مـــرافــــئ
لا ادري ان كانت وزارة الاعلام قد كسبت احمد الحماطي اعلاميا واداريا بوصفه يشغل منذ عدة سنوات وكيل الوزارة لشؤون الاذاعة والتلفزيون، ولكنني واثق كل الثقة، ويشاركني كثيرون، بان التلفزيون خسر مذيعا لامعا، بل ومذيعا نجما.العثور على اداري جيد قد لايكون بالامر الصعب. وليس في هذا اي تقليل من اهمية الكفاءة الادارية، والحاجة الى الاداري الكفؤ في كل وقت في مرافقنا العامة والخاصة على حد سواء. ولاخطر في ذهني ولا للحظة واحدة الانتقاص من كفاءة الاستاذ الحماطي الادارية. ولكن دفعني الى قول ما قلت ان العثور على المذيع النجم ليس متاحا في كل وقت.وهناك فرق شاسع بين الاثنين بين المذيع، والمذيع النجم. ففي الوقت الذي يوجد فيه مذيعون بالعشرات، فان المذيع النجم حالة نادرة. انه ليس مجرد صوت جميل ومعبر، بل هو ايضا الق دائم، والفة حميمة مع الكاميرا، وكاريزما" تجعله يتسلل الى قلوب المشاهدين بدون استئذان.والذين يعرفون احمد الحماطي، وتابعوا برامجه الناجحة في تلفزيون عدن، وتتبعوا مسيرته الاعلامية، والنجاح الذي حققه يعرفون انه مذيع نجم، يتفوق في نجوميته على كثير من نجوم الاذاعة والتلفزيون بالامس واليوم، ليس في اليمن وحدها، بل في الكثير من البلاد العربية.يصف المخرج التلفزيوني اللامع محمد محمود السلامي زميله احمد الحماطي بانه مبدع من الطراز النادر" . وليس في هذا الوصف اية مبالغة. فالبرامج التي كان يقدمها الحماطي في تلفزيون عدن خاصة (المنوعات) لاتقل جاذبية وجماهيرية عن سواها من البرامج المماثلة في كثير من الفضائيات العربية، ان لم تكن تتفوق عليها. بل ان الحماطي، المذيع، النجم، كان سباقا في تقديمها.ويذكر المشاهدون معي، كيف كنا نتحلق حول برنامجه (نادي التلفزيون) من اخراج السلامي نفسه، صغارا وكبارا، وكيف ننتظره في موعده الاسبوعي، وكيف كنا نتسمر امام الشاشة الصغيرة دونما ملل. فعل ذلك هو والمخرج وطاقم البرنامج في ظل امكانيات محدودة، وجوائز متواضعة على عكس ما نراه اليوم من برامج مماثلة توظف لها امكانيات هائلة، وديكورات مبهرة، وجوائز تبلغ الملايين يسيل لها اللعاب في الفضائيات العربية!.لانعرف على وجه التحديد، الظروف التي جعلت الحماطي يبتعد عن التلفزيون ونجوميته التي حققها خلال سنوات طويلة! لكن .. لعل في منصب وكيل وزارة" ما يغري اكثر من وظيفة المذيع، خاصة ان هناك من يعامل المذيع كموظف وليس كمبدع وشتان بين الاثنين . ولست اقصد هنا الاغراء المادي"، ومن خلاله وضعه الاجتماعي، بل اقصد الوجاهة والمكانة الاجتماعية التي تمنحها الوظيفة الحكومية خاصة في منصب رفيع كوكيل وزارة. لاشك ان طريقة معاملة المجتمع لصاحبها تختلف كل الاختلاف عن معاملته للمذيع والاعلامي على وجه العموم!.في مجتمعات اخرى يعامل المذيع، خصوصاً اذا كان نجما كالحماطي معاملة خاصة تليق به وبمكانته ونجوميته وشهرته. ولعل جورج قرداحي، واوبرا وينفري وهما من نجوم التلفزيون المشهورين ومن مقدمي (المنوعات)، خير دليل على المكانة الرفيعة التي يحظى بها النجوم في تلك المجتمعات.في مجتمعنا اليمني، والمجتمعات المماثلة، فان نظرة المجتمع للمذيع، وان كانت لاتنتقص من شزنه، لكنها ايضا هي اقل بدرجات من المكانة الاجتماعية والتقديرية من المجتمع للشيخ، او الوزير، او حتى وكيل الوزارة. وفي ذلك فرق كبير، ناهيك عن مدى النفوذ، وتواضع دخل المذيع قياسا بمدخولات الاخيرين.لعل الحماطي الذي لاينقصه الذكاء ولا الطموح، ادرك قبل غيره من زملائه المذيعين والعاملين في التلفزيون ما سيؤول اليه وضعه بعد عدد من السنين عندما يحال كغيره الى التقاعد، فتجنب بحاسة استشفاف حادة عنده ذلك المصير المؤلم الذي آل اليه زملاؤه الذين احيلوا الى المعاش بصورة غير لائقة، وبمعاش ضئيل لايسمن ولايغني من جوع.ولعل الاستاذ احمد الحماطي بوصفه وكيل وزارة الاعلام لشؤون الاذاعة والتلفزيون، يستطيع - وهذا امل زملائه وعشمهم فيه - تحقيق شروط تقاعد انسانية ولائقة بهم كمبدعين. وليس هناك من هوا اقدر على تقدير ظروفهم وتعبهم اليومي من موقعه السابق كمذيع نجم عاش نفس الظروف، واكتوى بنفس المعاناة، خاصة بعد ان اصبح منوطا به من موقعه الاداري القيادي تطوير شؤون الاذاعة والتلفزيون، ويزتي الاهتمام بالكادر الاعلامي فيهما على رأ هذا التطوير.اما نحن المشاهدين، فنفتقد للحماطي، المذيع ، المثقف، النجم. نفتقده كثيرا. لكننا لانعرف كيف نستعيده الى التلفزيون، والى جمهوره!.