أضواء
تدور في هذه الأيام التعليقات وتبادل الرأي حول فكرة جديدة أطلقها رائد التجديد المفيد الملك عبدالله بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين، وهي فكرة بناءة تقود إلى الفهم الناتج عن استقبال الفكرة وتداولها ومن ثم الخروج برأي مبني على الأدلة التي يقدمها هذا الطرف أو ذاك، ما لم يتعصب أحد الأطراف تعصباً أعمى لما يميل إليه.فالأديان السماوية أساسها واحد ومنطلقاتها متقاربة، وإن حدث اختلاف فيما بينها فإنه لا يمس جوهر التوحيد ولا إخلاص العبادة، فالله لا شريك له في كل رسالة سماوية منذ عهد آدم وحتى قيام الساعة.لكن العبادات قد يحدث فيها من حيث اسلوب أدائها أو أوقاتها قد تختلف وليس ذلك بناء على اجتهادات شخصية وإنما بناء على ما أتى التوراة أو الإنجيل أو الزبور، وليس ما بني على اجتهادات مذهبية فردية أو جماعية.والحوار عادة ما يكون أسلوباً لتبادل الأدلة واستكشافها، وتوضيح ما غمض منها، فإذا ما تم ذلك بأسلوب -غير انفعالي- فإن ذلك أدعى إلى تشرب الفكرة المطروحة واستيضاح ما كان غامضاً أو غير واضح منها.والحوار الهادئ هو الأسلوب الأقرب الى الاقتناع والإقناع، بينما يحول دون ذلك ما قد يحاول فرضه هذا الطرف على الآخر، وليس بالضرورة أن يؤدي الحوار إلى التخلي عن مذهب إلى آخر وإن كان الهدوء والموضوعية وسيلتين للانتقال من مذهب ديني إلى آخر، ومن لم يقتنع بالحوار فلن يدعوه الضغط إلى الاقتناع وإن تظاهر بذلك فالله سبحانه يخاطبنا نحن المسلمين بقوله: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون» (المجادلة).ويقول الله تعالى في سورة البقرة: «آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير».إذن فإن أساليب الدعوة الناجحة لا تقوم على الضغط وفرض الرأي، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يفرض على عمه أبي طالب دخول الإسلام فرضاً وإنما دعاه بالحسنى ولكن الله -لحكمة لا يعلمها إلا هو- لم يهده إلى الاستجابة لدعوة ابن أخيه الذي كان يعامله معاملة الابن المدلل.لكن كثيرين ممن جرى إبلاغهم بحقائق الإسلام دخلوا فيه عن قناعة فتحولوا إلى جنود يضحون بأنفسهم وأموالهم وأرواحهم في سبيل نشر الإسلام والدفاع عنه ولعل الصحابي الجليل خالد بن الوليد -رضي الله عنه- كان من تلك الفئة خير دليل.ومنذ عهد النبوة وحتى يومنا هذا فإن الحوار قاد كثيراً من أتباع الديانات الأخرى إلى دخول الإسلام واعتناقه عن قناعة، في حين أن الذين لم يجدوا أسلوباً حوارياً مقنعاً لم يستجيبوا لمن دعاهم، وإن فعلوا فالأرجح أن إسلامهم كان ظاهرياً لا تسنده القناعة.إن خادم الحرمين الشريفين بزيارته التاريخية لروما ومقابلة البابا ثم بعد ذلك إطلاقه الدعوة إلى حوار بين الأديان السماوية إنما يفعل ذلك بروح بناءة هدفها البعد عن المهاترات والنزاعات التي تسيء أكثر مما تنفع، وتفرق أكثر مما تجمع، وتستعدي أكثر مما تؤلف القلوب.ولعل المحاولات التي يقودها بعض المغرضين في بعض المجتمعات مثل هولندا والدانمراك إنما دفعهم إليها بعض الممارسات المتطرفة من بعض الدعاة الذين يظنون أن أسلوب الضغط ورفع الصوت واستخدام بعض الألفاظ النابية لوصف هذه الفئة أو تلك هو الأسلم، ولو أن دعاة الإسلام والمتحمسين له اتبعوا أسلوب نبيهم وتقيدوا بتعليمات رب العالمين لكان ذلك أدعى إلى تلافي ردود الفعل النابية التي هي سلوك انساني قبل أن يكون لمجموعة أو فرق معينة والتي صرنا نسمعها ونرى أفواه مطلقيها ونقرأ ما يصدر عن من يفضلونها على العقل والمنطق.كما أن التحاور مع أتباع الديانات (التي لم يثبت أنها سماوية) قد يهديهم إلى ما فيه هدايتهم إلى الديانة الإسلامية، ومع ذلك فلا أرى بأساً من الاستماع إليهم وإسماعهم ما لدينا من حجج ودعائم تقيم عليهم الحجة إن لم يستجيبوا، وعلى العكس من ذلك تهب من أقنعهم الأجر على ذلك.فشكراً لمليكنا المفدى على هذا التوجه الحيوي الذي طال انتظاره، والشكر موصول لكل من سوف يسهم في الحوار بأسلوب بنّاء.[c1]* صحيفة(عكاظ) السعودية[/c]