ملامح رمضانية
القاهرة : من /14اكتوبر/ وكالة الصحافة العربية:شهر رمضان شهر عظيم مبارك ، تتعدد فيه مظاهر البركة التي ينالها من يصومه إيمانا واحتسابا، ومن مظاهر البركة أن فيه ليلة مباركة هي خير من ألف شهر، من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.وهذه الليلة هي ليلة القدر، والخير في هذه الليلة إنما هو خير بالنسبة للثواب العظيم الذي يناله من يقومها بالعبادة الصادقة علي النحو الذي جاء في الحديث النبوي الشريف، ولما كانت الليلة بهذه المنزلة العظيمة التي كانت لها حيث نزل فيها القرآن الكريم، فإن نبينا صلي الله عليه وسلم خص تلك الليالي التي توجد فيها بأن يعاملها معاملة خاصة من ناحية العبادة والتقرب الي الله بالطاعة ، وقد كان هذا الاختصاص من خلال الاعتكاف في المسجد حتي يتفرغ للعبادة التي تناسب تلك الأيام الأخيرة المباركة، التي اختصت بأن تكون فيها ليلة القدر التي اختصت بأن تشارك في إحيائها ملائكة السماء مع عباد الأرض ، إن نبينا صلي الله عليه وسلم كان يستقبل هذه الليالي العشر بسنة الاعتكاف، وكان يعد نفسه لذلك إعدادا خاصا تحدثت عنه السيدة عائشة أم المؤمنين بقولها: “ كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله وشد المئزر “ وقد صار ذلك سنة يقتدي فيها المسلمون بنبيهم صلي الله عليه وسلم حيث يكون مع المكث والبقاء في المسجد الاجتهاد في العبادة والإكثار من النوافل التي تتجلي في الإكثار من الصلاة وتلاوة القرآن الكريم، والتسبيح والتحميد والاستغفار، والصلاة علي النبي مع الدعاء الخاشع لله رب العالمين[c1]سنة الاعتكاف [/c]ويقول العلماء إن الرسول صلي الله عليه وسلم ، سن الاعتكاف في رمضان ، تفرغا لعبادة الله تعالي ، مالم يكن نذرا لأن أي طاعة ينذرها المكلف تكون واجبة ، إذ يقول ابن عباس سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وهو يقول : ( من مشي في حاجة أخيه ، وبلغ فيها كان خيرا له من اعتكاف عشر سنين ، ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله تعالي جعله الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق ، أبعد مما بين الخافقين ) . وفسر العلماء الخافقين ، بأنهما أفقا المشرق والمغرب ، لأن الليل والنهار يخفقان فيهما . وطبيعة الاعتكاف أن الإنسان يخلو في هذا المكان ، ولا يشغل نفسه بمطالب الدنيا ، فمن آداب الاعتكاف الاشتغال بالعبادة والتدبر ، وعدم الاشتغال بالكلام عنه ، ويكف عن اللغو ، فالمعتكف في المسجد يتخير جزءا من المسجد ، ويقرأ القرآن ، ويكثر من الصلاة بالإضافة إلي الصوم ..وينبه العلماء أن احياء العشر الأواخر من رمضان ، لايتيسر إلا بأمور ظاهرة وأمور باطنة ، فأما الظاهرة ، فهي عدم الإكثار من الطعام والشراب ،لأن ذلك يثقل البدن ، ويضعف الهمة ، ولا يكلف نفسه بالنهار فوق طاقتها ، فتضعف ولا تقوي علي قيام الليل .ولا تختلف سنة الاعتكاف بين بلد وآخر فهي وسنة مؤكدة في الشهر الفضيل ، ولذلك يحرص الصائمون في مصر علي إحياء العشرالأواخر، وتزدحم المساجد بالمعتكفين ، الذين يدركون أحكامه ، وهي شرط الإسلام والبلوغ والنية والطهارة ، فلايجوز للمعتكف أن يخرج لعيادة مريض ، ولا لما يماثلها من القربات ، كتشييع جنازة ، ولا أن يمس امرأة ولا أن يباشرها ، ولا أن يخرج إلا لقضاء ما لابد منه من الضرورات . قالت عائشة رضي الله عنها : ( السنة علي المعتكف ألا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ، ولا يمس امرأة ولايباشر ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه ) .. وينبه العلماء والمشايخ أن المعتكف يجوز له التنظيف والطيب والغسل والحلق والتزيين ، وترجيل الشعر ويجوزالاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الجماعة ، وأفضل الاعتكاف مثوبة ، ما كان في أحد المساجد الثلاثة ،المسجد الحرام بمكة ، والمسجد النبوي بالمدينة ، والمسجد الأقصي ببيت المقدس.وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن عمر سأل النبي صلي الله عليه وسلم قال : كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ، قال : ( أوف بنذرك) فاعتكف ليلة . (أخرجه البخاري وأبو داود ) .[c1]عمرة رمضان[/c]وفي مصر يحرص القادرون من المسلمين ، علي أداء عمرة رمضان في العشر الأواخر ، لينالوا مثوبة الاعتكاف في أحد الحرمين الشريفين، أما من لايتيسر له ، يعتكف في أحد المساجد التي تنتشرفي أرجاء مصر.ويقول الفقهاء إن الاعتكاف من السنن المندوبة في العشر الأواخر من رمضان ، وليست له مدة محددة ، ويمكن للإنسان أن يعتكف الأيام العشرة ، ويمكن أن يعتكف بعضها ، وله أن يعتكف داخل المسجد ساعة أو اثنين إذا أراد ذلك .[c1]اعتكاف النساء [/c]والاعتكاف سنة مؤكدة للرجال والنساء ، لما روته عائشة رضي الله عنها قالت :(كان النبي صلي الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ،ثم يدخله، فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء فأذنت لها فضربت خباء ، فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباء آخر ، فلما أصبح النبي صلي الله عليه وسلم رأي الأخبية - فقال : ما هذا ؟ فأخبر ، فترك الاعتكاف ذلك الشهر ، ثم اعتكف عشرا من شوال) . وقد أخذ الفقهاء من هذه الأحاديث مشروعية الاعتكاف وكونه سنة على الرسول ( ولو لم يجب علي النساء، لأنكر النبي فعل أمهات المؤمنين ، ولو كان سنة في رمضان فقط ، ما فعله ) في شوال.. وينبه الفقهاء إلىضرورة أن يعتكف النسوة في مكان خاص بهن ، بعد أخذ إذن أزواجهن ، ويكون اعتكاف المرأة في مسجد بيتها .. أي المكان الذي يختاره أهل البيت للصلاة ، ولا يصح لها أن تعتكف إلا بإذن زوجها شأن صيام التطوع ، ويمكن للمرأة أن تعتكف لمدة ساعتين ، وتقرأ القرآن الكريم ، وتصلي ، ويمكن أيضا للمرأة أن تعتكف يومين ، إذا كان أولادها كبارا يقومون بالخدمة ، لأن المرأة محور المنزل، ولا يمكنها أن تعتكف مدة طويلة متعلقاً بها حقوق الغير وفي حال انتفاء هذا الشرط لكبرها في السن ، ووجود من يقوم بالخدمة ، فيمكنها الاعتكاف لمدة أطول .[c1]مساجد عامرة[/c]وحين دخل الإسلام مصر علي يد الفاتح عمرو بن العاص ، شيد أول مسجد في مدينة الفسطاط (246 م - 12هـ) ، الذي كان يتسع عند إنشائه لألف شخص ، وقيل إن ثمانين من صحابة الرسول صلي الله علية وسلم شاركوا في بناء محرابه ، وشهد الجامع إقبال المصلين ، وكان الخلفاء الفاطميون يحرصون علي حضور صلاة الجمعة اليتيمة من رمضان .وفي مسجد عمرو بن العاص ، أقام المصريون أول اعتكاف للعشر الأواخر من رمضان ، وبانتشار المساجد تزايد الإقبال علي أداء الفروض والعبادات ، والتردد علي الجوامع ، وإقامة سنة الاعتكاف حتي يومنا هذا .