من كتاب (الرجل ذو الظلين و قصص أخرى)
أنتمي لعائلة فيرالدي ، وهي عائلة إيطالية عريقة وقديمة جدا ، وتبدأ قصتي سنة 1550م في مدينة فلورنسا الايطالية، وكانت مركزا تجاريا عظيما في تلك الفترة. كان جاكوبو فيرالدي رجلا فاحش الثراء،كان يخبئ جميع ثروته أسفل أرضية منزله،وكانت متعته الوحيدة في هذا العالم هي عد نقوده.كان رجلا لا يثق بأحد ، كما كان يخاف بصورة مبالغ فيها على نقوده من السرقة، ولم يكن لديه أصدقاء ، وكان معه فقط اثنان من الخدم.في أحد الأيام وبينما كان كعادته يقوم بعد نقوده اكتشف أن ألفين من الجنيهات ناقصة، بالطبع مثل هذا المبلغ بالنسبة لثري مثله كان تافها، وبالرغم من ذلك غضب غضبا شديدا واتهم خدمه بسرقته، ولما نفى الخدم هذه التهمة عنهم ، وعندما لم يجد دليل إدانة واضحا أمامه ضدهم قرر طردهم من منزله. بعد فترة قصيرة من ذلك الحادث، تلقى جاكوبو رسالة من أخته التي كانت تعيش في إنكلترا، تخبره فيها بوفاة زوجها، وان أبنها آرثر آلين في طريقه إليه ليقوم ببعض الأعمال حتى يكسب بعض النقود لمساعدتهم، فقد أصبحت العائلة الآن فقيرة وبأمس الحاجة للمال. شعر جاكوبو بالضيق الشديد، فلم يكن يرغب في رؤية ابن أخته ، لقد كان أنانيا فضلا عن كونه بخيلا. لكن سرعان ما تبدل الضيق إلى سعادة فور علمه بأن ابن أخته لم يأتي خالي الوفاض بل كان معه ألفان من الجنيهات ، فخطط جاكوبو للاستيلاء عليها. في إحدى الليالي وبينما كان الاثنان يتناولان طعام العشاء ، قام جاكوبو فجأة بقتل ابن أخته وأخفى جثته أسفل أرضية المنزل. وسرعان ما استولى على النقود وقام بعدها بسعادة غامرة وكأن شيئا لم يكن. ولكن لم تكن تلك النهاية السعيدة التي توقعها جاكوبو ، ففي اليوم التالي بعد جريمة القتل وعند حلول الليل ، جلس جاكوبو مستمتعا بعشائه ،وفجأة - بينما كان منشغلا بتناول طعامه - رأى مباشرة شبح ابن أخته يجلس مقابلا له على الطاولة. كان هذا يحدث كل ليلة وفي وقت العشاء ما سبب له إزعاجا كبيرا. وقد حاول كثيرا صد ذلك الشبح ولكن دون جدوى. قرر بعدها أن يسافر إلى إنكلترا كي يرد الألفي جنيه إلى أخته كي يبعد عنه ذلك الشبح ، وبالطبع لم يترك جاكوبو بقية ماله في المنزل ، لأنه -كما ذكرت مسبقا- كان رجلا لا يثق بأحد، لذا قرر أن يضع جميع ثروته في صناديق كبيرة وأخذها معه أثناء رحلته. وبعد عدة أسابيع من الرحلة ، وصل إلى منزل أخته في إنكلترا. حمل خادمان تلك الصناديق الكبيرة للمنزل، لقد شعرا بأن هذه الصناديق الثقيلة تحتوي على كنز ثمين. أعطى جاكوبو الألفان جنيه لأخته، وبالطبع أنكر معرفته بمصير ابنها، بل أكد لها أن أبنها لم يصل فلورنسا مطلقا. بعدها لم يعد يرى الشبح ثانية. لكن قلقه الآن انصب حول ثروته، فقد شعر بأن الخادمان كانا يخططان للاستيلاء على ماله ، وكان محقا في هذا. في نفس الليلة التي وصل فيها إلى إنكلترا ، دخل الخادمان غرفته وقاما بقتله وأخذا الصناديق. وفي صباح اليوم التالي وجد أحد الجيران الصناديق على قارعة الطريق ، وبالطبع كانت فارغة. بحثت الشرطة في غرفة الخادمان، ولكنهم لم يعثروا على شيء ، وبدأت الشرطة باستجوابهم، وبدا أنهم فعلا لم تكن لديهم أية فكرة حول مكان وجود النقود. ولدت أنا فرانسيسكو فيرالدي بعد هذه الحادثة بمئتي وخمسين سنة في بيت جاكوبو فيرالدي في فلورنسا. بعد أن كبرت أحسست بأن هذا البيت كان نذير شؤم علينا، وعندما أصبحت شابا يافعا اخبرني والداي بقصة مقتل الصبي آرثر آلين ، وكانوا يشعرون بالخزي والعار من جاكوبو فيرالدي،كما كانت عائلتي تتجنب ذكر اسمه. وكنت دائما أسمع أصوات غريبة و صرخات استغاثة عندما يحل الظلام في الغرفة التي ارتكب جاكوبو فيها جريمته وأخفى الجثة أسفل أرضيتها.بعد عدة سنوات، عانت عائلتي من ضائقة مالية شديدة ، وبدأنا نواجه الفقر الشديد ، لذا قررت السفر إلى إنكلترا للعمل هناك وكسب بعض المال لمساعدة عائلتي، فقد كنت مطربا صاحب صوت جميل، لذلك كنت أغني في حفلات العائلات الراقية والغنية في لندن.وفي إحدى الحفلات سمع عجوز طيب صوتي وأعجب به ، وقد دعاني للمكوث في منزله في الريف أثناء الصيف، كان يدعى السيد جريثد. قال لي”سأكون ممتنا لو قبلت دعوتي في قضاء الصيف في منزلي و تغني في جميع الحفلات التي سأقيمها ، وأن تقوم بتدريس بناتي الموسيقى ،و سأدفع لك كل ما تطلبه”، وكنت سعيدا جدا بعرضه هذا، فوافقت على الفور. عند وصولنا لمنزله اراني السيد جريثد سور منزله وكذلك الحديقة التي تحيط بذلك المنزل، وعند وصولنا إلى حديقة الزهور، اندهشت كثيرا عندما رأيت جزء صغير منها مغطى بزهور ايطالية. سألته “كيف لهذه الأزهار الايطالية أن تنمو هنا؟ لم أرى مثلها قط خارج ايطاليا”. أجابني “أعتقد بأن السبب في ذلك هو أن هذه التربة خصبة وغنية،ولكن كان لي ولزوجتي رأيان متعارضان حيال هذا الموضوع ، فأنا من جانبي أريد توسيع بيتي بالبناء على هذه الحديقة، ولكن زوجتي ترفض ذلك، وتقول بأنها قد رأت مرة شبحا هذا البقعة بالذات”. في تلك الليلة أثناء تناولنا طعام العشاء سألت السيدة جريثد عن الشبح الذي رأته، فأكدت لي ذلك قائلة: “ لقد رأيت بالفعل شخصا ما أو شيئا ما هناك. كان على هيئة رجل عجوز وكان نحيفا يمسك بورقة وقلم. كان يمشي ذهابا وإيابا حول البقعة التي بها تلك الزهور الايطالية. خمنت بأنه ربما كان يبحث عن شيئا ما، ولكن بمجرد ظهور زوجي كان ذلك الشبح قد اختفى. حتى بعض الخدم كانوا قد رأوه ، وقد قال الجنائني بأنه دائما كلما كان يعمل في تلك البقعة من الحديقة يظهر ذلك الشبح.كما أنني أسمع الكثير من القصص حول جريمة قتل حدثت هنا قبل فترة طويلة”. لم يصدق السيد جريثد قصة زوجته ،وبعد عدة أسابيع قرر أن يحفر في تلك المنطقة لتوسيع منزله، أثناء عملية الحفر وجد أحد العمال عملة ذهبية في منطقة الحفر وأعطاها للسيد جريثد الذي بدوره أعطاني إياها بعد أن فحصها باهتمام كبير. قال لي “أنظر، إنها عملة ايطالية ذهبية، تعود للعام 1545م، كم هذا غريب!! ما الذي أتى بها إلى هنا؟؟”. في ذلك اليوم، وجد العمال الكثير منها، وكانت السيدة جريثد مبتهجة جدا أثناء تناولنا العشاء، وقالت لزوجها “أرأيت؟؟ كان عليك أن تصدقني. كل هذا المال يعود لذلك العجوز الذي رأيت شبحه. ربما خبأه أسفل تلك الأرضية وبعدها قتله شخص ما،والآن أتى هذا الشبح باحثا عن ماله”. هنا بدأ تفكيري ينصب حول شخصية جاكوبو فيرالدي، فتساءلت “هل من الممكن أن يكون هو؟ لكن لا، إن هذا مستحيل”. بعد تناولنا العشاء، احتسينا القهوة في مكتب السيد جريثد، فرويت لهم قصة عائلتي القديمة حول جاكوبو وقتله ابن أخته. بينما كنا نتحدث، رأيت شيئا ما يبدو كخارطة معلقة على الحائط. قلت لهم مشيرا صوب الخارطة “تبدو هذه قديمة جدا، كم هو غريب وجود هذه الكلمات الايطالية عليها” ، بعد أن أمعنت النظر بها فترة أطول أدركت بأنها خارطة للبستان. استطعت أن أرى الزهور الايطالية للحديقة مرسومة عليها، وبين تلك الزهور والشجرة كان هناك رمز صغير على هيئة الصليب. أتى السيد جريثد لينظر أيضا ، فقال لي “نعم، أظن أن هذه الحديقة ذا تصميم إيطالي ، ما المشكلة في ذلك؟”. نظرت بعدها خلف الخارطة فوجدت كلمات إيطالية مكتوبة وهي “جاكوب فيرالدي” ووجدت العام 1550م. عندها تأكدت تماما بأني في نفس المنزل الذي زاره القاتل جاكوب فيرالدي قبل فترة طويلة ، وكذلك أدركت بأن إشارة الصليب البادية على الخارطة تشير إلى مكان الكنز الذي خبأه جاكوبو. اعتقدت بأنه توقع محاولة الخادمان قتله لسرقة ماله، لذلك قرر إخفاء كنزه في ذلك المكان من الحديقة قبل مقتله بفترة قصيرة، لقد كان شبحه يظهر منذ ذلك الوقت حتى يحمي ماله من السرقة. اندهشت عائلة جريثد من تفسيري لذلك، واندهشت أكثر عندما وجدوا الكنز بالفعل مخبأ في تلك المنطقة التي أشرت إليها. بعد أن أدركت العائلة حقيقة انتمائي لعائلة فيرالدي قررت منحي ذلك الكنز، بعدها أصبحت غنيا وحميت عائلتي من غول الفقر. [c1]* كلية التربية/صبر/قسم اللغة الانكليزية[/c]