قصة قصيرة
ـ لم يتعود على وضع "أجندة" يومية أو أسبوعية أو شهرية أوسنوية..نادراً ما يفكر في اليوم التالي..لذلك يصحو في أي وقت ويغادر منزله صوب مقهى لتناول فنجان الشاي حسب العادة اليومية..وخاصة بعد أن أُحيل إلى (عرش) التقاعد منذ أكثر من عام. ـ كان طوال فترة عمله ذا "أجندة" عملية ،لاتتعدى شؤون عمله كمعلم ابتدائي ،إعدادي ثم ثانوي..تدرج في عمله من مدرس في المرحلة الابتدائية فمدرس في المرحلة الإعدادية ثم وصل إلى مدرس في المرحلة الثانوية ..لذلك كانت "أجندته" عبارة عن تحضيردروس حصص اليوم التالي في دفتر يسمى "دفتر تحضير الدروس" وكان لهذا السبب يحضر نفسه ويهيئها لإلقاء الدرس بشكل يحرص على أن يكون ناجحاً يصل إلى ذهن الطلاب بأيسر السبل.ـ ذات صباح..غادر منزله..مرًّ على كشك الصحف ،اشترى إحدى الصحف اليومية.. طالعها صفحة صفحة..مجرد عناوينها الرئيسة وماجاء في أهم "مانشيتاتها" ليستقر نظره على خبر..أشبه بإعلان ،أفاد أن إحدى كليات عدن تنظم حفل تخرج مهندسين للعام الدراسي 2005م 2006م ..وهكذا قرر في ذاته أن يحضر حفل التكريم خاصة وأن الكلية ليست بعيدة عن محيط المنطقة التي سيقضي فيها صباحه حتى عودته ظهراً إلى منزله..وبالتالي لن يتكلف أجرة مواصلات لم تتوفر يومها في (جيب) من (جيوب) قميصه أوسرواله..فقد كانت جميعها ،قل ثلاثتها صفراً من الريالات.ـ اكتظت القاعة الكبرى في الكلية بالضيوف وجلس كبار الضيوف من رئاسة الجامعة وعمادات الكليات ونوابهم في مقدمة الصفوف بينما توزع الطلاب والطالبات من الأوائل بمختلف المستويات في الصفوف المتأخرة والوسط بين الضيوف من مندوبي الشركات والمؤسسات والمرافق الأهلية والحكومية التي ترتبط مع الكلية بعلاقة وطيدة وتدعم الكلية وتتبادل الدعم معها بطرق مباشرة وغير مباشرة أوجب عى عمادة الكلية أن تمنحها شهادات تقديرية في هذا الحفل.ـ بينما جلس الأستاذ صلاح في الصف الأخير..لافي الصف قبل الأخير..لايذكر سوى أنه أخذ مقعداً بجانب أحد الحضور.ـ وبدأ الحفل بآي من الذكر الحكيم حسب ما أعتادت عليه مثل هذه الاحتفالات..لتبدأ الكلمات..كلمة الطلاب الخريجين من المهندسين..كلمة عميد الكلية..كلمة رئيس الجامعة وجاء دور توزيع الهدايا والشهادات التقديرية لأوائل الطلاب من خريجي الكلية وأوائل الطلاب من مختلف المستويات..الإمتياز..وال جيدجداً..وال جيد..وبعدها تم توزيع الشهادات التقديرية للشركات والمؤسسات والمرافق الحكومية والأهلية.. لمدرائها أو لممثليهم.ـ لم يكن الاستاذ صلاح وقتها حاضراً في ذهنه مع كل الفعاليات..كان شارد الذهن..يرى في كل طالب من الأوائل أحد أبنائه وفي كل طالبة إحدى بناته..كان يتمنى أن يحضر يوماً حفلاً يكون أحد أبنائه بين المكرمين أوإحدى بناته..لكن الزمن مر..ولم يتحقق ماتمناه..لذلك حضر حفل تكريم الأوائل فهو يتمنى أن يرى الجميع ناجحين ومن الأوائل كأبنائه..كأنهم أبناؤه.ـ انتهى الحفل..بإنتهاء فقراته التي غادر الجميع بعدها القاعة..إلا الأستاذ الذي بقي جالساً ينتظر أن تخفف الزحمة أمامه..لكنه ماكاد يقف حتى فوجئ بعدد من الطلاب والطالبات متجهين نحوه.ـ صافحه الأول..كان من الأوائلـ عرفتنا ياأستاذ صلاح؟..............أنت درستنا في مدرسة......ـ صافحه الثاني..ـ عرفتنا ياأستاذ؟...............ـ أنت درستنا في ثانوية.......ـ صافحته آيات.. مازال يذكر اسمها ـ عرفتني ياأستاذ صلاح ـ مبروك.. أذكرك أنت آيات درستك في الصف الثامن في مدرسة ..... للتعليم الأساسي ـ صافحه الرابع...ـ عرفتنا ياأستاذ؟_أيوه..أنت أكرم..مش كذاـ أيوه.. ياأستاذ صلاح..ودرستنا في ثانوية....- خرج الأستاذ صلاح.. ورافقه طلابه القدامى إلى المعرض العلمي والفني الذي أقامته الكلية..وهناك في القاعات..التقى به عدد آخر من طلابه.- لم يزد على أن يقول بعدها.. ياله من رصيد لا ينضب.. ومسح دمعة كانت قد اختلطت بابتسامة رضا وكان الفرح فرحين