الدولة المدنية هي دولة القانون والدستور الوضعي المستمدان من التجارب الإنسانية ومن الواقع لتنظيم حياة المجتمع بتمديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتحديد حقوق وواجبات المواطن، وتكون في المجتمع ثلاث سلطات أساسية هي التنفيذية والتشريعية والقضائية، وعدم تداخل هذه السلطات بل تكاملها. وتتوفر في المجتمع الحرية واحترام الرأي الآخر. والدولة الدينية هي دولة تحكم بالشريعة الإسلامية ولا تفصل بين الدين والسياسة أو الدولة ويمكن أن تحكم الدولة والمجتمع مذهبياً حسب مذهب الحاكم أو السلطة، وترفض القانون الوضعي أي تشريع وضعه البشر وتحتكم إلى النص المقدس في القرآن أو السنة النبوية أو الشريعة وبعض أنواع حكم الدولة الدينية تبيح الاجتهاد وبعضها لا تسمح به الدولة الدينية لا تسمح بالديمقراطية لأنها لا تعنى الشورى التي تؤمن بها ولكل فرقة أو مذهب مفهومه وممارسته الدينية التي تختلف أو تتقاطع مع الآخر. وبالمقارنة بين رأي أصحاب الدولة المدنية ورأي أصحاب الدولة الدينية بأن الفريق الأول يرى أن العصر للدولة المدنية وأن الدولة الدينية التي مورست في تاريخنا قد نجحت في فرض تطبيق الشريعة من وجهة نظرها بينما فشلت في حل مشكلات المجتمع وقضايا التنمية والحرية فيه. في الوقت الذي يرى أصحاب الدولة الدينية بأن الدولة المدنية تغريبية ووفدت لنا من الخارج. وفيما يتعلق بالإسلام فلا فصل بين الدين والسياسية أو بينه وبين الدولة هذا لا يعني بأن أصحاب الدولة المدنية لا يؤمنون بالدين بل يريدونه مقدساً بثوابته بعيداً عن السياسية المتغيرة، وبأنه بين العبد وخالقه، وتترك شؤون الحياة تنظمها القوانين والدساتير فالقضايا الدينية يكثر فيها الاختلاف كما يشهد على ذلك التاريخ الإسلامي أكثر من الاختلاف في الدولة المدنية وتطبيقاتها. ويستمر الاختلاف والخلاف بين الاتجاهين، إلى درجة الاتهام حيث يصف المؤمنون بالدولة المدنية الطرف الآخر بالتخلف، وعدم مواكبة العصر وعلى تفسير الدين وإصدار الفتاوى حسب مقتضى الحال وبما يلاءم مصالح فئات أو سلطات مع تبرير ذلك بنصوص دينية، وفي الوقت نفسه يصف المؤمنون بالدولة الدينية خصومهم بأنهم علمانيون وضد الدين، ويؤمنون بفكر تغريبي غربي لا علاقة له بالدين والواقع.. .ويبقى السجال والخلاف قائماً تدفع الشعوب ثمناً باهظاَ كنتيجة للصراع بين الطرفين، وهذا الثمن أرواح البشر وممتلكاتهم وفرص التنمية في حياتهم. وعندما نلقى نظرة على تجارب الدولة الدينية والدولة المدنية في تاريخنا العربي الحديث والمعاصر نرى فشل التجربتين فقد فشلت الدولة القومية خلال القرن العشرين في العالم العربي في مصر وسوريا والعراق على سبيل المثال . كما فشلت الدولة الدينية في السودان وإيران وأفغانستان ولفشل كل منهما أسباب عميقة لا تعني في النتيجة بأننا يجب أن نبحث عن نموذج ثالث لكن بمفاهيم توفيقية قد تخلق لنا دولة مدنية تستفيد من الدين وتحافظ على ثوابته كما يرى البعض في النموذج التركي المعاصر. لكن النموذج التركي الذي يجمع بين العلمانية والدين الإسلامي في السلطة يعيش علاقة حساسة ودقيقة ليست استراتيجية ودائمة لأن العناصر المشتركة بين الطرفين ليست كلها متوافقة، وأقوى من العناصر المختلفة فهنا في التجربة التركية توافق سياسي بين الاتجاه العلماني والاتجاه الديني الإسلامي لكن الخلاف بين الاتجاهين عميقاً وليس هناك ضمان لاستمراره لأن التوافق سياسي وليس فكرياً وقد يكون ذلك التوافق مرحلياً وليس دائماً. ويعتقد البعض أن التوافق في الدولة التركية الحالية بالمزج بين الدولة المدنية والدولة الدينية تكتيكياً بين الطرفين لكن يفصل بينهما شعره قد لا تدوم، فالحكم في تركيا كان علمانياً منذ سقوط الدولة العثمانية ثم جاء التيار الديني خلال العقود الثلاث الماضية ليكون له تأثير في تركيا كما في غيرها من دول المنطقة والعالم العربي والإسلامي، فالعلمانيون والليبراليون في تركيا تنازلوا للمشاركة مع الأحزاب الدينية في السلطة لأنهم لا يستطيعون الوقوف بوجه هذا التيار ورياحه تهب بقوة على العالم الإسلامي، ثم أن التيار الديني وقواه الدينية السياسية رأت ضرورة التعايش في هذه المرحلة مع التيار العلماني والليبرالي حتى ترسخ أقدامها وتتمكن سياسيا واجتماعياً لأنها لا تستطيع إزاحة التيار العلماني والليبرالي القوي الذي ترسخ في تركيا ذلك يعني أن التكتيك مؤقتاً وسينتصر احد التيارين في المستقبل. ويقر بعض الدعاة والقادة الإسلاميين بأنه لا توجد دولة دينية في الإسلام ونذكر هنا رأياً للدكتور نصر واصل مفتى مصر الأسبق حيث قال «لا يوجد في الإسلام دولة دينية لأن الإسلام دين عبادات ومعاملات» جريدة الجريدة الأحد 23 أغسطس 2009 م. والسؤال الآن ماذا عن المستقبل وما العمل ؟ ثم هل أن فكرنا وممارستنا يظلان محكومين بالتجربة ويعيد التاريخ نفسه ؟ ألم يأت الأفغاني ومحمد عبده في نهاية القرن التاسع عشر لتجديد الفكر ومحاولة التوفيق بين الدين والمعاصرة بالحفاظ على الدين وثوابته ولكن أيضاً بالاستفادة من تطوير الغرب وموائمة الدين مع ظروف العصر بما يسمى بالتوفيقية التي أبدع في بحثها زميلنا الدكتور محمد جابر الأنصاري. أو تجربة الدولة القومية التي تؤمن بالوحدة على أساس قومي لشعوبنا بكل ألوانها ومكوناتها العرقية والدينية أم أن هناك تجديداً يغير المفاهيم التي كانت سائدة ومطبقة خلال القرن العشرين بمفاهيم مجدّدة أو جديدة تخرجنا من دوامة الصراع بين تياري الدولة المدنية والدولة الدينية ؟ أنه ما لم يتفق المثقفون العرب على صيغة ومفهوم يحل الإشكال بين التيارين سيبقى الصراع مستمراً ويعتقد ربما البعض بأن المسألة لا تقف عند الاختلاف بل الخلاف الجذري عندها ليست هناك أرضية مشتركة بل سيسير كل منهما في اتجاهه وكلاهما في اتجاهين متوازيين لا يلتقيان عندها لن يكون الحل إلا بانتصار أحدهما على الآخر لكن رحلة الصراع ستكون طويلة وثمنها باهظاً وقد يفقد الاثنان الفرصة التاريخية للتمتع بتطبيق فكره ونهجه ليفتح المجال لفكر آخر وتجارب أخرى تتفاعل وتعتمل في واقع الأمة اليوم والذي لم يعد يحتمل مزيداً من الكوارث والانهيارات والتداعيات. نتفرج اليوم على واقعنا ونتألم لما يجري وليس في يدنا حلاً، لكن علّمنا التاريخ أنه في بعض الفترات تلعب المتغيرات التاريخية دورها فتفاجئنا بتحولات ليست في حساباتنا وقد تكون إيجابية أو سلبية، جزء منها بسبب أعمالنا وفعلنا في الحاضر وجزء منها في الماضي لأن المستقبل هو ابن الحاضر وحفيد الماضي، لكن علينا القول ونحن ننظر إلى هذه الإشكالية ومن خلال قراءتنا للواقع بأن المستقبل للدولة المدنية التي تحترم الدين ولكن قد تطول فترة ولادتها ووجودها لكنها إن لم تكن قائمة بمفهومها الكامل فهي قادمة. [c1]عن/ صحيفة الإتحاد الاماراتية[/c]
|
اتجاهات
الدولة المدنية والدولة الدينية
أخبار متعلقة