سعيد الكحل إسرائيل لن تزعجها بعد اليوم صواريخ القسام بفضل العقيدة «الجهادية التكفيرية» التي تجعل «الجهاد» ضد العدو القريب مقدَّما على مواجهة العدو البعيدليس رجما بالغيب أن يتوقع المتتبع ـ منذ الإعلان عن فوز “حماس” في الانتخابات التشريعية التي جرت في يناير 2006 ـ انزلاق الأوضاع في أراضي السلطة الفلسطينية إلى هاوية الاقتتال الداخلي بين حركتي “حماس” و” فتح” فالأمور تحكمها مقدماتها . ومقدمات الاقتتال هي نوعية المشروعين اللذين تتبناهما الحركتان . ذلك أن حركة حماس تحمل مشروع دولة دينية لا مكان فيه للاختلاف السياسي والمذهبي ولا فرصة فيه للتوافق مع الحركات العلمانية /الديمقراطية . لهذا ستظل أسباب الاقتتال قائمة ما ظلت “حماس” وفية لميثاقها التأسيسي الذي يحدد الأهداف التي من أجلها تأسست الحركة كالتالي : (أمّا الأهداف: فهي منازلة الباطل وقهره ودحره، ليسود الحق، وتعود الأوطان، وينطلق من فوق مساجدها الأذان معلنًا قيام دولة الإسلام، ليعود الناس والأشياء كل إلى مكانه الصحيح وتصبح فلسطين وقفا ً عاما لكل المسلمين في كل أصقاع الأرض ). من أجل ذلك تخوض “حماس” الصراع بكل أشكاله ، بل تجعله “فريضة” دينية لا تخضع للحوار أو النقاش . أما منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها حركة “فتح” ، فهي تناضل من أجل تحقيق الدفاع عن الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني ومواجهة المؤامرات والمخططات التي تستهدف طمس الهوية الوطنية الفلسطينية ومصادرة حق الشعب الفلسطيني في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية التي تتسع لكل الفلسطينيين وتضمن لهم حقوق المواطنة المتساوية على اختلاف عقائدهم ومذاهبهم . ومن ثم ترى حركة “حماس” أن مشروعها مناقض لمشروع “فتح” ومعها منظمة التحرير . وهذا واضح في المادة السابعة والعشرين من ميثاق “حماس” كالتالي: (تبنت المنظمة فكرة الدولة العلمانية وهكذا نحسبها. والفكرة العلمانية مناقضة للفكرة الدينية مناقضة تامة، وعلى الأفكار تُبنى المواقف والتصرفات، وتتخذ القرارات. ومن هنا .. لا يمكننا أن نستبدل إسلامية فلسطين الحالية والمستقبلية لنتبنى الفكرة العلمانية ) . وخطورة هذا الميثاق تزداد حينما يصير عقيدة يؤمن بها الأتباع ويتعصبون لها ، بل ويمارسونها ببشاعة ووحشية كما يصف بيان جمعية “راصد” الفلسطينية ( قامت عناصر من ما تسمى “ القوة التنفيذية “ في تمام الساعة 12 ظهراً من اليوم الأحد الموافق 6 / 6 / 2006 م باختطاف مواطنين يعملان في قوات 17 وأثناء قيامهما بتوزيع وجبة الغذاء على مقرات وأفراد حرس الرئاسة الفلسطينية بالقرب من مسجد الكتيبة في مدينة غزة تم خطفهما و اقتيادهما باتجاه برج الغفري غرب مدينة غزة وهما (المواطنان محمد السويركي “20 عاما” و زميله إبراهيم جواد الحتو) .وعقب اختطاف السويركي والحتو توجهت قوات حرس الرئاسة باتجاه البرج لتحرير الرهائن ودارت اشتباكات عنيفة وبعد تدخل الوفد الأمني المصري في وساطة بين الجانبين وانسحب حرس الرئاسة من محيط البرج بعد تطمينات بإطلاق سراح المختطفين ولكن فوجئ الجميع بعد لحظات من الوساطة بخبر إلقاء المواطن السويركي من الطابق الثامن عشر من برج الغفري بعد تقييده من اليدين والقدمين ووالقائه حيا على الطريق العام ليفارق الحياة ) . إن هذه الممارسة الوحشية جعلتها حماس عقيدة/فريضة تجاه الخصوم السياسيين الفتحاويين دون الصهاينة المحتلين . وما يدل على أنها عقيدة ، هو من جهة ، نوع التعاليق التي نشرها موقع “المركز الفلسطيني للإعلام” على بيان حركة “حماس” . ومن جهة ثانية طبيعة الجرائم ووحشيتها التي ارتكبتها القوات الحمساوية ضد الخصوم وعموم المواطنين . فبخصوص التعاليق يمكنا لاقتصار على النماذج التالية : - ( اللهم فتحك ونصرك ونورك وهداك وبركتك لرجالك رجال حماس والقسام والقوة التنفيذية وكل من يحبهم ويدعو لهم وينصرهم ولو بكلمة .. اللهم انصرهم .. اللهم انصرهم على القوم الظالمين يا ذا القوة المتين يالله .... اللهم إنهم جندك وأحباؤك لا تخيب رجاء المسلمين فيهم يارب العزة العظيم )... - ( بوركت أيادي القسام على ما يقومون من احتلال مواقع الذل والاذلال وهذا يدل على أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين). ـ ( نصركم الله يا ابناء القسام وحماكم و ايدكم الي الامام يا ايها القسامين الطاهرين المتوضئين قاتلوا الفئة المجرمة الضالة العميلة المتصهينة ولا ترحموا فيها احدا ....) . أما الجرائم فيمكن التذكير بما نشره “ مركز الميزان لحقوق الإنسان” ومنها (تقييد حركة الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف، وتكرار الاعتداء على المستشفيات والطواقم الطبية العاملة فيها، بل وإطلاق النار داخلها. وما جرى اليوم في مستشفى الشفاء من اعتداءات على الأطباء والممرضين، دفعهم إلى الهرب من المستشفى، يعزز مخاوف المركز، لاسيما وأن العديد من الجرحى الذين نقلوا إلى المستشفى ظهر اليوم لم يجدوا من يقدم لهم خدمات الإسعاف، وهو سيناريو مرشح للتكرار في مشاف أخرى ما يشكل عاملاً يرفع من أعداد القتلى) . لكن الأفظع الذي لم يرتكبه حتى جيش الصهاينة هو إقدام ميليشيات حماس على قطع رؤوس عناصر الأمن الوقائي وقتل الجرحى بالمستشفيات .الآن وقد “حررت” حماس قطاع غزة من يد السلطة الفلسطينية ، وانفردت بـ”الحكم” بعد أن أعلنت رفضها قرارت الرئيس محمود عباس بإقالة هنية وإعلان حالة الطوارئ وتكليف حكومة إنفاذ قرارت الطوارئ ، فإنها ـ حماس ـ ستدير القطاع كإمارة حمساوية مستقلة عن حكومة عباس . وقد فعلت ( تغيير أسماء المناطق : تل الهوا إلى تل الإسلام ـ كتابة عبارة لا إله إلا الله على العلم الفلسطيني ) . وهي ، بهذا القرار ، تقسم أراضي السلطة الفلسطينية إلى كانتونات معزولة تنعدم فيها شروط قيام دولة ومقومات استمراريتها . وبهذا تكون حماس قد نفذت ما عجزت عنه إسرائيل من حيث فصل القطاع عن الضفة ، تشتيت الصف الفلسطيني ، خلق حالة الاقتتال الداخلي ، إثبات أنه لا يوجد شريك فلسطيني للسلام الخ . وإذا أصرت حماس على استمرار حكومة هنية ضدا على قرار الإقالة ، فإنها حتما توفر كل المبررات لتشديد سياسة الحصار والتجويع التي تفرضها إسرائيل على الفلسطينيين . بل إنها ستحمل الدول العربية على مقاطعة حكومة غزة ، الأمر الذي سيزيد من معاناة الفلسطينيين ـ داخل القطاع ـ ويدفعهم إلى التمرد والعصيان . وهذا ما تراهن عليه حكومة الرئيس أبو مازن . فهل ستفلح حماس في توفير الدعم الشعبي والدولي لإمارة “ غزة ستان أو حماسستان”؟ الأكيد أن إسرائيل لن تزعجها بعد اليوم صواريخ القسام بفضل العقيدة “ الجهادية التكفيرية” التي تجعل “الجهاد” ضد العدو القريب مقدَّما على مواجهة العدو البعيد . ألا بئس العقيدة والسلطة اللتان تجعلان العيش في ظل الاحتلال أرحم وآمن من العيش في ظل “الاستقلال” .
حماس لن تقبل بأقل من الإمارة والسلطنة
أخبار متعلقة