نجاد "المتشدد" أقدر من خاتمي "الإصلاحي" على التجاوب مع ميول النساء لتخفيف حدة الحجاب
النساء والحجاب في المجتمع الإيراني
طهران / 14 أكتوبر/ متابعات:ابدى محللون سياسيون دهشتهم للتغييرات التي يشهدها المجتمع الإيراني في هذه المرحلة التي اعقبت فوز المحافظين المتشددين، في الانتخابات الرئاسية وهزيمة الجناح الاصلاحي بعد ان تلقى ضربات قمعية من التيار المحافظ والمؤسسة الدينية الرسمية خصوصاً في ما يتعلق بالمظاهر الإسلامية في المجتمع والتي تشكل جزءاً من الدستور الذي لا يمكن تجاوزه إلا باستفتاء شعبي عام. وهو أمر مستبعد في هذه المرحلة، خصوصاً ان القوى السياسية في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي طالبت باللجوء الى الاستفتاء على نصاب سياسي، الا أن القوى المحافظة وقفت في وجهها كي لا تخسر ما في يدها من مواقع قرار.عند انتخاب خاتمي الى رئاسة الجمهورية، شكلت الشريحة الشبابية في المجتمع الإيراني الرافعة الأساس له الى السلطة، بعدما انجذبت الى شعاراته المتعلقة بالديموقراطية والحريات الشخصية وحرية الرأي والتعبير وبناء مجتمع مدني متطور.وطوال ثماني سنوات هي عمر ولايتيه الرئاسيتين، تعرض خاتمي، وهو ابن المؤسسة الدينية والثورة، لحملات قاسية من التيار الديني المحافظ والمتشدد حملته مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع الاجتماعية من ترد وتراجع للمبادئ والمظاهر الإسلامية التي ترسخت في المجتمع وطبعته بطابعها، على رغم ان المؤسسات المكلفة مكافحة مظاهر الفساد والابتعاد عن الآداب والمظاهر الإسلامية لم تكن تقع في مجال صلاحياته.ومع اقتراب نهاية عهد خاتمي، بدأت المخاوف من مرحلة جديدة من التشدد قد تفقد الأوساط الاجتماعية، خصوصاً الشبابية والنسائية، ما حققته من انجازات مستفيدة من المساحة التي أتاحها الصراع السياسي بين الإصلاحيين والمحافظين.ومع وصول الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد الى السلطة وما يمثله من توجهات سياسية محافظة متشددة، دخلت القوى الاجتماعية والسياسية في سباق لتحسين المواقع.فالقوى الدينية المحافظة التي ساهمت في إيصال احمدي نجاد الى السلطة رأت أنها قد تستطيع فرض توجهاتها الاجتماعية وان تحد من اتساع ظاهرة التخفف من المظاهر الإسلامية في الشوارع والأماكن العامة، في حين زادت الشرائح الاجتماعية المستفيدة من حال ارتخاء تعاليم الثورة من هجومها ورفعت وتيرة التحدي بأن عمدت الى ممارسة مزيد من عدم الالتزام بالمظاهر الإسلامية.ولجأت السلطة السياسية التي كانت مشغولة في ترتيب البيت الداخلي بعد الجدل السياسي الذي رافق الانتخابات النيابية والرئاسية التي أقصت التوجهات الإصلاحية والليبرالية عن مواقع القرار، الى المناورة فتركت المجتمع يجترح أساليب التحدي المتوافقة مع توجهاتها او المختلفة معها.الوسط المديني الإيراني الذي ابتعد بعد التجربة الخاتمية عن الاهتمام بالأحداث السياسية، استغل بذكاء هذه الحاجة لدى التيار المحافظ، والتقط الإشارات التي صدرت عن الرئيس احمدي نجاد حين خاطب هذه الشريحة واعداً بمزيد من الحرية والانفتاح، فمارس حريته الاجتماعية بعيداً - في الحفلات واللقاءات الخاصة - أو أمام عيون الرقيب في الشوارع والأماكن العامة على نحو يوحي بوجود تواطؤ غير معلن بين هذه الطبقة الاجتماعية وبين الرقيب نفسه الذي لعب على مناطق الفراغ القانوني التي تسمح له بغض النظر عما كان بالأمس ممنوعاً بقوة هذا ا واذا كان نص المادة الدستورية يقول بأن الحجاب واجب، وان على جميع النساء مراعاته في الأماكن العامة، الا أن التفسير الاجتماعي سمح للنساء والفتيات اللعب على تحديداته التطبيقية.
نساء إيرانيات
و لاحظ مراقبون للشأن الايراني تراجع زي "التشادور" الذي فرضته الثورة الايرانية بشكل الزامي على النساء والفتيات بعد سقوط نظام الشاه مباشرة ، بما في ذلك دخول متغيرات على الزي الجديد الذي فرضته الثورة بعد رسوخها وتوطد اركانها وهو ( المانتو ) الفضفاض ذي اللون الاسود او الكحلي كلباس عام للنساء الإيرانيات الملتزمات وغير الملتزمات دينيا في مواقع العمل والدراسة .وفي محاولة للخروج من الزي الموحد الذي طغى على أزياء النساء، كانت الخطوة الأولى بان عمدت نساء طهران ومعهن مصانع الثياب الى اللعب على الألوان والخروج من اللون الواحد. لينتقلن بعدها الى إخراج المانتو من شكله الفضفاض الى مستوى اكثر ايحاء، فرحن يكثرن من الكشف والسفور تصاعدياً مع سنوات خاتمي في الرئاسة، في وقت كانت مؤسسات الرقابة تشن حملة إعلامية قاسية على الإصلاحيين وأفكارهم "الانحرافية" من دون ان تحرك ساكناً في مواجهة تفشي هذه الظاهرة، الى ان تحول التشادور تعبيراً عن تقليد ماضوي داخل العائلات المحافظة.أما حجاب الرأس، وبعدما كان يحجب كامل الرأس والشعر، فبدأ يعتريه شيء من الخجل، وراح يتجمع على نفسه ويذوب أمام إغراء "الغرة" والجدائل، لكن هذا لا يعني طبعاً انه سمح للفتيات بالتفلت من عقاله.وافادت تقارير صحفية انه مع وصول احمدي نجاد الى السلطة، بدأت مرحلة جديدة من لعبة التحدي هذه. وتجلى ذلك في عدد من المتغيرات الاجتماعية، في ظل انشغال السلطة الجديدة في ترسيخ مواقعها السياسية ومواجهة الضغوط الدولية والتهديدات الاميركية بسبب برنامج ايران النووي .فلم يعد مستهجناً ان تسير في شوارع العاصمة طهران وترى بالقرب منك فتاة لم تترك من أساليب الزينة النسائية شيئاً الا ووجدت له مكاناً على تفاصيل وجهها. وزيادة في التحدي أطلقت فتيات طهران العنان أمام الجميع لحجاب ينزلق عن الرأس من دون إبداء أي اهتمام في إعادته الى مكانه أو الى وضعه السابق مستغرقة بالاستماع الى أغنية إيرانية ربما وفي كثير من الأحيان الى اغان أجنبية بما فيها الأغاني العربية لنجمات الموسم مثل هيفاء وهبي ونانسي عجرم ونوال الزغبي اللاتي بتن معروفات كثيراً في أوساط الفتيات الإيرانيات الشابات .وبحسب تقارير سياسية واعلامية من مصادر اجنبية تراجع مظهر الحجاب عن رأس الشابات الإيرانيات في المعابر أو الأماكن العامة الى درجة لم يعد يستر ما كان يستره قبل شهور قليلة، الأمر الذي يدفع الى التساؤل أحياناً أثناء عبور شوارع طهران عن احتمال سماح الحكومة بنزع الحجاب، خصوصاً ان ما يشاهد في كثير من الأماكن وعلى الطرق لا يمكن ان يطلق عليه اسم حجاب.التظاهرة اليتيمة التي قامت بها مجموعة من النساء الإيرانيات القليلات العدد أمام البرلمان الإيراني الذي يمثل التيار المحافظ في اواخر شهرأبريل الماضي، كانت الصوت الوحيد والخفيض المعارض لمظاهر تخفف نساء طهران من الحجاب، وهي على كل حال لم تؤد الا الى تعهد مسؤول لجنة الثقافة البرلمانية عماد الدين افروغ بمناقشة الموضوع، لافتاً الى انه "لا يوجد تعريف محدد للحجاب"، وان كان يضم صوته الى صوتهن "في الاعتراض على تفشي هذه الظاهرة التي لا تمت الى طبيعة الثورة الاسلامية والدولة الدينية بصلة".في هذا الوقت خرج الرئيس احمدي نجاد، في خطوة مفاجئة، لم يكن ليخطر على بال أحد ان تصدر عن رئيس محافظ، بقرار يطلب فيه درس إمكان حضور النساء في الملاعب الرياضية ما أثار ردود فعل مرحبة في الأوساط النسوية، ورافضة في الأوساط الدينية والمحافظة، ومستهجنة في الأوساط الإصلاحية، خصوصاً ان أياً من المسؤولين السابقين ومنهم خاتمي لم يتجرأ على تبني دعم الحركة النسائية والحقوق الفردية والاجتماعية للنساء.الخطوة الرئاسية التي طالب بعدها المرشد الأعلى بإعادة النظر فيها، ما يعني مطالبة الرئيس في شكل غير مباشر بالتخلي عنها، أثارت جدلاً داخل التيار المحافظ، خصوصاً في الحوزة الدينية، ما سمح لبعضهم بالتشكيك في تمثيل نجاد لتوجهاتها، في وقت يقول بعض القريبين من الرئيس ان السبب الذي دفعه الى اتخاذ هذه الخطوة المعلومات التي وصلته عن إعداد محطات التلفزة الغربية تقارير كشفت عن الأساليب التي استخدمتها فتيات إيرانيات للحضور في الملاعب الرياضية ومشاهدة مباريات كرة القدم فيها والتي كانت تبث على الهواء بالتزامن مع كل مباراة شارك فيها المنتخب الإيراني في تصفيات كأس العالم. ويرى مراقبون انه وبصرف النظر عن الاسباب المعلنة وغير المعلنة التي رافقت صدور القرار، فان انتزاع هذا الاعتراف الرسمي بهذا الحق للنساء في عهد الرئيس المحافظ يعد انتصاراً كبيراًً للحركة النسائية الإيرانية، بعد محاولات عدة لكسر هذا الحاجز المنيع، منذ ان عمدت احدى الفتيات التي بقي اسمها مجهولاً، الى قص شعرها وارتداء ثياب الشبان ودخول ملعب آزادي في طهران ومشاهدة المباراة الرياضية الى جانب الشباب وبرفقة صديقها، وصولاً الى تظاهرة نظمتها فتيات إيرانيات في أواخر عهد خاتمي مطالبات بالدخول الى ملعب آزادي لحضور مباراة بين إيران وكوستاريكا، وبعد حملات من الضرب والشتم من قبل الشرطة، تمكّنت الفتيات من دخول الملعب وحضور المباراة في شوطها الثاني. وبحسب الصحافة الايرانية لم يعد "المانتو" الذي احتل مكان "التشادور" طوال السنوات العشر الماضية، يحمل من صفاته إلا اسمه، واذا كانت الفتيات قبل سنة فقط قد تركن للمقص حرية العمل طولاً وعرضاً في التقصير والتخفيف من حجمه، وجعلن له فتحات جانبية، وتخلين عن القماش القاتم واستبدلن به أقمشة متنوعة من الكتان الشفاف، فإنهن الآن اعملن المقص بالطول والعرض ايضاً لكن مع مزيد من الجرأة والجسارة في آن، فبات " المانتو" اقصر من "الجاكيت" لا بل ان أحد الشباب علق على ما يشاهده في الشوارع بالقول ان "القميص الذي كنا نرتديه أوائل الثورة ونتركه طليقاً فوق السروال أطول من المانتو الذي ترتديه الفتيات في هذه الأيام".ولم تقف مخيلة الفتيات فقط عند طول "المانتو"، بل نلن من اتساعه، ليصبح لصيقاً بالجسم، وترافق انحساره مع فتحات جانبية تعلو الى حدود الخصر.وفي محاولة لمواكبة تطور الأزياء على الصعيد العالمي، وكذلك لجعل اللباس الخارجي يشي بما يخفي، لجأت الفتيات الإيرانيات الى تحسين المظهر الخارجي للمانتو، فأصبح على رغم قصره مقسماً الى قسمين عبر حزام في الوسط يعلو الخصر، في محاولة لتوزيع استقبال نظرات العابرين بين الجزء الأعلى والجزء الأسفل للجسد.والثابت ان جانبا كبيرا من المتغيرات الاجتماعية في الحياة العامة للنساء الايرانيات يعود الى الفترة التي شهدت تأثيرا متزايدا ً للتيار الاصلاحي بقيادة الرئيس السابق محمد خاتمي حيث تم السماح للنساء بممارسة رياضة الفروسية والسباق واحياء بعض الألعاب الرياضية الأرستقراطية مثل البولو حيث بذل بذل الاتحاد الإيراني للبولو جهودا كبيرة لإعادة احياء هذه الرياضة التي اوقفتها الثورة الايرانية بعد قيامها ، ثم أعادها الرئيس محمد خامنئي بعد انتخابه رئسا للجمهورية ، حيث تم احياء الاتحاد الايراني للبولو الذي التحق به 75 عضوا فيها بينهم 12 امرأة في بداية تأسيس الاتحاد. وقال سياماك القانيزاده الناطق باسم الاتحاد الايراني للبولو ان الاتحاد بدأ بتأهيل ميدان ثم اقامة مدرسة، ومن بعدها استطاع ان يرفع عدد الرجال الى 300 عضو و االنساء المشاركات الى نحو 120 فتاة . ولا يحق اليوم للنساء في ايران ان تلعبن البولو مع الرجال، وهن مجبرات على ارتداء الزي الاسلامي خلال المباراة. وتقول لاعبة البولو شيلا القانيزاده ان اللاعبات تخشين دوما ان يقع الحجاب عن رؤوسهن خلال المباراة. وتضيف اللاعبة ان الحجاب والزي عموما يرفع درجة الحرارة التي تشعر بها الفتيات اثناء ممارسة البولو. ولكن، في النهاية، وبالنسبة للاعبات البولو الايرانيات، تبقى ممارسة هذه الرياضة اهم من نتيجة مباراة تعطي الفوز لهذا او ذاك من الفرق النسائية. والحال ان التيار المحافظ غير راض عن استمرار المتغيرات التي ادخلها الاصلاحيون الى المجتمع الايراني في عهد الرئيس السابق خاتمي ، ولعل ذلك يفسر حملة للشرطة بهذا الخصوص اثارت القلق في صفوف النساء ، حيث نقلت وكالة انباء فارس التي يسيطر عليها المحافظون عن قائد شرطة طهران الجنرال مرتضى طلائي تصريحات هدد فيها باتخاذ اجراءات قمعية ضد النساء والشابات اللواتي يرتدين السراويل القصيرة ويكشفن جزءا من سيقانهن ، ويضعن مناديل قصيرة على رؤوسهن واللواتي يرتدين معاطف ضيقة او قصيرة او يسرن مع حيوانات اليفة في الشارع او في الحدائق، مشيرا الى ان الحملة ستطال ايضا الاشخاص الذين يتسببون بازعاج صوتي من خلال الموسيقى.واضاف المسؤول في الشرطة ان صانعي المعاطف ومحلات الالبسة النسائية يجب ان يلتزموا ايضا بهذه التعليمات وان تتوقف عن بيع المعاطف واغطية الرأس غير الاسلامية.ومما له دلالالة عميقة ان الاعتراض على هذه الحملة التي كان يخطط لها المحافظون المتشددون لم يأت من التيار الاصلاحي بل جاء من الرئيس المحافظ احمدي نجاد حيث اعلن في خطاب شهير قبل بضعة ايام ان النساء الايرانيات محترمات ولا حاجة للقيام باجراءات قمعية لنشر ثقافة الحجاب. واوضح الرئيس الايراني انه ليس بوسع الحكومة الايرانية تحل المشاكل الثقافية بين ليلة وضحاها ، واعرب عن أسفه لبعض الهيئات الدينية التي تعتقد بان الحل الوحيد هو التصرف جسديا (ضد النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب بشكل مناسب وبناء جدران في الشوارع للفصل بين الرجال والنساء. وتابع قائلا يجب ان نمنع باي ثمن الاعمال الطائشة والحؤول دون تحول المسائل الثقافية الى نقاشات ونزاعات سياسية.