من دفع بالبراءة إلى الخوض في غمار الخطر بمحاذاة الكورنيش:
ريبورتاج/ محمد فؤاد :إنها معاناة لا تنضب ولا تتوارى عن ناظرينا ، تلك التي تجسد تراجيديتها على مسرح الواقع المر (مسرح الحياة القاسية ) عندما نرى في كل ثانية ودقيقة وساعة مشاهد يدمع لها الفؤاد ويعتصر لها الوجدان !!فحدث بلا حرج !!نعم حدث بلا صمت !! فهناك أطفال يعيشون أبشع ما في البؤس نفسه من مآس على مختلف الأصعدة، نوم على الأرصفة وشذوذ غير قابل للنقاش!! وانحراف يشعله التعسف والعنف بشتى الوسائل.[c1]من كشكول الطفولة المعذبة !![/c]خطرت في بالي كتابة مثل هذه القصة الحقيقية على هامش جولاتي السرية الدائمة في أوقات الليل أو في اشد لفحات شمس الظهيرة المذيبة للأفكار والرغبة في العيش تارة والهروب من الحقيقة المرة ألا وهي أطفال يسرحون ولا يمرحون منذ بزوغ شمس الأصيل إلى تواريها خلف ستار الليل وغوصها خلف امتداد بحر لانهاية له دفين للأسرار .
صوت صراخ أطفال يصاحبه هدير أعتى الرياح وصرير لأرواح الرمال على امتداد ساحل أبين (كورنيش قحطان الشعبي ) في مديرية خورمكسر محافظة عدن!! هناك رأيت الهوائل أمام مسمع ومرأى الجن والإنس !!عذاب و معاناة لا تنقطع ، كل هذا سعيا وراء لقمة العيش بفتافيت لا تسمن ولا تغني من جوع !! تلك والله هي الحقيقة فبربكم هؤلاء الملائكة الأبرياء ما هو الذنب الذي ارتكبوه حتى يعيشون الذل والقهر وهم حتى لم يطفئوا شموع بداية ربيع الطفولة الذي سلب منهم بغير حق ولا إنذار مسبق .مجموعة من الأطفال ذكورا وإناثا من الذين طحنوا في الشقاء يرتادون هذه المنطقة كل يوم دون انقطاع ، يسحبون ويجرون أجسادهم الهزيلة هي هياكل بشرية تشتاق لرمق العيش والحياة الطبيعية مثلهم مثل الأطفال الآخرين .[c1]من زج بهؤلاء !![/c]من هؤلاء الذين زجوا بهؤلاء الصغار للخوض في هذه المغامرة الخطيرة في محاذاة هذا الكورنيش فبعض الشباب المقبلين للأسف يتحولون إلى ذئاب بشرية لا يميزون الإنسان من الحيوان من الجماد !!المهم هو أين يوجهون نزعاتهم وغرائزهم الشهوانية الحيوانية !!فما عليهم سوى التفكير ولو لوهلة كيف ينتهزون لحظة الصفر لينقضوا على قطيع الأرانب الصغيرة البريئة بلا أي وازع من الإنسانية!! وهنا تبدأ المعاناة بلسان المرارة من احد الأطفال الذي يسترزق قوته من حصان هزيل يمتلكه (صهيل) يقوم بتأجيره ليمتطيه الزائرون سواء من الأطفال أو الكبار وهو ولد ولا كل الأولاد طغت عليه علامات النضوج المبكر بجسده المتحنط الذي فقد عناصر مكونات الطفل الذي انتحر مع كل يوم مر يمر على صديقنا المغوار (صهيل) !! حيث يعاني من انبعاجات في كلتا ساقيه وحروق في أماكن مختلفة من جسده كأنها خريطة من الآلام خطها ونحتها القدر قبل الأوان ويا للهوان !! طفولة تنداس تحت نعال الفقر والتفكك الأسري والهروب من القسوة والاضطهاد الذي يمارس بحجة التربية السليمة ألا وهي من منظور الجهلة تصنع الرجال لمجابهة السدود والجبال لمستقبل يلوح في الأفق ( الصورة غشاش ).[c1]أشقاء الدمى الصغيرة[/c]
وطفل آخر لم يتجاوز عمره الرابعة و أظنه اقل من هذا !! جاء إلي وهو يلهث من شدة الظمأ والإرهاق حافي القدمين ببنطلون مهترئ مليء بأوساخ لا يمكن الفرار منها حاملا بيديه الصغيرتين شقيقة الدمى الصغيرة كيسا من البلاستيك يحتوي على عدد من أكياس المحارم السفري !! نظر إلى عيني وهو يقول لي اشتر مني يا عمو فأنا قد تعبت .. أشتي أروح الدنيا با تغدر ( سينزل ستار الليل ) .كلمات لا تزال إلى لحظة كتابتي هذه القصة تحمل عبرات صوت هذا البرعم الصغير الذي لم يبرز إلى سطح الدنيا !! وأخريات من الصغيرات يقمن بحركات قد تكون بنظرهن بريئة وخصوصا في هذا المكان المترامي الأطراف والشبه معزول ويتحول إلى مستنقع مقفر تملؤه تماسيح بشرية وتنبعث منه روائح الخوف وقد يكون وأدا لصرخة طفولة لا يسمع صداها سوى ضوء القمر الخافت .[c1]عصافير تغرد خارج السرب[/c]
ما أكبر المعاناة عندما ترى مثل هؤلاء العصافير الصغيرة تتجرع الخوف وتمشي على النار كل هذا من أجلك يا لقمة العيش!! رغم هذا وذاك هناك باعتقادي وميض يلوح في الأفق البعيد لنرى مثل هؤلاء يعيشون عيشة في كنف أسرهم بعد سنوات طوال من التشرد والحرمان وتعرضهم لأقسى أشكال العنف والابتزاز الذي يمارسه الكبار على الطفولة التي أكهلت الملايين من المناهضين لعمل الأطفال والمناصرين للطفولة وأصبحت تلك الندوات والورش والدورات كأنها سطل مليء بالماء البارد يدلق على صحراء مترامية الأطراف !! . برأيكم ما الحل !؟