كتب / أحمد حسن عبد الرحمن:الإعاقة : هي الحبس والصرف والتثبيط ، ويقول صاحب مختار الصحاح : عوق ( عاقة) عن كذا، حبسه عنه وصرفه، وكانوا فيما مضى يسمون بالمقعدين ثم أطلقوا عليهم لفظ ذوي العاهات ثم مسمى العاجزين، ولما تطورت النظرة إليهم على أنهم ليسوا عاجزين لأن المجتمع هو الذي عجز عن استيعابهم وعجز عن تقبلهم وعجز عن الاستفادة منهم ما قد يزيد هوة عدم التعرف على مميزات أو مواهب أو صفات أو قدرات لديهم يمكن تنميتها وتدريبها بحيث يتكيفون مع مجتمعهم رغم عاهاتهم ، بل ربما يفوقون غيرهم ممن نطلق عليهم تجاوزاً الأسوياء . ولا شك أن التسميات السلبية مثل المكفوفين ، الصم ، المشلولين ، المتلفوين في أدمغتهم ، والمتخلفوين عقلياً وغيرها تترك أثراً سلبياً يلصق لا لفرد المعاق حتى تصبح بصمة تؤثر على علاقته الاجتماعية تأثيراً بالغاً، ولكن التسميات الإيجابية مثل ذوي الاحتياجات الخاصة أو ذوي الصعوبات تعطي انطباعاًً وتفاعلاً جيداً لمثل هؤلاء مع المجتمع وهذه المسميات أيدتها دراسات وتقارير وتقديرات أفادت العاملين مع هؤلاء وكذلك المجتمع بكامله ، والإسلام قد حثنا على اختيار الأسماء والكنى الجميلة والجيدة ومناداة الإنسان بأحب الأسماء إليه فالمسلم لا يحب لأخيه المسلم إلا ما يحب لنفسه كما أوضح أن إدخال السرور على المسلم مما يؤجر عليه .
صلاح الدين الأيوبي
وعندما نتتبع أحوال هؤلاء المعاقين عبر العهد الإسلامي فقد اهتم الإسلام اهتماماً كبيراً بكل فئات المجتمع وحرص المسلمون على الرعاية الكاملة للضعفاء وذوي الاحتياجات الخاصة فلو افترضنا أن في المجتمع فئة قليلة من الناس ذوي احتياجات خاصة تكاد لا تذكر فإن هذه القلة تحت نظام الإسلام وحمايته ستجد من يقف جانبها ويساعدها ، وعليه جاءت الآيات الكريمة في كتاب الله تعالى لتؤكد للجميع أن الله تعالى يحث على نصرة الضعيف وإعانته قدر الاستطاعة . فلا ننسى الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي حث على إحصاء عدد المعاقين في الدولة الإسلامية ، ووضع الإمام أبو حنيفة تشريعاً يقضي بأن بيت مال المسلمين مسئول عن النفقة على المعاقين ، أما الخليفة الوليد بن عبد الملك فقد بنى أول مستشفى للمجذومين عام88 هـ وأعطى كل مقعد خادماً وكل أعمى قائداً ، والأمويون عامة أنشؤوا مستشفيات للمجانين والبلهاء ، وقام السلطان قلاوون ببناء بيمارستان لرعاية المعاقين، بل وكتب كثير من علماء المسلمين عن المعاقين ما يدل على اهتمامهم بهم مثل: الرازي الذي صنف ( درجات فقدان السمع ) وشرح ابن سينا أسباب حدوث الصمم .
لويس برايل
بل وجد من العلماء المسلمين والغرب من كان يعاني من إعاقة ومع هذا لم يؤثر ذلك عليهم بل أصبحوا أعلاماً نذكرمنهم : 1. الصحابي الجليل أبن أم مكتوم الذي جعله رسول الله واليا على المدينة وهو أعمى. 2.الصحابي الجليل: عمرو بن الجموح،رضي الله عنه وكان أعرج، فلما نودي للجهاد، وكان معذورا، قال لأبنائه: جهزوني للجهاد. قالوا: يا أبانا لقد أعذرك الله. قال: والله لأطأن بعرجتي هذه الجنة، ويأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيقول لهم: لا عليكم أن لا تمنعوه، لعل الله أن يرزقه الشهادة، فإذا به يقتل في سبيل الله يوم اُحد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكأني أنظر إلى رجليه يمشي بهما في الجنة سليمتين»اوكما قال علية الصلاة السلام .3. محمد بن سيرين، شيخ الإسلام، أبو بكر الأنصاري، الأنسي البصري، مولى أنس بن مالك ، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال حماد بن زيد، عن عثمان البتي، قال: لم يكن بالبصرة أحد أعلم بالقضاء من ابن سيرين، فكان عليه رحمة الله ذا صعوبة سمع شديدة ومع هذا كان راوياً للحديث ومعبراً للرؤى حسن العلم بالفرائض والقضاء والحساب 5. صلاح الدين الأيوبي، الذي حرر أرض بيت المقدس كان عنده إعاقه في قدمه وكذلك في عموده الفقري ومع هذا كله رفض إلا أن يسجل في سجل المجاهدين كالمجاهد عمرو بن الجموح. وفي هذا الزمان نجد أمثلة كثيرة ومنهم : سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله مع أنه كان فاقداً للبصر إلا أنه كان إماماً زاهداً ورعاً ناصراً للدين، وغيرهم كثير. فالتاريخ ليس أعمى ولكننا بعدنا عن تراثنا الاسلامي.
هيلين كلير
وفي المجتمع الغربي لعلكم تعرفون هيلين كيلر هذه الفتاة التي فقدت عدد من حواسها الأساسية وعلى الرغم من ذلك تمكنت من النبوغ وحفرت لنفسها مكاناً مميزاً في المجتمع ، تقول هيلين « إن العمى ليس بشيء وإن الصمم ليس بشيء، فكلنا في حقيقة الأمر عمي وصم عن الجلائل الخالدة في هذا الكون العظيم». ونذكر منهم ايضا لودفيج فان بيتهوفن مؤلف موسيقي ألماني ، يعتبر من أبرز عباقرة الموسيقى في جميع العصور، وأبدع أعمالاً موسيقية خالدة ، بالرغم من انه فقد سمعه في الثلاثينيات من عمره إلا أن ذلك لم يؤثر على إنتاجه الذي ازداد في تلك الفترة وتميز بالإبداع.وكذا لا ننسى لويس برايل الذي فقد بصره بسبب مثقاب والده وهو في سن مبكرة فلم يفقد الأمل بل قام بالعديد من الإختراعات أبرزها طريقة برايل للقراءة والكتابة لدى العمي . إخوتى القراء علينا نحو هذه الشريحة أن نتذكر قول الله تعالى :( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) فنعينهم ونسهل الصعاب لهم، فالميزان الحقيقي هو التقوى وليس المال أو الجاه أو الصحة أو الصورة الخارجية أو غير ذلك لأنه لا يمكن أن تتحقق الغاية السامية من هذه الحياة . فمن حقوقهم عدم السخرية منهم قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ..الآية ) وقال صلى الله عليه وسلم « أيها الناس ، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، خيركم عند الله أتقاكم « فالمجتمع الذي يزدرى الأصحاء فيه أهل البلاء يكون مصدر شقاء وألم لهؤلاء قد يفوق ألم المصيبة وربما فاقها فعلاً ، فكم من ذوي البلاء من حمل عاهته ورضي بواقعه إلا أنه لا يمكن أن ينسى نظرة احتقار من أحد الناس ، بل إننا جميعاً قد ننسى كل متاعب الحياة ومصاعبها ولا ننسى بسمة سخرية أو كلمة استخفاف تلقيناها من الآخرين، قال الله:( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ).