنة جميع نوافذها مفتوحة وعند تقاطع السيارتين اضطرتا للوقوف بسبب ضيق الطريق في هذه اللحظة انطلق من الشاحنة وابل من الرصاص حاول الامام يحيى حمايه حفيده من خلال الامتداد فوقه دون جدوى، قتل الطفل. اصيب الامام بـ 8 طلقات في الصدر وعبدالله قلالة بـ 5 طلقات في الصدر ، السائق والعسكريان اللذان كانا على جانبي السيارة قتلا أيضاً وفرت الشاحنة تاركة السيارة الملكية على جانب الطريق.وتقول لوسيل انه في يوم الاربعاء 18 فبراير 1948م عند الساعة الثامنة صباحاً ذهب عساكرنا وظل منزلنا دون حماية فقد ذهبوا لان السيد عبدالله الوزير " وهو اكبر افراد اسرة حاكمة سابقة " يوزع 20 ريالاً لكل عسكري حيث اغلق على نفسه في قلعة القصر منذ اغتيال الامام وعند الساعة 30:11 صباحاً نصب عبدالله الوزير نفسه إماماً ولبس الزي التقليدي ومازال مغلقاً على نفسه القصر لأسباب امنية..وفي الساعة 3 مساءً دفن الامام يحيى على عجل بحضور بعض القبائل أما الشخصيات الرسمية فلم تحضر إذ كانوا ينتظرون المستجدات وموقف سيف الاسلام احمد.وتتابع لوسيل قائلة حلقت طائرة انجليزية فوق صنعاء على ارتفاع عالٍ وكان صديقنا ( الفونس ليبمان) لايتركنا وحيدين أمام الأحداث لأنه يعرف جيداً سيف الاسلام احمد وكان يتوقع رداً عنيفاً وأن حرباً على الخلافة قادمة لان الموقف الخائف للإمام الجديد الوزير يوحي بأن المستقبل غير مضمون وفضلاً عن ذلك موقف البلدان المجاورة فهي بلدان ملكية ولن تقبل بالتاكيد بذلك فهذا سيؤدي الى زعزعة استقرار المنطقة .وفي 19 فبراير 1948م أعلنت لندن موت الامام يحيى حينها وعند الساعة 15:4 مساءً دوت مائة طلقة مدفعية بمناسبة اعلان تنصيب الامام الجديد ونودي في الجامع الكبير ان عبدالله الوزير إمام واغلق على نفسه مجدداً في القصر .وتوضح المؤلفة تفاصيل مقتل سيف الاسلام الحسين وسيف الاسلام الحسن حيث تقول انه عندما علم الاميران بمقتل والدهما عادا الى القصر وعند نزولهما من السيارة امام باب القصر المقام الشريف قتلهما جنود كانوا نصبوا كميناً في الاماكن المجاورة كانت طلقات بنادقهم كثيفة وأدت الى مقتل عشرات الضحايا كان الطبيب العقيد موجوداً لحظة الاغتيال وكذا سيف الاسلام القاسم موجوداً في الشاحنة ولحظة اطلاق النار نزل سيف الاسلام القاسم وضاع وسط الجمع .. وكانت الممرضة تعتني بالجرحى تحت رشق الرصاص..أما نساء الامام فقد اغلقن على أنفسهن في قصر النساء المسمى " بدار الشكر "ورفضن الاستسلام وكان معهن بعض الجنود وبعض المال والذخائر وبعض المؤن وأهم شيء الماء الموجود في بئر داخل سور القصر.أما سيف الاسلام أحمد كاد أن يكون ضحية كمين لكن هذا الهجوم باء بالفشل.وفي يوم الجمعة 20 فبراير 1948م استلم عبدالله الوزير رداً على برقيته التي أرسلها للملك ابن سعود الذي يبلغه فيها بأنه سيبلغ اعضاء الجامعة العربية بالامر وسيتخذ معهم الاجراءات المناسبة.وهو يؤكد ماتنبأ به ( الفونس ليبمان) فالبلدان العربية في المنطقة كانت متضايقة جداً وفي انتظار مستجدات الاحداث.وتشير الكاتبة في هذا الفصل الى مكان تواجد كل الامراء فأحمد ذهب الى حجة وعلي محاصر في منزله وعبدالله في لندن والقاسم اختفى والحسين قُتل أما الحسن والمطهر في القفلة ، وإسماعيل محاصر في منزله وابراهيم في عدن ومحسن قتل ويحيى في السجن لرفضه الاعتراف بالحكومة الجديدة، العباس محاصر في قصر السر وعبد الرحمن عند النساء في القصر الملكي.وأبواب صنعاء موصدة منذ مقتل الامام يحيى وليس سوى باب اليمن يسمح بمرور الجنود الذاهبين الى ( ثكنة العرضي) التي تقع على بُعد (2) كيلو متر من صنعاء وارتفعت الاسعار سريعاً وتضاعفت اسعار جميع المنتجات التي يحضرها الريفيون فحتى سعر الحطب ارتفع من 5 ريالات الى 9 ريالات.وتشير المؤلفة الى أن الرئيس جمال جميل القائد الجديد للجيش نصب في باب السبح رشاشاً وعشرين عسكرياً مسلحاً..وفي 21 فبراير 1948م اعترف سيف الاسلام يحيى بالامام الجديد عبدالله وقضى يومه معه وعاد مساء الى قصره واعترفت تعز بالإمام الجديد وكذلك الحديدة كما اعلن الامام عبدالله والذي كان يتحدث من فوق قلعة القصر ان سيف الاسلام احمد موجود في حجة ولن يتحرك منها.. وقام الامام الجديد بتعيين سيف الاسلام ابراهيم رئيساً للوزراء والسيد حسين الكبسي وزيراً للخارجية كما عين محمد البدر ابن سيف الاسلام احمد محافظاً لتعز..في 22 فبراير 1948م هبطت طائرة انجليزية وذهبت اربع سيارات لاستقبال الواصلين الجدد وسيف الاسلام في حجة حيث يحشد جيشاً بهدف الاستيلاء على صنعاء وفي 23 فبراير رست أمام الحديدة طرادتان عسكريتان ، إحداهما فرنسية والاخرى انجليزية وهبطت طائرة صغيرة مجهولة الهوية عليها علامة تبدو عراقية كما اشارت الى ان المكلف بالذهاب لاعتقال سيف الاسلام احمد في حجة هو علي الوزير حيث قاد جيشاً ومعه ثلاثة مدافع والكثير من البنادق وعدد من صناديق الذخيرة.في يوم الثلاثاء 25 فبراير أصدر القائد جمال جميل امراً مطبوعاً يعلم الشعب ان اي شخص يمر في الشوارع بعد غروب الشمس لن يتم توقيفه بل سيطلق الحرس عليه دون تحذير وفي اليوم التالي وصلت شاحنتان محملتان بالجرحى وبعض القتلى ، القتلى كانوا على الارجح جرحى وماتوا في الطريق..وتوضح المؤلفة انه في 25 فبراير جرت معركة هامة في ضواحي صنعاء في " جربان وضروان" وهي قرى تقع بين مدينتي الروضة وعمران وكان النصر لصالح قوات سيف الاسلام احمد.وفي مساء 26 فبراير 1948م تم تبادل طلقات نارية بين جنود صنعاء ورجال القبائل سقط عشرة قتلى وبعض الجرحى من بين قوات الامام عبدالله ، كما ابلغ السيد هادي هيج والذي تقع تحت سلطته منطقة واسعة من تهامة سيف الاسلام احمد انه سيضع تحت تصرفه كل مايملك من بنادق وذخيرة واموال كما انضمت قبيلة مطر الى صف سيف الاسلام احمد وتزايد انصار سيف الاسلام احمد الذي قال للإمام عبدالله الوزير بالطبع اريد ان اعترف بك كإمام واخدمك لكن اريد ان اعرف اولاً من قتل والدي وهذه الحجة اعاقت ممثلي الجامعة العربية الذين اتوا الى اليمن لمقابلة الامام عبدالله قبل ان يجعلوا القوى العظمى تعترف به .وتتابع لوسيل قائلة انه في مساء يوم الجمعة 27 فبراير 1948م سمعنا طلقات نارية وقد مضى على اغتيال الامام يحيى عشرة ايام وجو المدينة يزداد اكفهراراً وليس لدينا اية وسيلة اتصال مع الخارج لطمأنة اهالينا والسلطات الفرنسية ، كنا نحس بالضياع الى حد ما إلا أن مايواسينا هو انه لم يحدث اي اعتداء من قبل السكان علينا..والسيد هادي هيج ارسل 500 عبد مزودين بأسلحة وذخائر الى سيف الاسلام احمد . وفي 28 فبراير قام سيف الاسلام حسن بقص هدبة عمامته كدلالة على تدنس الشرف وبهدف تحقير القبائل الكبيرة. وفي هذا اليوم هبطت طائرة قادمة من عدن وكان على متنها سيف الاسلام ابراهيم وكذا البدر حيث طلب سيف الاسلام ابراهيم من الامام عبدالله اطلاق سراح اخويه يحيى واسماعيل فوراً .. وفي اليوم التالي اعلن الراديو العربي ان سيف الاسلام عبدالله موجود في باريس وانه صرح بالتالي :-" القي كامل المسؤولية في مقتل والدي على الحكومة اليمنية الحالية " كما غادر وفد من القاهرة الى الحجاز لطلب رأي الملك ابن سعود يضم هذا الوفد ممثلاً عن كل دولة عربية بالاضافة الى السكرتير الشخصي للملك فاروق وغادر الوفد بعد ذلك الحجاز على متن سفينة الى الحديدة ثم قصد صنعاء براً .. وفي الليلة التالية حصل ضرب عنيف بالبنادق وعبرت رصاصة الى حديقة منزل الدكتور بيير..وفي يوم الاثنين 1 مارس 1948م وصل السيد بورفو من القنصلية الفرنسية بعدن حيث كان قلقاً جداً على مصير الاقلية الفرنسية نظراً للأخبار والاشاعات المتناقضة التي كانت تصل الى عدن وهي زيارة غير رسمية اذ ان القنصلية الفرنسية لم تكن تريد تحمل مسؤولية ذلك .. فهذا يشكل خطراً عليها وبالفعل لم يسمح للسيد بورفو بالمغادرة الى مقر عمله في عدن .. ففي ظل فوضى الحكومة الحالية من الصعب الوصول او التعرف على المسؤول الذي يوقع تصريح المغادرة وقلق السيد بورفو الذي كان يعلم ان قوات ولي العهد احمد تطبق حصارها على صنعاء.وفي يوم الاحد 7 مارس 1948م ظهرت قوات سيف الاسلام احمد في شمال صنعاء وهنالك بعض طلقات البنادق والرشاشات وسيف الاسلام العباس في الروضة على بعد 9 كيلو مترات من صنعاء تقريباً ومعه 200 رجل وفي اليوم التالي 8 مارس اغلق باب اليمن وهو الباب الوحيد المفتوح منذ اغتيال الامام يحيى وحصار المدينة يتواصل بشدة والمدافع والبنادق لم تتوقف منذ الصباح. وبعد هجوم استمر يومين استولت القبائل على مخزن للقذائف في غرفة محصنة على سفح جبل نُقم كما اخذ القبائل ايضاً مدفعاً في النقيل وآخر في بوراس وثالث في عمران .. المصريون مازالوا في صنعاء ويبدو انهم لايؤيدون الإمام عبدالله وكذا رفض السعوديون مساعدته وتقول لوسيل " رأينا بالمنظار مابين 700 إلى 800 قبيلي متجهين نحو ثكنة الخيول وثغرة في جدار سور القصر قد تكون اوقعت 75 قتيلاً .كما تم الاستيلاء على جبل نقم ونرى فيه بالناظور عدداً من الرجال يسيرون بحرية عند السور الاول والجوانب المحيطة وتتابع لوسيل قائلة اثنتا عشرة قذيفة سقطت على قاع اليهود دون ان تنفجر ونسمع من وقت لآخر وابلاً من طلقات الرشاش والبنادق ويوحي هذا بنهاية فترة الامام عبدالله الذي لم يتمكن من كسب القبائل والشعب اليمني.. ويبدو ان سيف الاسلام احمد سيصل قريباً وينتقم لاغتيال والده..والمثير للدهشة ان المؤلفة تصف الامام قائلة " سيبقى - برغم صرامته واحياناً شدته- شخصية اسطورية" ولا اعتقد بان هذه نظرة اليمنيين او حتى العرب صحيح ان له دور تاريخي لعبه على مسرح السياسة اليمنية عامة وفي العالم العربي خاصة فالامام لوكان ملتزماً وحريصاً على مصالح شعبه وامته لما اغتيل ولما فكر اليمنيون بتغير النظام الى جمهوري فلانريد ان نستعيد الماضي ياعزيزتي لوسيل ولو حتى بالذاكرة.[c1]حصار صنعاء ونهب المدينة[/c]في الفصل الحادي عشر تؤكد المؤلفة ان اطلاقاً عنيفاً بالبنادق في جنوب المدينة منذ صباح السبت 13 مارس 1948م وكان هذا بمثابة هجوم تمويهي وخلاله قام رجال تابعون لسيف الاسلام احمد كانوا مختبئين في المدينة بفتح باب " الشقاديف" للجنود المجتمعين في الضواحي المجاورة لها واخير في الليل دخل جنود سيف الاسلام احمد القادم من حجة الى المدينة واعتقدنا ان الازمة انتهت وان الحياة ستعود كما كانت عليه بيد أن الاشد كان لايزال قادماً وهو ما لم نستطع تصوره.تضيف لوسيل قائلة كان المنظر مهيباً، وخطيراً في الوقت ذاته ونحن نتأمل في الليل دخول القوات المنتصرة الى مدينة صنعاء..طلب منا عساكرنا الإذن بأخذ الخرق والحصير القديم، اخذوه وفرشوه على طول سطح المنزل وسقوه بالبترول ثم اشعلوا فيه النار حيث كان مرعباً وخارقاً ومؤثراً في آن واحد منظر جميع تلك السطوح المشتعلة في المساء وبدافع الفضول صعدنا لرؤية هذا المنظر غير المألوف وكانت المدينة تبدو وكأن حريقاً هائلاً اضرم فيها تحركه ارواح خفية من على اسطح المنازل لكن سرعان ما اضطررنا للعودة ادراجنا اذ اطلق العساكر النار من بنادقهم كعلامة على الفرح ولم يكن اطلاق النار من سطح منزلنا فحسب وكان ازيز الرصاص يدوي في آذاننا ويتردد صداه في المدينة ورغم الخطر كنا من وقت لآخر نلقي نظرة ففضولنا كان كبيراً وامر لاينسى ان نكون حاضرين هذه اللحظات .. وبعد ليلة صاخبة اكد لنا عند نهوضنا في الصباح ان الحصار انتهى ، وان سيف الاسلام احمد سيطر على المدينة لكن سعادتنا لم تكن طويلة فعند التاسعة صباحاً بدأت القبائل بنهب المدينة وقيل لنا ان هذه عادة قديمة !حيث كان القبائل يستخدمون فؤوساً صغيرة ، ذات ايد طويلة من الخشب وقوية جداً ولها من احد جانبيها جزء قاطع على شكل نصف دائرة وفي الجانب الآخر جزء حاد حيث لايقاوم امامها اي باب حتى الابواب الغليظة وتقول المؤلفة " مازلت احتفظ بواحد من هذه الفؤوس الحديدية" حيث نهب كل شيء حتى المنازل تم نهبها.(دانزكير) الذي كان في منزل الدكتور (بيير) فكان قلقاً وقرر الذهاب الى منزله ليرى ان كان كل شيء على مايرام فذهب معه (الفونس ليبمان) و (لوسيان) ورافقهم عسكري وما ان وصلوا امام باب منزله حتى اقبلت زمرة من نحو 50 قبيلياً ، وقال لهم (دانزكير) : صباح الخير انا داخل الى منزلي ... صوب نحوه قبيلي وقال : تسلمون علينا وقد قتلتم امامنا ! وقلده عدد من القبائل ، فأصبح الوضع متأزماً . كان باب المنزل لايزال مغلقاً ولم يفتح خدم (دانزكير) له الباب حينها جن جنون دانزكير وادار ظهره للقبائل وضرب بكامل قوته على بابه بينما كان وجها (الفونس ليبمان) (ولوسيان) نحو القبائل الذي يتزايد تهديدهم من غير حرج.ولحسن الحظ تدخل العسكري الذي يرافقهم فتوجه نحوه القبائل واخذوا بندقيته وجنبيته وعمامته.خلال ذلك عادوا باتجاه منزل الدكتور (بيير) وهم في اهدأ مايكون باستثناء (دانزكير) الذي كان يركض كي ينجو بنفسه ، واخيراً وصلوا الى المنزل لم تتوقف قذائف المدافع وطلقات البنادق ومايدهش لوسيل انه لم يحدث خراب كبير إذ أن جدران سور المدينة وكذا المنازل فيها فتحات ولايتهدم شيء عند انفجارها وتعلل ذلك بان المنازل مبنية من الطوب الطيني المجفف تحت حرارة الشمس..ظل النهب مستمراً مما جعل لوسيل تقول كنا نقلل شيئاً فشيئاً من تقديرنا لتحرير صنعاء فقد تم نهب كل شيء حتى السلاسل المعلقة في صدور بعض النساء حيث جاءنا بعض النساء والاطفال مرعوبين فاستضفناهم حتى ينتهي النهب واطلاق النار في هذه اللحظة صوب نحونا قبائل كانوا مارين في الشارع بنادقهم فانبطحنا جميعاً فلمحة عين قد تؤدي الى الهلاك وحتى والدتي التي هي دائماً في منتهى الانفة، كان انفها على السجاد ! بعد قليل استعدنا بعض كرامتنا والقينا نظره من النافذة ، والنتيجة اننا انبطحنا مرة اخرى واطلق احدهم طلقة اصابت أعلى الغرفة.وتؤكد لوسيل انه لا احد يعلم ان كان سيف الاسلام احمد موجوداً في صنعاء ام لا إلا أن الابواق قد دقت هذا الصباح بنداء الجنود للتسليم على الامام !بدأت حملة الاعتقالات حيث تم اعتقال اعضاء وفد الجامعة العربية والمدرسين المصريين جميعاً وكذا اعضاء حكومة الامام السابق عبدالله الوزير وعامل صنعاء اثناء حكم الامام يحيى والذي انضم الى جانب عبدالله الوزير اعتقل وسجن في سجن القصر وهو مقيد بالحديد في قدميه ولم نكن نعلم ماسيكون مصيرهم .وللقضاء على عملية النهب استخدمت السلطات النظامية استراتيجية خاصة للتخلص من الناهبين إذ أعلنت ان سيف الاسلام احمد في الروضة ويجب الذهاب لمقابلته فذهب عدد كبير من القبائل لمقابلة سيف الاسلام احمد فاغلقت ابواب صنعاء وانتهى تقريباً النهب وتتابع لوسيل قائلة هدأت المدينة لكننا لانزال غير قادرين على الخروج مضى شهر ونحن مغلقو الابواب على انفسنا فهذه المدة كانت تبدو لنا بغير نهاية ويالها من احداث في فترة قصيرة الزمن ..[c1]اعدام جميع المتآمرين على الامام يحيى[/c]في الفصل الثاني عشر تحدثت المؤلفة عن تنفيذ حكم الاعدام بحق الامام عبدالله الوزير وانصاره وكذا الرئيس جمال جميل الذي شارك في المؤامرة كل هؤلاء قطعت رؤوسهم في الميدان العام حيث كانوا يسمعون صياح الجمع وتقول لوسيل كنا بالفعل نعيش في زمن اخر حيث ظلت رؤوس المعدومين معروضة حوالي ثمانية ايام على شرفة مكان عام، فقد ذهب الفونس ليبمان وغورين واخواي اليوم التالي لرؤية الرؤوس المعروضة وهو منظر شنيع وعند عودتهم لم يهدأ روعهم إلا بعد شرب كاس من الكحول لكن المنظر ظل يلاحقهم في الكوابيس " والشيء الذي اعجبت به لوسيل في اليمن يتم معاقبة الرجال ، اما النساء والاطفال فلايحملون ابداً المسؤولية ولاتصادر املاكهم وهذا لطف من اخلاقهم التي احياناً تصبح قاسية وتقول ان زوجة واطفال الرئيس جمال جميل وكذا خدمه وضعهم الامام احمد تحت حمايته .اما سائق الشاحنة التي كان فيها من اغتالوا الامام يحيى قبل ان ينفذ فيه الحكم تم عرضه امام باب السجن في مثل مايشبه القفص وكان الناس لأيام عديدة يستطيعون رشقه بالحجارة والبصق عليه ثم يتم اعادته في المساء الى زنزانته وهو في حالة مزرية.هدأ كل شيء وبدأت الحياة تعود الى ماكانت عليه.ويبدو ان السيدة فيغريية لم تنس أمر التعويض الذي تريده من الامام اذ ان الامام هو من استقدم الدكتور بيير من فرنسا وهو المسؤول عن الموت السابق لأوانه وعن عدم توقيع العقد وكان الاوروبيون يساعدونها على ذلك لتتمكن من العودة الى فرنسا حيث كانوا معزولين تماماً فكما تقول لوسيل " ان الحكومة الفرنسية وعلى وجه الخصوص وزارة العلاقات الثقافية كانت لاتعبأ بارملة وثلاثة يتامى ضاعوا في اليمن ! وامام هذا الموقف كان من الطبيعي ان تقوم الحكومة اليمنية بالشيء نفسه..وتضيف لوسيل قائلة اخيراً استأنفنا جولاتنا على الخيول في الضواحي حيث كنا نذهب نحو الجنوب اما الشمال فمازال محرماً على الاوروبيين فكنا نسعى لرؤية الدمار الذي خلفته المدافع التي كنا نسمعها خلال حصار صنعاء لكن لم نر شيئاً والخسائر كانت في المدينة ونتيجة النهب اما في الريف فلم يُهدم اي جدار او اي منزل .. وكنا نتساءل : على ماذا كانت تطلق مدافع القصر ؟![c1]الرحيل عن صنعاء " العربية السعيدة[/c]وتتابع لوسيل اخيراً عزمت والدتي على الرحيل في نهاية مايو وبداية يونيو من عام 1948م لم نعد ننتظر زيارة الامام احمد لصنعاء من اجل العودة الى فرنسا فقد انتهى الحلم الجميل حلم العربية السعيدة والرحلة الى بلاد ملكة سبأ وبحزن شديد تجهزنا للمغادرة وملأنا صناديقنا التي سنأخذها معنا الى باريس حيث وفر الامام لوالدتي سيارة وشاحنة من اجل حاجياتنا ولم تتسلم والدتي اي تعويض ، طلب صديقنا المخلص علي من والدتي السماح له بان يرافقنا الى عدن إذ يود العمل فيها وعمل الشيء نفسه شاب يهودي ممن كان في خدمتنا فأبدت والدتي موافقتها شريطة ان يكون سفرهما قانونياً ولا اعرف كيف استطاعا الحصول على اذن الخروج من الحكومة اليمنية وكانا ممتازين طوال الرحلة وقاما بالحفاظ على الفواكه التي اخذناها معنا لإرواء عطشنا والتي كان افراد القبائل يطمعون بها..وتتابع لوسيل انهكنا الحزن واتعبنا تحضير الحقائب فطلبت والدتي من السلطات اليمنية تأجيل سفرنا 24 ساعة وارسلت ورقة بذلك مع عسكري لمن يهمه الامر وقبل يوم من موعد السفر وعند الظهيرة خلال شرب الشاي حيث استقبلنا بعض الاوروبيين ممن ظلوا أوفياء لنا وخلال جلسة الشاي رأت والدتي فجأة ظهور عسكريين اثنين غير معروفين وطلبا من اصدقائنا مغادرة المكان على الفور والظاهر انه تم رفض المهلة التي طلبتها والدتي : افرغ العسكريان المنزل من الخدم والعساكر وقاما بحراسة البئر ايضاً حتى لانتمكن من الحصول على الماء والماء الذي كان معنا في المطبخ تم سكبه على الارض ورأى الطباخ الذي يحضر لنا العشاء بأن اواني الماء افرغت من محتوياتها على الارض واطفئت النار وصدر امر بتركنا لوحدنا في المنزل .. لكن المخلص علي طمأننا واشار إعلى نوافذ الحمام والصالون الخاصين بنا ذهبنا الى حيث اشار وتأكدنا بان لدينا مايلزم لليلتنا تلك ولصباح اليوم التالي وكان لدينا في بارنا الصغير موقد صغير من اجل صنع الشاي متى ما اردنا ذلك وحتى لاتولد الريبة والشك في نفوس الحراس تصرفنا حتى مغادرتهم المنزل وكأن شيئاً لم يكن بالاضافة الى ان المخلص علي لم يضع الوقت فكان يعلم بوجود مؤونة من الماء في الدور الثاني والحمام لم ينتبه لها العسكر فخبأها لنا في منزله من اجل طريق العودة.في اليوم التالي وصلت سيارة نقل خاصة بالشرطة من أجل سفر لوسيل وعائلتها وعرف رئيس الشرطة عن نفسه وعن مساعديه وقاموا بانزال الحقائب والصناديق حيث كان العسكر لايجدون الحرج في نهب بعض الاشياء كما كانت السيدة (فيغريية) تقتل العسكر الذين دخلوا الحمام لنهبه وهي وابنتها تستحمان اذ اخذت فانوساً كبيراً يعمل على الغاز ورمته بقوة بين ارجلهم فقد كانوا يعلمون بان البعثة الطبية تتجاهلهم وانها لن تتدخل وانهم ليسوا سوى مع امرأة واطفالها الثلاثة فلماذاالحرج ! وقد منعوا مرور اي شخص من امام منزلهم..وتقول لوسيل لا اعلم كم من المال سلبونا بحجج مختلفة حيث كان اخي لوسيان الذي كان يعلم مقدار ما احتفظنا به من المال لمغادرتنا مستاء كثيراً واذكر بأني رايته غاضباً حين كان يرمي بين ارجلهم الريالات التي سلبونا اياها مرة اخرى بالإكراه ، كما اضيفت منغصة اخرى فالسيارة والشاحنة لم تأت بل كانتا بانتظارنا في احدى ابواب صنعاء " باب السباح" على بعد اكثر من نصف ساعة سيراً على الاقدام تحت اشعة الشمس فرافقنا اصدقاؤنا وساعدونا في حمل الحقائب بالايدي.وتضيف المؤلفة كان رحيلنا من صنعاء مؤلماً للغاية حيث تركنا شخصاً عزيزاً هناك انه والدي وسنبدأ من دونه رحلة العودة المليئة بالمفآجات والصعاب والتي لم تنته حتى نصل فرنسا.وتتابع المؤلفة قائلة وبترك فقيدنا الغالي على هذه الارض الغريبة فان خيبة امل تضاف الى ألمنا حيث كان لدينا بعض الورود فطلبنا من سائقنا ان يعود لمسافة قصيرة تقدر بـ " 2 كم" من اجل وضع الورود على ضريح والدي كوداع اخير قبل مغادرة صنعاء فصدمنا برفض مطلق من السائق مبرراً ذلك بأنه لم يتلق امراً ياله من رجل اعمى وقاس الى اقصى الحدود وفض بكل ماتعنيه الكلمة فتقافزت الدموع من اعيننا واضطررنا لرمي تلك الورود.كما تبين لهم اسباب العجلة في المغادرة فيما بعد ، اذ علموا بان الامام احمد سيأتي الى صنعاء ولايجب ان يطالبوه بالتعويض فحتى الطريق تقول لوسيل بما ان خط سير الامام سيكون مضبوطاً فقد كانت طريق عودتنا الى عدن ليس هي التي جئنا منها حتى لانقابل الامام في الطريق لانه لو حصل لاستوقفته امي بصوت عالٍ لتلتمس منه التعويض وسيضطر الامام الى تلبية طلبها في هذه الحالة فهذه العادة الموروثة من القرون الوسطى مازالت موجودة هناك.كما تتحدث لوسيل عن المفآجئات والصعوبات التي حصلت لهم في الطريق بما فيها سرقة بعض اغراضهم حيث تعلق: تختفي بعض الاغراض ومن المستحيل معرفة اختفائها؟وتختم لوسيل حديثها في الفصل الثالث عشر قائلة: " اعلم بان الفترة التي عشناها تبدو خارقة وخارجة عن المألوف ، لكني عشتها وحتى الآن ارى مارأيته امام عيني فلايمكن ان تنسى تفاصيل رحلة كالتي قمنا فيها من لحظات سعيدة وحزينة"..[c1]في الحلقة القادمة : ( العودة الى صنعاء واكتشاف اليمن الحديث )[/c]