حقوق الإنسان في كثير من البلاد منتهكة، فالأمر لا يقتصر على المرأة وحقوقها، وإنما نجد في حالة الأنثى أنها تتعرض لاضطهادين: الأول ويشملها كإنسان، بصرف النظر عن تحديد جنسها، وهي في هذه كالرجل تماماً، والثاني ومصدره من المجتمع إلى المرأة، وإن كان أسوأ أنواع الاضطهاد حين تنظر الأنثى إلى ذاتها بدونية تنفي معها قيمتها كإنسان له كامل حقوقه، فترضى من نصيبها بالأقل وأحياناً بالعدم، وكأنه سلوك طبيعي في محيط لا يستنفره ما يجري من حوله، ولا يرى ضرورة في تغيير قواعد معمول بها منذ أمد، وكأن على هذه المرأة التعود منذ طفولتها على إفناء شخصيتها وتحمّل الاحباطات المستمرة، مع أن الرجل، الفاعل المفترض، والمستفيد الظاهر من قمع المرأة وظلمها، عادة ما يكون الضحية المباشرة لأفعاله السلبية معها في جميع مراحل حياته ـ كطفل، وزوج، وأب ـ وثقل المرارة الذي يحدثه سحقه لرفيقته المرأة، له أبعاده الأشمل التي تتجاوزه إلى إنقاص الإمكانيات الفعلية للدولة وإضعافها، ولو تصور الرجل مملكة الخوف التي تتحرك المرأة في مدنها وشوارعها، لترحم على من تمضي سنين عمرها وهي تبحث عن أمانها المادي والمعنوي، والذي لا يعمّقه شيء قدر حكايات الغدر والخيانة وقلة الوفاء التي يقوم الرجل فيها بأدوار البطولة، وقد تحولها هي نفسها إلى تقمص دور الجلاد أسوة بمن جلدها، وخاصة إذا كانت إجراءات القضاء وأحكامه، في البلد الذي تنتمي إليه المرأة، لا تزال مثقلة بالاسترخاء القانوني فيما تعلق شأنه بالنساء.إن خلفية عدم الإشباع لدى المرأة، ضمن تعدد الصعوبات السياسية والاقتصادية ـ الاجتماعية الحاضرة، تسير بنا إلى جدلية القضاء و«المحاكم الأسرية» في الخليج، حيث التمييز المستمر بحكم القانون ضد المرأة في مختلف القوانين بما فيها قانون الجنسية والأحوال الشخصية والقانون المدني وحتى قانون العمل في القطاع الخاص والعمل السياسي، وإن كانت القضايا الأسرية هي موضوعنا، فحين يستمر قانون الجنسية لا يسمح للمرأة بنقل جنسيتها إلى أطفالها إلا في ظروف محددة، كأن تكون جنسية الأب غير معروفة أو يكون بدون جنسية أو متوفيا أو بعد طلاق لا رجعة فيه، فماذا عن غير هذه الاستثناءات! وعندما تطلق المرأة بعد عِشْرة العمر ولا تجد مأوى لها غير الجمعيات الخيرية، لأن القضاء لا يحكم لها ببيت الزوجية، ولا بنصف مال الزوج الذي اكتسبه أثناء كفاحها معه، أو بجزء منه يسترها! فلنعترف بوجود أكثر من فجوة قانونية، ووقت ما يقرر الزوج انفصاله عن زوجته ثم يحرمها رؤية أبنائها، ولا تجد المنكوبة غير المحاكم تنصفها، ودعاء الناس لها بقاض يعطف على حالها، وكأن الأمر يعود لشخصية القاضي أو لمزاجه يوم نظره لقضيتها، فنحن لا نطبق قانوننا بما يحفظ للأم كرامتها التي نرددها وتستحقها، وعندما لا يعول الأب أبناءه ويرمي بحملهم على والدتهم بعد الطلاق. ومع ذلك يبقى هو العائل القانوني، وإن طالبت بصك ولاية يعينها على تسيير أمور أبنائها وتخليص أوراقهم، فيرفض القانون هذا الحق إلا بوجود الأب المختفي أو ذاك الذي لا يزال يساوم مادياً على حضوره إلى المحكمة، ليبقى الملف عالقاً، فهناك مخرج لم نحسن فهمه، ولم نكترث لبحثه لأن الموضوع ببساطة لا هو سياسي ولا اقتصادي، وعندما ترمّل المرأة أو تطلّق وتصل إلى سن ومرحلة ترغب معهما في الزواج ثانية، ولا تستطيع التمكن من حقها الشرعي لرفض ولي أمرها الفكرة إما لطمع في راتبها إذا كانت موظفة، أو لعدم نضج في تناول المسألة، وخصوصاً إنْ كان الولي حديث السن ولا يعي عواقب رفضه على المرأة، ليظل اكتفاؤها معطلاً ينتظر كلمة الولي، فليست الدعوة وبحرقة للنظر بجدية في قضايا المرأة وفي بعض المناطق بالذات من باب المبالغة أو التجني، وعندما يصل الحد العنفي ضد المرأة إلى المستوى الجنائي، ومع ذلك يغيب العمل المنظم للجان حماية الأسرة ومتابعتها، فيعيش أفرادها المشكلات السلوكية، والذين أهمل في تقويم عدوانهم ومن الجذور وبأقصى جهد، بالرغم من إنشاء محاكم تعنى بقضايا العنف الأسري وبأمر ملكي كالسعودية مثلاً، فكيف نتخلص من إنتاجنا الشكلي والعددي للفرد، حتى لا يكون تأثيره هامشياً عشوائياً في المستقبل! وكيف نضمن امرأة معافاة في نفسها وعقلها وفي حجرها تتربى الأجيال!وردت في القرآن العلاقة بين المرأة والرجل بشكل متكافئ، وبتعبير راق جداً في قوله تعالى:«هن لباس لكم وأنتم لباس لهن»، ولكن في السياق التاريخي كان الرجل هو المسيطر مجتمعياً، فتم تفصيل الإسلام متناسباً مع تفسيراته التي لم تصب دائماً في مصلحة المرأة، ومع ذلك لم يخلُ ديننا من فكر تنويري كالذي نسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية، فأين كمنت المواربة؟ لقد استقر الوضع المأزوم المرتبط بكل ما يمس المرأة من انتقائيتنا البحتة وتماشيها مع رغباتنا وتطلعاتنا، وإلا فكيف نفسر وبعد مرور 700 عام القول بقراءة فكر ابن تيمية الذي اختزل! والذي رحمه الله أجاز فيه إمامة المرأة للرجل عند الحاجة، وصحة اشتراط المرأة على زوجها ألا يتزوج عليها، ومساواة شهادة المرأة بالرجل إن كانت تاجرة!، فالفقه هو القانون وهو التشريع المرتبط بعلاقات الناس وتعاملاتهم، وعندما نستسهل تبني قاعدة سد الذرائع، والخوف من أن يصيبنا ما أصاب غيرنا، ننتهي بفراغ يسده من لا يرفع الشريعة، ونساء مريضات لا يجدن من يعيد لهن حقهن أو يدفع عنهن الضرر. لنقل إنه من الوهم كلية أن نأمل بتنظيم المسائل في هذا الميدان الأساسي من تلقاء نفسها، أو بمرور الوقت، إذا كنا لا نتدخل ونبدل ونطبق ما نؤمن بتغييره، والحال أن كل شيء مترابط في المجتمع، إن تطور أو تخلف، والجمود كارثة في عالم يسير بسرعة لا تماثل خطوة عالمنا المتثاقل والمتأخر أصلاً، فلنمش قدماً في موضوع وضع المرأة القانوني.[c1]* نقلاً عن صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية[/c]
الخليج وقضايا الأسرة: إبحث عن المرأة
أخبار متعلقة