إذا أردت أن ترى المؤرخين اليمنيين القدامى أصحاب القدح المعلى والذين ضربوا بسهم وافر في كتابة التاريخ اليمني الإسلامي أمثال الرازي المتوفى سنة ( 460هـ / 1068م ) مؤلف ( تاريخ مدينة صنعاء )، والخزرجى المتوفى ( 812 هـ / 1409م ) صاحب ( العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية ) ، وابن الديبع المتوفى ( 944هـ / 1537م ) مؤلف ( الفضل المزيد على بغية المستفيد في أخبار مدينة زبيد). وعبد الله الطيب بامخرمة المتوفى ( 947هـ / 1540م ) كاتب كتاب ( تاريخ ثغر عدن ) ، فما عليك إلاّ أنّ تلتقي بشيخ المؤرخين في اليمن القاضي إسماعيل بن علي الأكوع فتشعر شعورًا صادقاً وحقيقيًا أنك ترى هؤلاء المؤرخين القدامى مجتمعين في شخصيته الرائعة ، فإذا ما تحدثت معه تجسدت لك شخصية العلماء النوابغ المتحلين بالتواضع الجم ، وغزارة العلم ، وسعة الأفق ، والإنصات الجيد للآخرين . وحديثه سلسل ، سهل ، جذاب ، وموجز يصل إلى قلب الحقيقة التاريخية وكذلك إلى قلوب القراء مباشرة . [c1]حياته التاريخ[/c] والحقيقة إنّ مؤلفاته المتنوعة ، وتحقيقاته المتعددة تنطق عن عظمة مؤرخنا القاضي إسماعيل الأكوع لكونها تعتمد على المعطيات القيمة والمعلومات المهمة وتتكئ على المراجع التاريخية السليمة . ويتحلى مؤرخنا النابغة القاضي إسماعيل بن علي الأكوع ، بالصبر والمثابرة على متابعة قضية معينة من قضايا التاريخ ويضعها تحت مجهر البحث التاريخي فيحللها تحليلاً عميقاً ، فيخرج منها بنتائج جد قيمة وجديدة في آن واحد . والقاضي إسماعيل الأكوع وهب حياته ، وصحته ، ووقته لكتابة تاريخنا اليمني الإسلامي بصورة مشرقة ومشرفة. ولسنا نبالغ إذا قلنا أنّ حياته التاريخ، يتنفس التاريخ ، لا يشغله شاغل سوى البحث والتنقيب عن التاريخ اليمني . شرّق وغرّب في كثير من بلدان العالم العربية والأوربية ، وأمريكا فعثر على الكثير من المخطوطات اليمنية النادرة والنفيسة والتي أولاها عناية فائقة في أبحاثه وتحقيقاته . ولقد أسعدتني الظروف أنّ ألتقي به في منزله بصنعاء ، وأشاهد وألمس غرفته أو قل إذا شئت محرابه الذي يعتكف فيه ليخرج للقراء دُرر من مؤلفاته ، وأبحاثه ، وتحقيقاته .[c1]من روائع الكتب اليمنية[/c]وهذا مؤلفه الرائع والذي يعد من مراجع تاريخ اليمن الإسلامي وإنّ لم يكن من أهم مراجع تاريخ اليمن الإسلامي على الإطلاق والذي بذل فيه من الجهد ، والنصب ، والتعب . ولقد أخذ الكثير من صحته ، ووقته وهو (( هجر العلم ومعاقله في اليمن )) الذي يبلغ أربعة مجلدات مع إضافة كتاب ضخم يحمل عنوان (( المستدرك )) . ولقد أمضى مؤرخنا في تأليف هذا المجلد الضخم أو السفر العظيم قرابة عشرين سنة , ولقد سد فراغاً كبيراً في رفوف تاريخ المكتبة اليمنية والذي كنا في أمس الحاجة إليه في معرفة الكثير والكثير جدًا عن الشخصيات اليمنية التي لعبت دورًا هامًا على مسرح اليمن السياسي من ناحية ، ووضعت بصمات مضيئة على الفكر اليمني الإسلامي . ونقتطف بعض ما جاء ذكره في تقريظ هذا المجلد الضخم من قِبل القاضي ( العلامة عبد الرحمن بن يحيى الإرياني ) رئيس المجلس الجمهوري الأسبق ، فيقول : “ أولاً : إن (هجر العلم ومعاقله في اليمن ) ، جاء شاملاً كاملاً إلى أقصى مدى يمكن إليه مؤلف بجهده الفردي ... ثانيًا : إنّ الكتاب ، يتحلى بالصدق ، والعدل ، والإنصاف ، فقد أعطى لكل ذي حق حقه . . . ونوّه بالعلماء اليمنيين الأفذاذ . . . ثالثاً : إنّ الكتاب قد بني على التحقيق ، والتدقيق . . . رابعًا : إنّ هذا الكتاب ؛ قد أصبح وسيظل ، مرجعًا أساسيًا لتاريخ اليمن في العصر الإسلامي ، لا يستغني عنه أي باحث في هذا المجال “. وفي الختام يشيد بجهود مؤرخنا الفذ إسماعيل الأكوع على مؤلفه الضخم ، فيقول القاضي العلامة رئيس المجلس الجمهوري الأسبق : “ وأخيرًا , لا يملك أي قارئ لكتاب ( هجر العلم ومعاقله في اليمن )، إلاّ أنّ يشيد ، منوهًا بالجهد ، والدقة ، والتحري، والتجرد عن الهوى ، لمؤلفه القاضي العلامة (إسماعيل بن علي الأكوع ) ، حفظه الله “ . مؤلفاته الأخرىوالحقيقة إنه بجانب مجلده الضخم ( هجر العلم ومعاقله في اليمن ) ، كتب مؤرخنا الكبير القاضي إسماعيل الأكوع مؤلفات غاية في الروعة، وفريدة في أبوابها على سبيل المثال : المدارس الإسلامية في اليمن ، الدولة الرسولية في اليمن، أئمة العِلم المجتهدون في اليمن، نشوان بن سعيد الحِميري ، والصراع الفكري والسياسي والمذهبي في عصره ، أعراف وتقاليد حكاّم اليمن في العَصر الإسلامي ، وتاريخ أعلام آل الأكوع وغيرها من المؤلفات القيمة بالإضافة إلى الدراسات التي نشرها في المجلات العلمية المتخصصة . [c1]مفتاح شخصيته[/c] والحقيقة تتسم مؤلفات مؤرخنا القاضي إسماعيل الأكوع بأنّ صفحاتها لا تحمل أحداث تاريخية فحسب بل تحمل الفكر اليمني الإسلامي، وكيف كان يتألق ويزدهر في عصور الدول اليمنية التي تعاقبت على حكم اليمن أمثال الدولة الرسولية الغرة الشادخة في جبين تاريخ اليمن الإسلامي ـــ على حسب قول القاضي إسماعيل الأكوع ـــ والحقيقة إنّ شيخ المؤرخين لا يشيد بدولة بني رسول بكونها دولة قوية في الجانب العسكري بل الذي جعله مشدودًا إليها هو احتفاؤها بالعلم والعلماء والفقهاء ، وحب الكثير من سلاطينها وملوكها لنشر أنوار العلم . ونستطيع القول أنّ حبه ، وإذا شئت عشقه وغرامه لتلك الدولة أو الدول أو الشخصية أو الشخصيات تكمن في تقديرهم واحترامهم العميقين للعلم والمعرفة . وإذا أردنا أنّ نحلل شخصية مؤرخنا العملاق القاضي إسماعيل بن على الأكوع فإنّ مفتاح شخصيته تكمن في حبه وتقديره للعلم والمعرفة . فمؤلفاته ـــ كما قلنا سابقاً ـــ تحمل فكرًا ، وعلمًا ، وليس أحداث ووقائع تاريخية مجردة . والحقيقة إنّ كتابات القاضي إسماعيل الأكوع التاريخية ، كتابات تمتلئ بالحيوية ، والحركة ، ويتخيل للقارئ عندما تقرأ سطور صفحات كتبه أنّ الشخصيات تكاد تطل منها . وكيفما كان الأمر ، نرجو من الله سبحانه وتعالى أنّ يحفظ مؤرخنا الكبير شيخ المؤرخين اليمنيين ، ويعطيه الصحة والعافية ، وأنّ يمنحه القوة على مواصلة جذوة إبداعاته في كتابة تاريخ اليمن ـــ اللهم آمين ـــ .
|
تاريخ
شيخ المؤرخين في اليمن القاضي إسماعيل الأكوع
أخبار متعلقة