أضواء
قصتنا مع البرغماتية المتلبسة بمعاطف الجمال قصة قديمة، ووضع المكياج السياسي مهنتنا.ارتداؤنا لمعطف العدالة المشترى من السوق السوداء قديم قديم . إيران وأمريكا يتعاملان مع العراق كجبهة رسائل من أجل مصالحهما القومية والبرغماتية البحتة.فالعراق، كما هو لبنان، أصبح الخاصرة الأكثر رخاوة لزراعة السكاكين المتبادلة بين الرئيس نجاد الذي يرى نفسه مدعوماً ومسدداً من قبل الله ويمتلك كل صكوك الغفران الإلهية ، وكذلك الرئيس بوش، الذي زعم في أكثر من خطاب له، أن الله يؤيده في كل ما يقوم به في العراق ،حتى في دعمه لإسرائيل . المشكلة، أننا نحن الذين ندفع الثمن . والفقراء هم الذين يدفعون فواتير السياسة، ثم ينامون باطمئنان تحت رحمة تخدير الشعارات الديماغوجية . من سيسأل عن كل هؤلاء الزهور العراقية المذبوحة في ساحات البصرة؟والسؤال، من يمتلك خيوط تحريك مقتدى الصدر أو إيقافه؟إيران تنام على مخدة البرغماتية، وجماعة مقتدى الصدر،ومن لف لفهم هم من يقدمون فواتير المذابح الجنونية . من حق إيران أن تحمي ظهرها ولكن ليس من حقها أن تستخدم هؤلاء الفقراء حطباً لوقود الصراع الدائر ما بينها وبين أمريكا . أنا لا أتفق مع التعبير الجارح للاستاذ سعيد عقل في وصفه للجمهور العربي ،عندما قال :( تعرفت على بغل كبير، اسمه الرأي العام ) ، لكني أتفق مع تعبير غوستاف لوبون عندما قال : إن هناك جماهير تقاد إلى المسلخ وهي تبتسم . شعوبنا العربية شبعت موتاً وتسلقاً باسم الثورية، وباسم الدين على حساب حياتها وشبابها وتنمية بلدانها وعمرانها . يقول نزار قباني في ديوانه ( قصائد مغضوب عليها): كلفنا ارتجالنا خمسين ألف خيمة جديدة . الشعوب الغربية، بل حتى الآسيوية تستعرض بعضلاتها العلمية والاختراعية . فهي عنترة بن شداد، ولكن في قوة الاقتصاد ومتانة الحداثة وبراعة الاختراع ، ونحن نستعرض بصراخ الحناجر، وبشوارب شمشون الجبار . أبطالهم مخترعون، وأبطالنا لايقودوننا إلا إلى مزيد من المحارق والدمار والعدمية والموت . نحن أمة تقدس الهزيمة، ولو كانت مغلفة بألف كفن وتابوت . نحن أمة تفتخر بزراعة عشرات المقابر على أنقاض ألف حديقة وحديقة فمن يدعو للحياة يصبح متهماً، ومن يبني المشانق للموت يصبح القديس الذي يستسقى به الغمام، في مجتمعات ترى من العدمية حياة ومن الحياة طريقاً للموت . إن السر وراء انتصار خطاب الراديكاليين في العالم العربي هو غياب الدولة، وإصابة الديمقراطية العربية بهشاشة العظام . إن سبب انتشار الخطاب الراديكالي يعود لأمرين : إن المثقف العربي لا يخاطب الناس إلا من فوق البلكونة، وبعض الحكومات وجدت في بناء الأبراج طريقاً للحداثة، رغم أنه أثبتت التجارب، أن العالم العربي بحاجة قبل بناء الأبراج الأسمنتية ذات الأفق البعيد إلى بناء أبراج في الفكر، وناطحات سحاب في الثقافة، ليكتشف إبداعات الأمم والشعوب، وكي يخرج من الأقفاص الفكرية والزنزانات المؤدلجة المليئة بالرطوبة والفئران والأمراض والطحالب . إين هي دولنا من أكياس الطائفية التي توزع على الناس في كل مكان، من على منابر متنوعة، قائمة على صناعة ثقافة شعبوية مفخخة؟أين هي من الألغام الشوفينية التي توزع مع ربطات الخبز في أغلب مناسباتنا واحتفالاتنا؟لن نقبل بما نظر إليه الشيخ محمد عبده بما أسماه بـ(الاستبداد المستنير ) مكان (الاستبداد المطلق ) ولكن ما نريده هو الديمقراطية القوية، وتقنين حقوق الإنسان كي ننجو من المورفين الاثني، الذي يوزع على الفقراء . الحكومات والمؤسسات المدنية والمثقفون في العالم العربي مطالبون بمحاربة كل الدعوات المؤدلجة المفخخة، وإلا لن يكون هناك تغيير في العالم العربي . لا بد من الجرأة في التغيير، ولا بد من خطاب الصدمة، وقلب الطاولات على أي فكر راديكالي تعصيبي، يرفض العقل التداولي، ويؤمن بزراعة المشانق الراديكالية على حساب الوطنية والانفتاح والحداثة والتنمية والتغيير . المعركة مع الفكر الإقصائي معركة مكلفة، ولكن لا بد من الصمود، فالجرأة في التغيير هي التي وإن قتلت سقراط غير أنها خلدته عظيماً في التاريخ كما خلدت أفكاره التغييرية، وأصبح هو المنتصر بعد مئات السنين . فخته 1814 اتهموه بالإلحاد، واضطهدته الحكومة والكنيسة والطلاب، وفصل من الجامعة أيضاً، لكنه انتصر في نهاية المطاف . إننا بحاجة إلى مثقف يمتلك قلبًا مصفحاً ضد الصدمات، ودوره أن يشعل الحرائق في مخيمات التخلف دون أن يعبأ بردات الفعل . إن من لا يستأنس باللعب بأسنان التمساح، ومن لا ينتعش بمقارعة أسماك القرش، ومن يخاف العبث بعش الدبابير في سبيل الإصلاح ومعركة التنوير، الأفضل له أن ينام مع الأرانب أو مع ابن آوى أو النعامات.لإن المثقف اللذي لا يموت وجسده مليء بالثقوب والشقوق، ومن طعنات قبائل الماوماو مثقف لايمكن أن يكسب معركة ولو كانت من أجل التغيير والحضارة . [c1]* عن / صحيفة “الوطن” البحرينية[/c]