معتصم عيسىشهد الملف النووي الايراني فصولا توالت وكأنها أعدت ضمن سيناريو بعيد المدى، فمنذ بدأت الولايات المتحدة تركز على محاولة احباط السعي الايراني لامتلاك التكنولوجيا النووية، توزعت الأدوار بشكل مدروس بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. ولعل نقطة الارتكاز الأمريكية تمثلت في البقاء خارج دائرة التفاوض المباشر مع طهران، وتركت ادارة بوش تلك المهمة لمدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، الذي شجع بدوره على فتح خطوط الحوار بين الأوروبيين والحكومة الايرانية. وبمرور الوقت، تبين أن ايران تراهن على مسألتين ترتبطان بالوقت كعامل يخدم التكتيك الايراني، المسألة الأولى تتمثل بثقة طهران في استبعاد ميل واشنطن للتصعيد العسكري في الوقت الراهن بسبب انشغالها في المتاهة العراقية من جهة، وحرصها على عدم منح الايرانيين فرصة تقويض الوضع العراقي من الداخل عبر تحريك أتباعها والموالين لها من جهة أخرى، وهي ورقة تثق ايران بفاعليتها وأهميتها. أما المسألة الثانية فتجسدت بالمماطلة والتسويف بانتظار استكمال خطوتها الأولى التي تتلخص بالنجاح في تخصيب اليورانيوم. وقد نجحت طهران في تحقيق ذلك الانجاز، وعززت على الجانب الآخر أوراقها داخل الساحة العراقية مستغلةً صمت الولايات المتحدة حيال تقاسم النفوذ داخل العراق بين الجانبين. وعليه، فلم تكن ايران مضطرة لمجاملة الأوروبيين أو تقديم تنازلات مباشرة لهم، وبقيت ترسل اشارات لا تعرف اليأس لواشنطن، معبرةً في كل مناسبة عن الحاجة للحوار بين الجانبين لتسوية الأزمة. وتدرك واشنطن مغزى ذلك الحوار والثمن الذي تسعى ايران لارغام الولايات المتحدة على دفعه بنتيجة الحوار المأمول ايرانيا، فايران مهتمة بالحفاظ على مصالحها في العراق مقابل أي طرح يتعلق ببرنامجها النووي، وهي مقايضة تتهرب ادارة بوش من الرضوخ لها واقرارها رسميا عبر المفاوضات، كما تسعى طهران لكسر حلقة من حلقات عزلتها على الصعيد العالمي عبر الدخول في مرحلة يكون التواصل مع الولايات المتحدة عنوانها الأول. ويبقى في جعبة الايرانيين ملف اقليمي خاضع للمقايضة أيضا، ويتعلق بدعم طهران لجهات وحركات تعتبرها الولايات المتحدة مثيرة للتوتر والنزاعات. وفي ظل تلك الحسابات، أدارت طهران ظهرها للعرض الأوروبي الأخير، دون ان تكلف نفسها عناء بحثه او اعطاءه ألهمية اللازمة، وبقيت تقف قرب النافذة الخلفية للبيت الأبيض بانتظار أول فرصة للدخول والجلوس مع الأمريكيين على طاولة واحدة. ولكن الولايات المتحدة تملك بدورها استراتيجية ثابتة تجاه ايران وهي تثابر على تحقيقها، فقد منحت واشنطن نفسها فرصة الظهور بمظهر الجهة التي طرقت كل أبواب الحلول الودية، وهو ما يرفع عنها الكثير من العتب اذا ما قررت وضع حدٍ للتمرد الايراني، وبدأت تهيؤ الأجواء داخل العراق لفرض السيطرة وسحب البساط تدريجيا من تحت أقدام الايرانيين، سواء عبر تقوية وتثبيت العملية السياسية، أو التضييق على الموالين لطهران ومحاولة الحد من قدراتهم. وقد يكون صحيحا أن الشهر المقبل سيشهد بدايةً لسياسة عض الأصابع بين الجانبين، وهو ما تملك الولايات المتحدة باعا طويلا في التعامل معه، بينما قد تخسر ايران وبشكل متسارع بعضا من أصابعها. الأمر برمته متوقف على قوة وثبات التحالف الأمريكي الأوروبي، وتنحية اللوم الصيني والتحفظ الروسي، ويبدو ان واشنطن بدات فعليا بالسير في ذلك الاتجاه، مُغلقةً كل النوافذ في وجه الضيف الايراني.
ايران تُغلق الباب الأوروبي وتبحث عن نافذة أمريكية
أخبار متعلقة