في حوار مقتضب وممتع
أجرت الحوار : نادرة عبد القدوس ــــ تصوير : جان عبد الحميد:أعاد الحوار الذي دار بيننا في دقائق معدودة ذاكرتي إلى الوراء ، إلى ما يربو على الأربعة عقود ، حين كنا نترنم بأجمل أغاني فناننا المبدع الجميل أحمد بن أحمد قاسم ، حتى وإن كنا حينها أطفالاً ، لكنها كانت أغاني ذات نكهة عربية عدنية أصيلة بكلماتها وألحانها والصوت الشجي كل ذلك يجبر الآذان على الإنصات ، وتسمو الروح ، فتترسخ تلك الأغاني في الذهن وهيهات أن تمحى . وقبل الولوج في الحوار أشجتنا السيدة نجاة أحمد قاسم بصوتها ، الذي ما زال يحتفظ بنقاوته وبعذوبته ، فغنت لنا مقاطع من أغنيته (الوحدة اليمنية ) التي غناها مع الفنانة أمل كعدل ، قبل تحقيق الوحدة بسنوات ، ثم أشجتنا بمقاطع من أغنية ( الأسرة ) التي غنتها مع الراحل في « دويتو » رائع تتحدث كلماتها عن القات وآثاره السلبية على الأسرة ، وكان أول دويتو في اليمن ، كما تقول ، وهي من كلمات أحمد شريف الرفاعي وألحان أحمد قاسم.وبعد أن شنفت آذاننا أضافت بنبرة حزينة قائلة : « أوجه عتابي للمسئولين في إذاعة وتليفزيون عدن الذين للأسف لا يذيعون أغاني أحمد قاسم الأولى وهي مسجلة وكانت تذاع من قبل ».وعن رأيها في الفن الغنائي اليوم قالت بنبرة ساخطة : « لا يوجد فن غنائي بعد أحمد قاسم .. ولا قيمة للفن والفنانين اليوم .. وأين الكلمات الهادفة الراقية؟» هل عندها حق في ما تقول ؟ ربما الكثير منه ..البذرة الأولى في ساحة الغناء * سألتها عن بداياتها الأولى مع الغناء وسبب انقطاعها عنه رغم نجاحها الذي حققته في زمن قصير؟ - ردت قائلة ومسحة حزن تسبق كلماتها : « كان لأخويّ محمد وأحمد قاسم الفضل في تذوقي للفن وحب الغناء ، الأول كان بارعاً في عزف العود ، والثاني يمتلك موهبة العزف والغناء والتلحين . ولم تكن والدتنا راضية عن اهتمام أخي بالغناء لأنها كانت امرأة متدينة جداً ، وقد أخذت أخي أحمد إلى الشيخ البيحاني ـ رحمة الله عليه ـ ليتعلم القرآن في مسجد العسقلاني ويحفظه ولكنه كان يلحن ما يقرأ (تضحك ) فكانت دائماً تردد ، رحمها الله : «ظننت ظناً فخاب ظني ، وظننتُ شيخاً فخرج مغني» ( وتضحك مرة أخرى ) . وتواصل حديثها : «رضخت أمي لحب أحمد هواية العزف على العود والغناء ، وكانت مدرسة بازرعة الخيرية في كريتر بعدن ، البداية الأولى له في تعلم الموسيقى على يد أستاذه يحي مكي ، ولكنه تفوق على مدرسه وظهرت عليه موهبة الغناء والتلحين وهو في سن صغيرة . هذا المناخ الذي عشته شجعني على خوض تجربة الغناء مع أخي أحمد الذي دفع بي إلى السفر معه إلى مصر ، كان هذا في عام 1963 م . وهناك اتفق مع عدد من فناني مصر الكبار أمثال شفيق جلال وماهر العطار لإحياء ليالي غنائية في عدن ، وقمنا بإجراء بروفات مع الفرق الموسيقية المصرية التي صاحبت الفنانين ، وقد طلب من الفنانة نجاة الصغيرة أن تشارك في هذه الليالي الغنائية لكنها طلبت مبلغاً خيالياً ليس بوسع أحمد توفيره ، إذ كانت هذه التجربة على حسابه الخاص ، فرد عليها أحمد بأن له أختاً تحمل أسمها وهي التي ستغني ، وهو يقصدني أنا (تضحك) وبالفعل قدم الفنانان المذكوران إلى عدن وكان الحفل الساهر في دار سينما بلقيس وقدمني للحفل الغنائي الفنان ماهر العطار وعزفت معي الفرقة الموسيقية المصرية ، وكان هذا تشجيع لي منه ، كنت حينها في الثامنة عشرة من عمري».لو قُدّر لها الغناء
* فسألتها عن سبب انقطاعها عن الغناء - ردت مبتسمة وبصوت خافت : « تزوجت ، ولم أعد إلى الغناء حتى بعد وفاة زوجي بستة أشهر من الزواج ، لم أعد أرغب في الغناء لكني أتمتع بالغناء لنفسي ولإبنتي الوحيدة شروق». وكنت عازفة عود أيضاً وبارعة فيه ..* من علمك العزف؟ - ردت: «أحمد أخي طلب من الفنان الراحل محمد عبده زيدي أن يعلمني العزف على العود على النوتة ، وكان أخي يتوقع لي مستقبلاً زاهراً في عالم العزف والغناء». وتضيف كمن تذكرت شيئاً على حين غرة : « على فكرة ظهرت أنا وابنتي شروق والفنانة صباح منصر في فيلم ( بئر الحرمان ) بطلب من مخرج الفيلم ككمبارس نجلس على الكراسي خلف الممثلين سعاد حسني ونور الشريف ، كان هذا عام 1965م ، وقد التقطنا عدداً من الصور مع الفنانة الراحلة «سعاد حسني» ثم انطلقت حنجرة الفنانة السابقة نجاة قاسم تصدح بأغنية أخيها المبدع أحمد قاسم ( مش عيب عليك ) وكان أداؤها رائعاً بحيث سكتت صالة التحرير في مبنى الصحيفة عن الضوضاء وأصاخ كل الحاضرين من الزملاء الصحفيين السمع ودهشة مرسومة على وجوههم الواجمة لجمال الصوت الذي ما زال يحتفظ بعذوبته استحقت بعده التصفيق الحار من قبلهم. نجاة أحمد قاسم لو قُدّر لها الاستمرار في الغناء لكانت حققت نجاحاً كبيراً لم تحققه فنانة يمنية من قبل ومن بعد ، لأنها بالفعل تمتلك حنجرة ذهبية لم يؤثر عليها الزمن رغم أنها لم تمارس الغناء بعد زواجها ، أي منذ ما يقارب الخمسة عقود . ولكن قُدّر لها أن تكون تربوية قديرة في المرحلة الثانوية للبنات. وهي اليوم متقاعدة وقد انتخبت نائبة لرئيس جمعية المتقاعدين اليمنيين في محافظة عدن ، وتشكو إلى الأخ رئيس الجمهورية تعنت إدارة أراضي عدن في عدم صرف أراضٍ للمتقاعدين ، كان فخامته وجه بصرفها لهم في محافظة لحج .