سعيد صالح بامكريدالعولمة الثقافية وفق التصور الامريكي كما في عشرات المقالات بالصحف والمجلات الامريكية تعني قي المقام الاول هيمنة الثقافة الامريكية على العالم بأكمله أمماً وشعوباً عبر فعاليات شتى وأنشطة متنوعة ابرزها مصنع الاحلام "هوليود" أفلام سينمائية ، مسلسلات مثيرة ، برامج فاضحة، مسابقات عجيبة ماانزل الله بها من سلطان وما يتبعها من مهرجانات للعري وغيره ..هذا جميعه يتم الترويج له للتأثير على الاحاسيس والرغبات الجامحة بهدف اقتحام عقول ومشاعر ونفسيات الكبار قبل الصغار في مشارق الارض ومغاربها .. ولتأكيد صحة ما ذهبنا إليه نعطي بعض الأمثلة: مقالة شهيرة عنوانها "ثقافة العولمة" كتبها الصحفي الامريكي جويل سفردلوف نشرتها احدى ابرز المجلات الامريكية يتحدث فيها عن النجمة السينمائية مارلين مونرو حيث يصفها بايقونة أو لؤلؤة تعبر عن روح ثقافة العولمة ، لانها كما يقول الكاتب غزت قلوب وعقول ملايين الناس في العالم حتى سكان الغابات.مقال آخر في إطار ثقافة العولمة الامريكية جاء بعنوان "العالم معاً" للكاتب الصحفي الامريكي ارلار فنجل الذي يقول:ان الثقافات تتغير نتيجة حركة السلع وزيادة التبادل التجاري .. وان حركة الشعوب وتطور الافكار ليس إلا نتاج حركة السلع.يا ترى أي خواء وغواء تحمله هذه الافكار مضافاً إليها أفلام هوليود ذات الانتاج الضخم الذي لا يقدم رؤية سوى الترفيه والتسلية والمتعة والإثارة.هنا يمكننا القول باختصار ان امريكا ترى الثقافة مجرد سلعة تجارية يجب ان تحقق الربح المادي وقيمتها تكمن في ذلك.الثقافة لدى الامريكان عبارة عن نشاط تجاري يرفد منتجيه بعائد مادي أي ليس له علاقة بالقيم الإنسانية وما شابهها.بعض الدول الكبيرة التي تضع في حساباتها ثقافة مجتمعاتها وحماية أبنائها والدفاع عن القيم والافكار الانسانية وجدت نفسها في خندق المواجهة مع العولمة الامريكية ، من هذه الدول كندا الجارة الاولى للولايات المتحدة.في محاولة كندية للتصدي للهيمنة الثقافية الامريكية تم عام 1998م في مدينة اوتاوا عقد مؤتمر ثقافي عالمي بعنوان "ثقافات العالم" قام فيه المشاركون بمناقشة ثلاث قضايا هي:1) تعدد الثقافات والتنمية.2) الثقافة والعالمية .3) الثقافة والتجارة .شارك في هذا المؤتمر 22 وزيراً للثقافة من مختلف دول العالم ، وللأسف لم يشارك وزير ثقافة عربي واحد في هذا المؤتمر الذي خرج بقرارات وتوصيات تطالب بالتصدي للهيمنة الثقافية الامريكية .قامت الولايات المتحدة بشن حملة شعواء ضد هذا المؤتمر ، لم تكتف بالاعتراض على قرارات وتوصيات المؤتمر ، بل اشعلت حمماً تجارية بها ونتيجة لهذه الحرب الامريكية تراجعت كندا تراجعاً كاملاً عن قرارات وتوصيات ذلك المؤتمر حفاظاً على علاقاتها ومصالحها التجارية الكبيرة مع الولايات المتحدة .في الجانب الاوروبي ، وفي إطار مواجهة أوروبا للهيمنة الثقافية الامريكية صدرت مؤخراً الترجمة العربية لكتاب المؤلف الفرنسي بيير بيار نيس الذي يحمل عنواناً لافتاً "القرن الحادي والعشرون لن يكون أمريكياً" .. هذا الكتاب يضفي على الخلافات القائمة بين الولايات المتحدة ودول أوروبا خصوصاً فرنسا والمانيا طابعاً يتجاوز الخلاف على المصالح الاقتصادية والتجارية وتقاسم مواقع النفوذ إلى أمور أعمق وأكبر ترتكز على خلاف في مبادئ ثقافية وحضارية وإنسانية ، بمعنى آخر انهم في أوروبا يرفضون رفضاً قاطعاً الهيمنة الثقافية الامريكية ، ينددون بالتبعية لامريكا في الثقافة والاعلام .. الاوروبيون يرفضون بشدة ان تكون الثقافة سلعة بيد التجار وشركات الاحتكار .. يقول هذا الكاتب الفرنسي بالنص :"انها مسؤولية كل مثقفي العالم التصدي لهذه الهيمنة الامريكية لانها لا تستند الى ثقافة بل الى منطق القوة ".في الجانب العربي تصدى عدد لا بأس به من كبار الكتاب والمفكرين والأدباء للهيمنة الثقافية الامريكية نذكر منهم الدكتور عبدالعزيز المقالح والدكتور محمد الرميحي المفكر الكويتي المعروف .المثقفون العرب عموماً اعتبروا العولمة بشكل عام والثقافة بوجه خاص وباء شأنه شأن الكثير من الأوبئة التي عانى منها الانسان في مختلف العصور وهذا الوباء يتطلب شحذ جميع الاسلحة العقلية وأكثرها فاعلية لمواجهته .. يقول الدكتور المقالح "يتبين لنا ان عولمة القطب الواحد تسعى الى اغتصاب عقل الانسان وفكره ليسهل عليها بعد ذلك اغتصاب أرضه وثرواته وامكاناته الخاصة والعامة ".. ويضيف الدكتور المقالح محللاً بعض المظاهر المأساوية التي عرفها العالم العربي مؤخراً قائلاً:"إن سقوط العراق الشقيق في قبضة القطب الواحد سيذل العرب ، فاننا ندرك ان الأرض العربية هي الميدان الوحيد والمفتوح الذي ستبدأ منه العولمة الثقافية الانطلاق في ممارسة أنشطتها على مساحته" .ما كتبه الدكتور المقالح نجده اليوم واقعاً مجسداً في العراق حيث تجرأ بعض زبانية الاحتلال لتجريد العراقيين من هويتهم الثقافية ولغتهم العربية ، بل وصل القول الى ان العراق ليس عربياً !أما الدكتور الرميحي رئيس التحرير السابق لمجلة العربي فقد قال :"هناك حرب تشن حالياً ضد الثقافة عموماً ، والثقافة العربية بوجه خاص مصدرها الغرب تهدف الى تغيير المفاهيم الإسلامية وتغيير المناهج التربوية بحيث تفضي الى افراغها من مضامينها لتكريس الثقافة الغربية ".وفي اتهام واضح للغرب الامريكي يضيف الدكتور الرميحي :" هناك فهم امريكي مغلوط للثقافة العربية واتهامها بانها تضمر شراً للغرب وامريكا خصوصاً" ، واشار الرميحي ايضاً الى مسألة بالغة الأهمية بقوله :" إن العرب لم يلتفتوا الى دور الثقافة في حلبة الصراع الا بعد احداث (11) سبتمبر.نحن العرب في أمس الحاجة اليوم للاستعداد لمواجهة عولمة الثقافة باعتبارها معركة ضد العقل والفكر والحضارة ، وهي هجمة على كياننا الروحي والثقافي والمعرفي قبل ان تكون هجمة على ثرواتنا وخيرات بلادنا ".
|
ثقافة
إنهم يرفضون هيمنة الثقافة الأمريكية
أخبار متعلقة