حرب اسرائيل و(حزب الله) في لبنان لم تختتم.إنها في محطة وقف الأعمال القتالية وليست في مرحلة وقف النار الدائم. وبالتالي، كل الكلام عن انتصار هذا الطرف أو ذاك هو للاستهلاك وسابق لأوانه. ما يجوز قوله الآن هو أن هذه حرب بخاسرين، اذا توقفت حقاً، أما اذا استؤنفت، فانها ستجعل من لبنان الخاسر الأكبر لأن الحرب المستأنفة ستضاعف من تدمير ودمار لبنان وأهله. خريطة الطريق الى وقف النار والحلول الدائمة واضحة للمتحاربين المباشرين كما للأطراف التي ترعاهما وعلى رأسها الولايات المتحدة وايران وسورية، انما العبء يقع ايضاً على الحكومة اللبنانية والبرلمان اللبناني، وكذلك على الأسرة الدولية لأن لا مجال في هذا المنعطف للهروب الى الأمام أو للقفز على استحقاقات. فتطبيق القرار 1701 هو مفتاح الانتصار لكل اللاعبين اذا تم تنفيذه بشجاعة وإقدام وبشفافية خلاّقة كي يستفاد من الفرص المتاحة في هذا القرار، أما البديل فإنه حرب اسرائيلية على لبنان، وليس فقط على (حزب الله)، حسبما يتوعد الإسرائيليون، مما سيسفر عن انتصار اسرائيل وايران وسورية على أشلاء اللبنانيين.لا منتصر في هذه الحرب حتى الآن، لأن الانتصار يفترض الحاق الهزيمة بالآخر لدرجة الاخضاع. اسرائيل لم تخضع (حزب الله) و (حزب الله) لم يخضع إسرائيل. توقفت العداءات بموجب قرار دولي سعى اليه وتوافق عليه الطرفان بعد مفاوضات شاقة عبر العواصم الكبرى لأن كليهما كان في حاجة للانقاذ، وهذا يعني أنهما خاسران في حرب لم تستكمل.إسرائيل خاسر كبير لأن هذه الحرب فضحتها وصورتها دولة ضعيفة توسلت من الاسرة الدولية الانقاذ من مخالب حزب ومنظمة. الأهم، ان اسرائيل لم تجرؤ على الحرب مع ايران الدولة الممولة للصواريخ والأموال لـ (حزب الله)، ولا مع سورية الدولة الميسرة لوصول الصواريخ والأسلحة الى (حزب الله). اسرائيل خاسرة لأن هذه الحرب فضحت افلاسها وألصقت بها تهمة الجبن والخوف من فتح جبهات الحروب مع الدول الراعية للحرب مع (حزب الله)، حتى وهي تتحداها علناً.هناك من يعتبر هذا الوصف للوضع »قصر نفس« ويشير الى مفاجآت مرتقبة، غير ما حدث في الجولة الأولى من الحرب، في حال استئنافها. هؤلاء يعتقدون أن استنتاج اعفاء سورية من المحاسبة والمواجهة استنتاج خاطئ تماماً وأن جهات مهمة في الولايات المتحدة تحاول دفع اسرائيل الى الحسم عسكرياً مع سورية لأنها أضعف الحلقات سياسياً وميدانياً.دروس هذه الحرب عديدة، وعلى اسرائيل أن تقلع عن سياسات بائسة وفاشلة ومدمرة لها وللمنطقة. فتوعدها بحرب على لبنان - بدلاً مما تسميه بحربها على (حزب الله) في لبنان - يثبت انها تستقوي على الضعيف عندما تعجز عن مواجهة القوي أو تخشى توسيع الجبهات.عناد الحكومة الاسرائيلية في شأن مزارع شبعا أعمى بصيرتها، فهي الآن ترفض قطعاً طروحات رئيس الحكومة اللبنانية، فؤاد السنيورة، الواردة في الخطة اللبنانية من سبع نقاط، ولاقت الاجماع، والتي تتضمن طرح الانسحاب الاسرائيلي من مزارع شبعا بهدف وضعها تحت وصاية الأمم المتحدة، الى حين ترسيم الحدود بين سورية ولبنان ليحسم ان كانت لبنانية أو سورية.ترفض إسرائيل بحجة ان التنازل في شأن شبعا يشكل مكافأة لـ (حزب الله) ويبعث الرسالة الخاطئة الى ايران وسورية. وفي هذا الطرح سخافة وقصر نظر وأمر يتطلب تحدي الادارة الأميركية والأمم المتحدة.فرفض التجاوب مع خطة السنيورة يعني عملياً ان اسرائيل تريد تعزيز موقف (حزب الله) الذي يبرر المقاومة باستمرار احتلال اسرائيل لمزارع شبعا. أما بقولها ان هذه المزارع مسألة لبنانية - سورية خاضعة فقط لترسيم الحدود بين البلدين، ان اسرائيل تعطي سورية عمداً حق (الفيتو) وسلطة التلاعب بلبنان، اذ في وسعها أن تستمر في رفض ترسيم الحدود كي تبقى مزارع شبعا (المنطق) أو (الذريعة) لاستمرار المقاومة.فحتى ولو أتت هذه الحرب في لبنان بإيضاح ملكية لبنانية لمزارع شبعا وبانسحاب اسرائيلي من هذه المزارع، ليس في الأمر انتصار لـ (حزب الله). فهو ايضاً خاسر في هذه الحرب. خاسر لأن مزارع شبعا حجة اختلقتها سورية. فهي رفضت تسليم الوثائق والخرائط لاثبات الملكية اللبنانية التي تحدثت عنها، والتي لربما ستكتشف دمشق بعد الانسحاب الاسرائيلي منها الخرائط والوثائق التي تثبت انها في الواقع سورية. عندئذ، يكون (حزب الله) استدعى حرباً دمرت البنية التحتية للبنان وشردت مليوناً وأكثر وقتلت اكثر من ألف شخص نصفهم من الأطفال من أجل تحرير شبعا... لسورية. حتى وان كانت لبنانية، ان الثمن غال وغال جداً من أجل مزارع شبعا.)حزب الله) خاسر ايضاً لأن هذه الحرب بيّنت استعداده لتقديم لبنان وأطفاله وأهله عربوناً في حساب مفلس اسمه الاستعداد العربي والاسلامي للمقاومة. فلا يوجد مثل هذا الاستعداد. ولو كانت هناك حقاً رغبة عربية وملحة بالمقاومة لاحتشد المتطوعون على الحدود السورية - الاسرائيلية ولطالبوا القيادة السورية بفتح جبهة الجولان المحتل أمام المقاومة وثقافة المقاومة .فإذا لم تكن المقاومة في حاجة الى (اذن من الدولة)، كما قال احد القادة العرب ، فلتنطلق الشعوب الى الدول المجاورة لاسرائيل ولتقتحم الحدود لأنها ليست في حاجة الى (اذن) من حكومات هذه الدول وسوف ترى رد قادة هذه الدول حصوصا تلك التي يرزح جزء من اراضيها تحت الاحتلال الاسرائيلي !!. قد يكون النظامان في ايران وسورية في مقدمة الساعين وراء احباط القرار 1701 لأن وقف العداءات في لبنان لا يرضيهما ولأنهما يجدان في وقف النار الدائم خسارة لبرامجهما في المنطقة. السبب الآخر وراء معارضتهما القرار هو فحوى ما يتضمنه ويطالبهما تحديداً به، بالزام.فالفقرة 15 من القرار 1701 تتحدث بلغة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة اذ ان مجلس الأمن، بموجبها، (يقرر) ان على جميع الدول اتخاذ التدابير لمنع أي (بيع أو تزويد أي مجموعة أو أفراد في لبنان بأسلحة وما يتصل بها من تجهيزات من كل الأنواع) ولمنع تزويد أي مجموعة (بأي تدريب أو مساعدة تقنية) سوى ما تأذن به حكومة لبنان أو قوة الأمم المتحدة.كذلك، وفي الفقرة 14 من القرار، (يدعو) مجلس الأمن (حكومة لبنان الى تأمين حدوده وغيرها من نقاط الدخول لمنع دخول الأسلحة) غير المأذون بها. وفي الفقرة 11 (و) يقرر مجلس الأمن ان بين مهمات القوة الدولية المعززة ( مساعدة حكومة لبنان، بناء على طلبها، في تنفيذ أحكام الفقرة 14(.يطيب للبعض ترجمة تعبير ( بناء على طلبها ) وكأن كامل الأمر متروك للحكومة اللبنانية بلا محاسبة أو مراقبة من الأسرة الدولية. هذا كلام غير صحيح. فالتعبير يقصد احترام سيادة الحكومة اللبنانية كوسيلة لدعم هذه السيادة ولا يعني اطلاقاً بأن في حال طاب للحكومة اللبنانية عدم تنفيذ بنود القرار، فلن يحاسبها أحد. إن هذا قرار لمجلس الأمن الدولي، وهو يتضمن عند الحديث عن الحظر العسكري، لغة (يقرر) والمستخدمة عامة بموجب الفصل السابع من الميثاق. والأمر ذاته يُطبق على تجريد (حزب الله) من السلاح. إن القرار 1701 لا يترك الأمر لحكومة السنيورة أو لشخصه وإنما يعطيه الفرصة لضمان التعاون من (حزب الله) في التخلي عن سلاحه، بناء على موافقة (حزب الله) المسبقة وقبل أن يتراجع عن دعمه لخطة الحكومة.حالياً، ان حكومة السنيورة تُعطى فسحة زمنية لمعالجة سلاح (حزب الله) معه بالوسائل السياسية تفهماً لافرازات المواجهة معه بالقوة وإدراكاً بأن لا الجيش اللبناني ولا القوة الدولية المعززة في وارد تجريد (حزب الله) من السلاح بالقوة العسكرية، إنما هذا لا يعني أبداً أن هناك استعداداً دوليا للقبول باحتفاظ (حزب الله) بسلاحه. واقع الأمر أن إسرائيل تستخدم الفترة الزمنية المتاحة كفرصة لمعالجة سياسية لسلاح (حزب الله)، تستخدمها لإعادة تجهيز نفسها عسكرياً لحرب لن تخسرها. المسؤولون الإسرائيليون يقولون في المحافل المغلقة إن الرد على فشل الحكومة اللبنانية والأسرة الدولية في تجريد (حزب الله) من السلاح سيكون على لبنان. بمعنى أنه ستكون حرباً على لبنان وليست مجرد حرب على (حزب الله(.هذه الحكومة الإسرائيلية لن تنتقم من إيران ولا من سورية بسبب أدوارهما في تمكين (حزب الله) عسكرياً، وإنما تريد أن تعتمد على (الأسرة الدولية) وعلى (القوات الدولية) لتأمين الحدود اللبنانية مع الجيش اللبناني لمنع تدفق الاسلحة والعتاد الى (حزب الله). إنها تعتقد أن عزل سورية من قبل الأسرة الدولية بسلاح فاعل وكذلك حجب مكافأتها عبر احتضانها ديبلوماسياً وادخالها فلك المفاوضات والمحادثات. أما إيران، فإنها خارج فلك الانتقام والمواجهة لدى الحكومة الإسرائيلية بقيادة ايهود أولمرت.هذا لا يعني على الاطلاق أن هناك دواعي للارتياح في دمشق وطهران، لا سيما أن المؤشرات تفيد بإطاحة حكومة أولمرت وتولي رجل عنيف المرحلة المقبلة التي ستكون لها بصمات بنيامين نتانياهو. فإذا كانت حكومة أولمرت تتحسر وتتباكى وتتجنب الحزم والحسم، فإن حكومة نتانياهو ستأخذ الحروب الى موقع رأسها.الآن، ترمي الحكومة الإسرائيلية كل البيض في سلة تنفيذ القرار 1701 وكأنها استفاقت فجأة إلى أهمية (الاسرة الدولية). واقع الأمر أنها استنتجت أن تفكيك (حزب الله) مهمة ليست قادرة عليها بحرب كتلك التي خاضتها مع (حزب الله) في لبنان، وأن ليس أمامها سوى الحرب التقليدية بين الدولتين، اللبنانية والإسرائيلية، إذا رفض (حزب الله) نزع سلاحه.هناك قاسم مشترك مهم وملفت بين (حزب الله) وإسرائيل، وهو استخدامهما للحكومة اللبنانية تبريراً لخياراتهما ولمواقفهما. فالحزب يحمّل الحكومة مسؤولية اصرارها على تخليه عن سلاحه بتهديد واضح لها. وإسرائيل تحمّلها عواقب عدم التمكن من التفاهم مع (حزب الله) على نزع سلاحه.وهذا يتطلب تمكين حكومة السنيورة بأكثر من اصدار القرارات وايفاد القوات الدولية وحشد التبرعات والالتزامات بإعادة بناء لبنان، على رغم أهمية هذه المواقف والاجراءات. إن الأمر يتطلب من الإدارة الأميركية ابلاغ إسرائيل أن التصرف الآن بغطرسة واملاء لا يليق بها وهي العاجزة عن صنع الحرب وعن صنع السلام، الفاشلة في حرب مع حزب والخائفة من حرب مع دولة بضعف سورية. وعليه، ان أمام واشنطن فرصة نادرة للاملاء على إسرائيل اليوم من أجل المصلحة الأميركية الوطنية كما من أجل المصلحة الإسرائيلية في نهاية المطاف.ففي القرار 1701 أكثر من خشبة خلاص لأكثر من غارق، بما في ذلك إسرائيل و (حزب الله)، وفيه أيضاً توكيل للأمين العام كوفي أنان للعمل مع الأطراف نحو حلول دائمة. تعنت إسرائيل في رفض التعامل مع مزارع شبعا يتطلب موقفاً حازماً من واشنطن نحو إسرائيل بأن عليها الكف عن افتراض قيامها بالاحتلال كحق من حقوقها. فكلفة الانسحاب من مزارع شبعا أقل بكثير من كلفة الاصرار على البقاء فيها، استراتيجياً وعملياً، اقليمياً ودولياً.لعل قليلا ً من التفكير بمنطقية سوف يؤدي بالإدارة الأميركية الى الضغط على الحكومة الإسرائيلية لتستفيق الى الحاجة الماسة لسياسات جديدة لها، بدءاً من شبعا، وانتهاء بفلسطين وبالذات نحو السلطة الفلسطينية. عدا ذلك، سيأتي بالكارثة على لبنان. الكارثة على فلسطين ستبقى في الصدارة ايضاً. سورية قد لا تنجو من الكارثة، و (حزب الله) بالتأكيد سيكون جزءاً مدمراً من الكارثة التي ستلحق بلبنان. [c1] نقلاًعن/ صحيفة (الحياة) اللندنية[/c]
إسرائيل و(حزب الله) خاسران في حرب لم تُستكمل !
أخبار متعلقة