لعبت الصحافة في مدينة عدن دوراً بارزاً ومهماً في الحياة الثقافية والفنية حيت أعطت العديد من الصحف جل اهتمامها للجانب الفني والموسيقي، ونشرت على صفحاتها العديد من المواضيع المتعلقة بذلك من خلال قيام صحافييها والمهتمين في هذا الجانب بالعمل على تغطية العديد من الفعاليات والحفلات الفنية والثقافية التي كانت تقام في عدن آنذاك والتي من خلالها أبرزت التنافس الشريف بين الفنانين والموسيقيين بعدن، والى جانب ذلك إجراء اللقاءات الصحفية مع كبار الفنانين ومتابعة أعمالهم الفنية خطوة بعد خطوة.لذلك ارتأيت ان اقدم لقراء 14 أكتوبر بعض مادونت ونشرت من أخبار الفن والغناء والموسيقى في الصحف العدنية آنذاك فهي تعد من الوثائق التاريخية لأنها سجلت للحدث كمصدر هام في كتابة البحث التاريخي ما دفعني فضولي في مجال البحث العلمي وخصوصاً البحث التاريخي إلى أن اقلب الصحف التاريخية وفي هذه الحلقة أقدم لكم مانشرت صحيفة البعث الصادرة في 22 يناير 1955م في صفحة رقم 9 بعنوان “موكب الفن” حديث مع الفنان سالم بامدهف ولم تشر الصحيفة الى الصحفي الذي أجرى اللقاء مع الفنان واليكم ماجاء في هذا اللقاء:[c1]* متى وكيف نشا عندك حب الموسيقى؟[/c]- يرجع ذلك في الأصل الى أيام طفولتي حين كنت اقبع طوال الوقت إلى جوار (الجرامافون) استمع الى الاسطوانات واظل ارددها في كل وقت وعندما كبرت تعلمت النوته والعزف على العود على يد الاستاذ يحيى مكي.[c1]* وهل تستطيع ألان ان تسجل ألحانك بالنوتة؟[/c]- لا.. لأن مدة تعلمي على يد الأستاذ يحيى مكي كانت قصيرة جداً لم أكن أثناءها قد أجدت النوتة بعد، واني الآن أحفظ الحاني بواسطة آلة تسجيل.
خالد سيف سعيد
[c1]* هل تحسن العزف على آلات موسيقية أخرى غير العود؟[/c]- الكمان إلى حد ما .. إلا أنني سرعان ما اتعب منه.[c1]* لماذا انفصلت عن الرابطة الموسيقية؟ [/c]- لم انفصل عن الرابطة الموسيقية العدنية ؟مطلقاً ومازلت عضواً فيها منذ تأسيسها إلا أن ترددي على دارها قد قل نوعاً ما.[c1]* مارأيك في الألحان المحلية بصورة عامة؟[/c]- إنني شخصياً معجب جداً بالأغاني الحديثة التي تدل على تقدمنا كثيراً والتي تبشر بمستقبل حسن لموسيقانا، إما الحاني القديمة فانا بصراحة غير راض عنها.[c1]* هل يعني هذا ان ليس بين مطربينا القدامى جميعهم من تعجب به ؟[/c]- كلا.. فانا معجب الى حد كبير بالأستاذ إبراهيم محمد الماس [c1]* ماهو أحسن لحن حديث في نظرك؟[/c]- ”اسمر شيك” للفنان خليل محمد خليل[c1]* كم عدد الألحان التي الفتها حتى الآن، وماهي أشهرها وأولها وآخرها؟[/c]- مجموعة الحاني (15) أغنية وقطعتان موسيقيتان صامتتان هما: “ عواطف وأشواق” ، أما أول الحاني فهي أغنية “يازين المحيا” وكان ذلك قبل سنتين، وآخر الحاني أغنية “عرائس اللحن” أما أشهر الأغاني الأخرى التي قمت بتلحينها فمنها “ قولوا له” وتغيبت ياناظري”و “من علمك” “حبيتك” و”ياغايب عن عيني”.[c1]* من يؤلف لك الحانك؟[/c]- جميع الحاني من تأليف الأستاذ السيد محمد عبده غانم ماعدا أغنية واحدة من تأليف الأستاذ عبدالمجيد الاصنج وهي “تغيبت ياناظري” وأحب ان اذكر بهذه المناسبة ان الأستاذ محمد عبده غانم هو أول من شجعني على الظهور والتلحين ولايزال حتى اليوم خير سند وصديق.[c1]* هل قمت بتسجيل شيء من ألحانك على الاسطوانات؟[/c]- سجلت بعضها ولكنها لم تظهر في السوق لأني غير راض عن التسجيل.
[c1]* ماهي انسب الأوقات التي ينزل عليك الوحي فيها؟[/c]- في الليل وحين يخيم السكون وينام الجميع..[c1]* هل تنوي مواصلة دراستك الفنية التي قطعتها منذ حين؟[/c]- نعم فسوف اذهب الى مصر في الصيف القادم لتلقي دروس موسيقية خاصة.[c1]* ماذا تتمنى للموسيقى المحلية؟ وهل لديك انت بالذات مشروعات تنوي تحقيقها في هذا الصدد؟هل تنتظران يتقدم الفن العدني في المستقبل على يد هذه الفرق الحديثة، وأي فنان أنت معجب به من الفنانين الجدد؟[/c]- انا معجب بالأستاذ خليل محمد خليل، ولو وجد التعاون بين أعضاء الفرق كما هو عليه في ندوة الموسيقى العدنية لجنت الموسيقى المحلية الخير الكبير.- أتمنى للموسيقى المحلية ان تعزف على تخت شرقي كامل الآلات والمعدات وانوي أنا شخصياً ان أقوم أثناء دراستي بمصر بدراسة هذه الناحيةوفي صحيفة فتاة الجزيرة الصادرة في 25 نوفمبر 1966م في صفحتها الفنية لقاء خاص في حلقتين متتاليتين مع الفنان الراحل رحمة الله محمد سعد عبدا لله بعنوان “فنجان شاي” وأجرى اللقاء الصحفية محمد قاسم مثنى وتحدث الفنان محمد سعد عن بداية حياته الفنية وكذلك تحدث بصراحة مطلقة عن رايه ببعض الفنانين المحليين المرموفين في الساحة الفنية آنذاك وهم:* الفنان محمد مرشد ناجي: فنان كبير له مكانته الفنية وتعجبني بعض الحانة .. أتمنى له كل التوفيق وأحس ان لونه قريب الى اللون الذي أسير فيه والذي من صميم هذه التربة.* الفنان احمد قاسم: فنان كبير وطموح جداً او عنده مقومات ومؤهلات فنية وطاقاته تؤهله الى نيل مايصبوا اليه.. وتعجبني الحانة التي تتميز باللون المحلي.
* الفنان محمد محسن عطروش: فنان شق طريقة وسلك مسلكاً مستقلاً حتى استطاع ان يكون له جمهوراً لاباس به.. ألحانه بعضها تعجبيني والبعض أحس وكأنه يستطيع ان ينتج ماهو أجمل منها ولو عمد الى التريث وقلل من كثرة الإنتاج.. عموماً هو فنان أحبه وأتمنى له النجاح.* الفنان ابوبكر سالم بلفقيه: له الحان حلوة وصوت قوي يستطيع ان يؤدي كل الطبقات الموسيقية وفي صوته ضخامة وهذا النوع من الأصوات النادرة وابوبكر الذي عهدناه ملحناً ومغنياً ذو أداء سليم فهو جدير بان يكون احد الدعائم الفنية في المنطقة... ولاننسى ان له الفضل الكبير في نشر أغنيتنا المحلية على نطاق واسع في بعض الدول العربية .. وهذا شيء يشكر عليه وأرجو له المزيد من التقدم.اسكندر ثابت: فنان أصيل متمسك بالطابع المحلي ولم تتمكن منه تلك الفترة الطويلة التي عاشها في قاهرة المعز ان تؤثر عليه فظل متمسكاً باللون المحلي الأصيل .. وانا اقدر فيه صموده للحفاظ على مستوى الأغنية المحلية والملاحظ بالاخ اسكندر انه بدأ في الآونة الأخيرة يبخل على مستمعيه بالاحان فلم نعد نسمع له أي أنتاج جديد من مدة ليست بالقصيرة عليه ان لايترك للأيام فرصة الحد من نشاطه النفي البديع.* يحيى مكي: فنان عنده الثقافة الموسيقية أكثر من سواه في هذا البلد ولكنه خجول جداً ومتواضع زيادة عن اللازم، إما ألحانه فهي الحان لم تتحصل على الأصوات المناسبة وفي الماضي كان بينه وبين الفنان محمد صالح همشري نوع من التعاون الفني المشترك ولكن لا ندري ماسبب القطيعة بينهما الآن لان الأخ همشري والحق يقال كان يبذل مجهوداً لا باس به لتأدية الحان الأستاذ مكي .. وبعد القطيعة لم نعد نسمع للأستاذ مكي سوى بعض الأناشيد الاتحادية بمصاحبة الفرقة النحاسية وكأنه قرر ان لايعود لتحلين الأغاني العاطفية كما عودنا من السابق.
* سالم بامدهف: فنان جداً وحساس جداً عمل على إبراز الأغنية المحلية بكل طاقاته ولكن بدأ اخيراً يختفي بعد ان تعودنا منه ان يتحفنا بروائعه مثل “الزين جزع مرة” “قولوا له” “عرائس اللحن” و”ألومك وأعاتبك” .. ان مثل هذا الفنان صانع الروائع ولايمكن ان يحرم جمهوره ومعجبية .. إنني أدعوة ليعود الى ماكان عليه فناناً خلاقاً وأن ينفض عن نفسه غبار العزلة الفنية ويعود الى ميدان الفني ومعتركه.. فالفن لايمكن ان يتخلى عن فنان مثله حتى وان تخلى هو عن الفن.* طه فارع: قبل كل شيء صديق ومن المقربين الى فهو من النوع الذي يجعلك تفتح له قلبك بسرعة اما بالنسبة لألحانه فهي الحان خفيفة حلوة سرعان مايتلقفها المستمع هذا بالرغم من انه جديد العهد بالتلحين والذي يعجبني بالأخ طه تواضعه واخلاصة لاصدقائة وأنا واحد منهم.* يوسف احمد سالم: له صوت جبار فيه رجولة ويتجلى بوضوح .. ذلك الصوت الجبار عندما يؤدي أية أغنية من أغاني عملاق الطرب العربي الموسيقار محمد عبدا لوهاب إما ألحانه ففيها تكتيك موسيقي جذاب ويوسف يعتبر خامة طيبة في حاجة الى من يحسن استغلالها .. وهو خفيف الظل.* محمد صالح عزاني: له صوت معبر يحس بالأغنية التي يؤديها احساساً صادقاً يفضح ماتخفية نفسه من حزن مكتوم وقد غنى بعض الحان الأخ عطروش وقد كان العطروش والعزاني توأمين كمل بعضهما الآخر، فالعطروش بألحانه الشعبية الحلوة والعزاني بصوته الرقيق الحالي.. يمثلان طاقة فنية ضخمة فانفصلا عن بعض وكنا لانريد ان ينفصلا ولكن تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن.. واعتقد ان انفصالهما عن بعض هو الدافع الذي دفع بالأخ العزاني الى ميدان التلحين وكأنه يقول للعطروش نحن هنا.. فالحق يقال ان لجنة الجديد” شلني يادريول” يجعلني اتنبأ له بمستقبل باهر في دنيا الفن ولكنني ايضاً أتمنى ان تعود المياه الى مجاريها بني العطروش والعزاني لأني كما قلت إنهما توأمان يكملان بعضهما البعض.* محمد عبده زيدي: أود اولاً ان أقول حاجة عن الزيدي الإنسان ومحمد نموذج للطيبة.. قلبة كبير يحس بما يدور حوله إحساس عميق نادر إذا صادف ورويت له قصة مؤثرة نوعاً ما سرعان ماتتساقط دموعه بغزارة وكأنه يعيش القصة التي رويتها له وإذا صادف وأن ألقيت عليه نكتة أي نكته ينفجر ضاحكاً حتى يقع من شدة الضحك.. فهو يضحك من أعماقه ويبكي ايضاً من اعماقة ياسلام عليه في منتهى الرقة ومن الناحية الفنية له صوت فيه التصوير للكلمة التي يقولها ايضاً له بعض الألحان التي تطربني إنني احياناً يتهيا لي عندما استمع الى بعض الحانه ان تلك الألحان من الحان احمد قاسم وهذا يعود الى كونه تأثر باحمد قاسم فهو من مدرسة احمد قاسم مع مجموعة من الزملاء أمثال عبدالرحمن باجنيد والزوقري ونديم عوض وغيرهم ورجائي ان يحاول الأخ الزيدي التخلص من عقدة احمد قاسم ويشق طريقة بنفسه ليجعلنا نستمع إليه من خلال النغم وهو يقول انا محمد عبده زيدي .. ولي فيه كبير الأمل.تم تابع محمد سعد قائلاً: هناك فنانة واحدة أحس وهي تغني ستصبح في يوم من الأيام مطربة كبيرة وهي الأخت رجاء باسودان.. ففي صوتها قوة وتتمتع بإحساس مرهف ولكنها في مرحلة النضوج وعليها ان تواصل نشاطها الفني.[c1]* وبعد ذلك وجه الصحفي محمد قاسم سؤالاً للفنان محمد سعد عبدا لله قائلاً: لقد قلت رأيك في بعض من زملائك.. فما رأيك بنفسك؟ [/c]- أجاب الفنان الراحل محمد سعد قائلاً: انا والعياذ بالله من قولة “ انا” يكفيني ان اعرف من انا... وهذه ليست نرجسية فالمثل يقول “ رحم الله امرأ عرف قدر نفسه”.وختاماً أقول سلام ورحمة لروحة الطاهرة بقدر ماقدم وضحى في مشوار حياته الفنية سيظل في قلوب محبيه وعشاق فنه ساطعاً ومشرقاً على الدوام.في منتصف الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي اكتسبت عدن سمعة فنية على مستوى الخليج والجزيرة العربية حيث ساهم بعض الأثرياء في مدينة عدن مساهمة فعالة في الحياة الثقافية والفنية من خلال جلب بعض الفنانين العرب لزيارة عدن وإقامة الحفلات الغنائية فيها أمثال: فريد الأطرش، ماهر العطار، محمود شكوكو، محرم فؤاد وغيرهم وأشارت صحيفة الإخبار العدنية في عددها رقم 243 والصادرة في يوليو 1964م خبراً عن لسان العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ وهو في فراش المرض بإحدى مستشفيات لندن قائلاً:” بلغني خبراً بان المطرب محرم فؤاد سيزور عدن ليحي بعض الحفلات لغنائية فيها وأضاف قائلاً : لمبلغة انه يود زيارة عدن التي سمع عنها الكثير ممن زارها من الفنانين المصريين فنشروا إخبار عن عروسة جنوب الجزيرة العربية في مختلف أوساطها الفنية بالقاهرة واختتم العندليب قائلاً: بان احد الأثرياء في عدن لازالت اتصالاته به جارية للمجئي الى مدينة عدن لإحياء بعض الحفلات الفنية وللأسف لم تتحقق رغبة العندليب لزيارة عدن نتيجة حالته الصحية.وكما نشرت الصحيفة ذاتها في عددها رقم 461 في أكتوبر 1964م بعنوان 40.000 شلن لعبد الحليم حافظ مقابل مجيئه الى عدن لقص شريط افتتاح التلفزيون وأشارت الصحيفة الى ان العندليب رفض المجئي الى عدن لقص شريط التلفزيون حيث عرضت عليه مقابل ذلك حوالي خمسمائة جنية وطلب 40.000 شلن وحيث طلبت منه المجيء هو شخصياً دون ان يصطحب معه فرقة موسيقية لان سيكون عليه قص الشريط لا الغناء وبعد ان أصر العندليب عبدالحليم “رحمه الله “ على عدم التنازل على المبلغ الكبير الذي طلبه فاضطر السيد عبدالرحمن جرجرة وزير الإرشاد القومي والأعلام إلى الاتصال بالمقرئ عبدالباسط عبدالصمد للاتفاق معه على المجيء الى عدن لتسجيل بعض آيات القرآن الكريم وأبدى الشيخ عبدالباسط استعداده لهذا إلا أن الوزير عبدالرحمن جرجرة في انتظار ان يستلم منه الموافقة الأخيرة.