رحلة في مساء ممطر
الجو في الخارج يشوي الوجوه من شدة الحرارة والشمس تكاد لا ترى من شدة العاصفة " تحجبها ذرات من الرمال الصحراوية القادمة من شمال الصحراء ورياح شديدة تخنق الأنفس. الهجير القادم على الطريق الإسفلتية يذيب عجلات السيارات. والأشجار تعجز عن صد تلك العاصفة.اتصل بي قائلاً : رحلتنا لن تتم ستؤجل إلى يوم آخر بسبب هذه العاصفة.قلت في نفسي : أمامنا وقت آخر إذن هل يستمر الجو على هذه الصورة أم سيتغير؟الساعة تقترب من الثانية بعد الظهر والجو يتكهرب أكثر قلت في نفسي : الجلوس في المنزل أرحم. أغلقت النوافذ جميعها ورحت أخلع ملابسي استعداداً لتناول طعام الغداء فالرحلة أجلت والراحة في البيت أرحم من هذا الجو المليء بالصخب.الساعة تقترب من الثالثة والنصف. تحسن الجو قليلاً.. هدأت الرياح وخرجت الشمس من مخبئها وزحفت الرياح شرقاً. أطللت من النافذة كانت الأشجار هادئة لكن الغبار ما زال عالقاً في سماء المدينة.رن التلفون السيار.. كان هو المتكلم.قال : لقد هدأ الجو قليلاً هل ما زلت مستعد للرحلة.قلت : نعم.قال : ( زين ) سأكون لديك بعد عشر دقائق سنصلي العصر في أقرب مسجد يصادفنا.استعددت للرحلة التي لا أعرف إلى أين! أخذت آلة التصوير وقفزت مسرعاً إلى الخارج.بدأ الجو بالتحسن وعجاجة الصحراء انطوت إلى الشمال تركت كل شيء بدأ الناس بالتنفس خرج الناس من منازلهم راكبين سياراتهم الفاخرة. بدأت السيارات تمرق الشارع كما يمرق السهم من الرمية سيارتنا تخوض الطريق من الشرق إلى الغرب. الطريق الإسفلتية تمتد أمامنا كثعبان قادم من كثبان رملية تختفي أحياناً وتظهر أحياناً.قال أحد الأخوة : نؤدي صلاة العصر ثم ننطلق. أوقفنا سيارتنا كان الجو قد بدأ يتحسن. وتحول الجو من رياح وعواصف رملية إلى سكون.. السحب بدأت تتجمع وزخات المطر تتساقط. ذرات الرمال العالقة في الجو بدأت تهبط إلى الأرض واختفت الشمس خلف السحب الركامية. إنه الربيع.خرجنا بعد أداء صلاة العصر وإذا بالمطر يتساقط بغزارةقال : سبحان المبدع.. تنفسنا الصعداء ورحنا نستنشق الجو المليء برائحة الطين المعجون بماء المطر.. تقف سيارتنا فجأة. كان المطر يهطل بغزارة. انفتح باب السيارة يقفز شخصاً يسلم علينا.قال السائق : هذا الدليل ( أبو سعود ) أما أنا فمجرد سائق.. انطلقت السيارة تمسح بعجلاتها ماء المطر المتراكم على الطريق الإسفلتي ومساحات السيارة تعمل على اجتثاث الماء من على الزجاج الأمامي للسيارة.قال الدليل : من أين البداية؟قلنا معاً : أنت الدليل.قال : إلى الكويت القديمة، نبدأ بالمعالم الأثرية، ثم التاريخية. ثم المعالم العلمية هذه بوابة الكويت القديم. المعالم الأثرية باقية البوابة الثانية. ثم البوابة الثالثة ثم البوابة الرابعة. الدليل يشرح ونحن نستمع عبارة مكتوبة في مدخل القصر الأميري ( إذا دامت لي ما عاشت لغيري ) هذه أبراج الكويت.. تعدينا المعالم الأثرية والتاريخية.المطر ما زال يهطل بغزارة والعاصفة التي لطخت المدينة ظلت تزحف إلى الأمام كأننا نتابعها أخيراً سقطت في بحر الخليج. وانزاحت تلك العاصفة الرملية من فوق المدينة. المطر يبلل عجلات السيارة ونحن نقترب من صرح علمي شامخ أنه روعة في الجمال والعظمة البحر يمتد بعظمته يعانق زرقة السماء والسفينة التي أبحرت في يوم من الأيام من مياه الخليج منذ سنين تقف شامخة في الجانب الغربي عليها علامات على عمرها والصانع لها أنها تخلد للراحة بعد أن ذاقت الأمرين. ما زال المطر يهطل وجو المدينة قد تغير لونه لقد غسله المطر. بدأت الشمس بالمغيب ونحن بين خيال وحقيقة.قال أبو أسماء : أنا محظوظ أول مرة أزور هذا المكان. طفنا أرجاء المركز إنه روعة في الجمال والعظمة. بدأت آلة التصوير تعمل وبكل حرية. خرجنا نحمل صورة لهذا الصرح العلمي الهام. خرجنا راسمين صورة مذهلة لما رأيناه. المطر ينهمر بغزارة معلم آخر نتجه نحوه. البحر يمتد أمامنا بزرقته وساحل ممتد إلى ما لا نهاية. العشاق يتبادلون أطراف الحديث مع حبات المطر وهمسات المساء تخرج دافئة من بين الأيدي المتشابكة وهواء بارد ينساق من شرفة البحر وأشجار النخيل تأخذ صمتها الأزلي تعطي للعشاق خلوتهم في هذا المساء الممطر.قال وهو يتخطى باب السيارة : لابد من زيارة معلم آخر. مكتبة البابطين الصرح الشامخ للكويت.مازال المطر يرافقنا بين الفينة والأخرى. هذه هي المكتبة مفتوحة بشكل كتاب مصممة بشكل هندسي رائع.. إنها للشعر العربي. زرنا المكتبة واطلعنا على معالمها طفنا وتعرفنا واستمعنا عن المكتبة وإنشائها، بدأ الليل يسدل رداءه. الجوع بدأ يدغدغ الأنفس هذا الجامع الكبير الذي يحتوي على المسجد وقاعات للمحاضرات لا تريد أن تخرج منه. مكتبة ( قرطاس ) هي رمز للفكر في هذا السوق المبارك.إلى الكويت المدينة الجميلة الصاخبة. حطينا الرحيل عند أحد المطاعم. هذه الأسواق التي لا تهدأ في هذا المساء الجميل. لابد من تناول طعام العشاء. أكلنا السمك من شط العرب واستمتعنا برحلة جميلة لم نحس فيها بالساعات الطوال. الساعة تقترب من الحادية عشرة مساء.تركنا دليلنا عند نقطة البداية. ورحنا نبحر في سيارتنا إلى منطقة الجهراء لنخلد إلى الراحة ويوم جديد من رحلة.. ومساء ممطر..