صباح الخير
تتألق الكلمات في بستان اليوم وأنا أتأمل طفلة صغيرة تدخل حديقة الاعجوبة ،متعجبة بجمال تلك الحديقة المخفية خلف أسوار المدينة في صباح مشرق ،كانت الصدفة هي الجملة لبداية الخطوة الأولى وهنا رأيت طفلة متشردة تلامس بأناملها الصغيرة إبداع الخالق العظيم ،ليقول لها انك أروع وأجمل وأغلى من تلك الورود والأزهار التي تبعث في النفوس السعادة والهدوء لمجرد وجودنا في وسطها نتأمل الجمال الطبيعي الخلاب تتجمع جميع الطيور الفريدة بأنواعها على فروع أشجار سحرية ترقص وتغني لتكتمل اللوحة وتصبح آية من الجمالوتألمت كثيرا لرؤية البراءة ضائعة تحاول الخروج من أنفاسها الشاردة ووجها الرقيق والضعيف وشعرها الأشعث ، بسبب غروب الإنسانية من وجه الأرض، فأي معاناة جعلت تلك الطفلة تجوب الشوارع دون معين لها أو رقيب، يسأل عنها عندما تتأخر عن وجبة الغذاء ويبكي على فراقها ساعة واحدة، ويحضنها ساعة خوفها.تحركت بأرجلها الصغيرة المرهقة من عذاب الأيام التي وجدت فيها نفسها وحيدة، تصارع الحياة من اجل البقاء حاملة بيدها دمية قديمة المظهر، ما زالت تؤنسها في لياليها الساخنة والباردة لتخفف معاناتها ولتحاول معرفة الأسباب الحقيقية التي جعلتها تعرف الحزن والخوف من الأمس واليوم والغد ولكن رحمة الرحمان مازالت تنعم على البشرية بالسكون والهدوء بنهاية الطوفان ومرور الأيام.نست همومها ولعبت مع الفراشات الملونة بأنواعها وكأن رساماً يرسمها على لوحة خاصة لتلك الطفلة المحرومة، فأخذت تجري وتنسى آلامها وتلعب وتضحك، فزغردت العصافير بأجمل الأغاني من اجل إسعادها وإعطائها الأمل في الحياة، وأحسنت في تقديرها لذاتها والتصرف بتلقائية، ولكنها شعرت بالجوع والعطش فهي جائعة وعطشانة منذ يومين بسبب غياب الرحمة من قلب الإنسان، فتهاوت وهي تبتسم لعصفور صغير بدت عليه ملامح الحزن وهو يراها ترتمي على الأرض، فتحركت الأشجار و الأزهار بقوة الريح السابقة إلى عصور مملكة بستان الأدب وانفتحت أبواب كبيرة، ليدخل فيها اكبر المفكرين والأدباء والشعراء يتعالون منابر الحكمة والنصوص الأدبية وجملها المعقدة والبسيطة بأجمل التعابير النصية المخطوطة في دواوين العصور الذهبية الحضارية.اقترب الحاكم منهم ليرفع الطفلة من على الأرض ويجلسها على مقعد وطاولة مليئة بالمأكولات العديدة ، فأكلت الطفلة وشبعت وأكثرت من الأكل خوفا من أن يكون ذلك مجرد حلم جميل سينتهي بعد قيامها من النوم، لتدخل مرة أخرى في غابة الجوع والمرض التي تسمى الحياة، وحين أكملت شربها بكاس من اللبن الدافئ، بقيت آثاره على شفتيها، ضحك الجميع من المشهد ، واقترب الحاكم منها ومسح شفتيها بمنديل الرقة والحنان، ومن اجلها احتفل بستان الأدب بوجود هذه الطفلة بينهم، وتوجت بتاج الحب والصبر وألبست أجمل الفساتين ونامت في عرش الحاكم، وترعرعت حتى أصبحت أميرة جميلة متسلحة بالعلم شاعرة وأديبة، تخرجت من بستان الأدب، بجذور أصلية تستطيع العطاء والإبداع والوقوف بثبات ضد التيارات المعاكسة من اجل نهضة جيل جديد من الإبداع حاملة في صدرها وسام طفلة متشردة، كانت أمس فاقدة الأمل من البقاء حية فالعطاء واجب على كل أديب وشاعر من اجل الحفاظ على الأدب ونشر بذور البداية لنهضة جديدة بين أجيال الغد الواعد، فالشجرة المثمرة إذا لم تعط تموت وحيدة، وهكذا أغلق بستان الأدب أبوابه بتخرج طفلة من بستان الأدب.