أنقرة / 14 اكتوبر / رويترز :تعهد الرئيس التركي المنتخب عبد الله جول أمس الثلاثاء بأن يحافظ على المبادئ العلمانية الخاصة بالجمهورية وأن يكون رئيسا محايدا للدولة. واعتبر إصداره لهذه التعليقات مستهدفا تخفيف التوتر. وانتخب جول الذي كان وزيرا للخارجية يوم أمس الثلاثاء في ثالث جولات التصويت في البرلمان مما ينهي شهورا من حالة عدم اليقين بشأن من سيكون الرئيس التالي للبلاد. وتنتاب الجيش والمؤسسة العلمانية شكوك عميقة بأن جول وحزب العدالة والتنمية الحاكم لديهم برنامج إسلامي خفي. وبانتخاب عبد الله غول رئيسًا للجمهورية، فانه بذلك يكون أول رئيس لتركيا له خلفية إسلامية. وفاز غول بغالبية كبيرة، بعد الإنتصار الكبير الذي حققه حزبه، حزب العدالة والتنمية الحاكم، في الإنتخابات الأخيرة. وكان رئيس أركان القوات المسلحة في تركيا قد حذر الإثنين ممّا أطلق عليه "مراكز الشر التي تحاول تقويض الدولة العلمانية". ولم يحدد الجنرال ياشار بويوكانيت أسماء مَن وصفهم بأنهم "يحاولون تفتيت الطبيعة العلمانية للجمهورية التركية". ويعد هذا التحذير الثاني من الجيش خلال الأشهر الأخيرة. وكان ترشيح غول للرئاسة في شهر أبريل الماضي قد فشل بعد موجة من تظاهرات الإحتجاج وصدور تحذيرات من القوات المسلحة من أن وصول جول للمنصب يعد تهديدًا لعلمانية الدولة التركية وهو ما ينص عليه الدستور. وكان غول ينتمي إلى حزب الرفاه الإسلامي ثم إلى حزب الفضيلة الذي ورثه، وهو ينتمي اليوم إلى حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية الذي يملك الغالبية البرلمانية، ويحكم تركيا حاليًا. ويعتبر الجيش في تركيا نفسه كحارس للعلمانية. وكان الجيش قد أطاح بأربع حكومات في انقلابات عسكرية خلال الستين عامًا الماضية. وأضاءت المباني الحكومية وغيرها من المؤسسات الرسمية في مختلف أنحاء تركيا مساء أمس، وأُطلقت المدفعية مئة طلقة وطلقة، إحتفاءً بانتخاب رئيس جديد لتركيا، إلا أن المناسبة مختلفة تمامًا عن الاحتفالات السابقة، فالرئيس الجديد الحادي عشر للجمهورية لن يكون علمانيًا بالمعنى المتعارف عليه، إذ ستكون إلى جانبه زوجة محجبة من المتوقع أنها ستثير سجالات لا تنتهي، على الرغم من استطلاع الرأي الذي نشر أمس، وأظهر أن غالبية الأتراك لا تعارض إرتداء السيدة الأولى المقبلة في بلادهم الحجاب، إلا أنهم بالمقابل أملوا أن يكون الرئيس حياديًا.
وبحسب الاستطلاع الذي نشرت نتائجه صحيفة ملييت، فإن 72.6 % من المستطلعة آراؤهم يعتبرون ارتداء حرم رئيس البلاد حجابًا "أمرًا عاديًا". ويعتبر المدافعون عن العلمانية في تركيا أن الحجاب يرمز إلى الإسلام السياسي.ويعتبر حجاب خير النساء غول من القضايا الأساسية التي أثارها المعارضون لترشيح زوجها للرئاسة. فخير النساء (42 عاماً)، التي ستحمل لقب "السيدة الأولى" في تركيا بعد الجولة الثالثة من الانتخابات، تحولت إلى شخصية مكروهة لدى العلمانيين، خاصة بعد التدين الذي عُرف عنها، وحرصها على أداء الصلوات الخمس يومياً. كما تُوصف أنها ذات شخصية مرحة، وأنيقة، وتتجنب الأضواء.كما ترى أن حجابها، الذي يكرهه المعارضون باعتباره رمزا لتحدي النظام العلماني, هو خيار شخصي يجب احترامه. لكنه ما يزال صعباً على العلمانيين تقبّل أن تصبح محجبة، سيدة القصر الرئاسي، الذي حظر عليها دخوله سابقاً بسبب الحجاب نفسه. فقد كان الرئيس المنتهية ولايته احمد نجدت سيزر يرفض دعوة النساء اللواتي يرتدين الحجاب إلى حفلات الاستقبال التي تقام في القصر الرئاسي، ما منع معظم زوجات أعضاء حزب العدالة والتنمية، بمن فيهن أمينة زوجة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان, من دخول القصر الرئاسي. وكانت خير النساء تركت دراستها الثانوية بعمر الـ 15 سنة، لتتزوج من عبد الله الذي كان عمره 32 عاما, بعد لقائهما في حفلة زفاف ببلدتهما الأصلية قيسيري، وسط تركيا. ولهما ابنان وابنة، تبلغ من العمر 22 عاما، وترتدي الحجاب مثل والدتها. إلا أن الإبنه أكملت دراستها الجامعية، مرتدية شعراً مستعاراً فوق حجابها، وهو ما تفعله الكثير من الشابات اللواتي يرغبن في الحصول على التعليم الجامعي دون التخلي عن معتقداتهن الدينية.وبحكم كونها زوجة وزير الخارجية, فقد زارت خير النساء العديد من دول العالم، وتقول إن حجابها لم يتسبب لها بأية مشكلة في أي بلد سوى بلدها تركيا. وسبق أن تقدمت بشكوى إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عام 2002، عندما رفضت جامعة أنقرة السماح لها بالتسجيل فيها بسبب حجابها. إلا أنها تراجعت عنها بعد أن تولى حزب العدالة والتنمية السلطة في نفس العام، وأصبح زوجها وزيرا للخارجية. وقالت في وقت لاحق "عندما يتم حل هذه المشكلة, أريد ان ادرس في الجامعة (...) رغم تقدمي في العمر". لكن في عام 2005، أيدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الحظر على الحجاب في قضية رفعتها طالبة تم طردها من جامعة اسطنبول, بحجة ان ذلك قد يكون ضروريا لحماية النظام العلماني التركي، في مواجهة الحركات المتطرفة.