نادره عبدالقدوس ككل عام في شهر رمضان المبارك يكون المشاهد العربي على موعد مع التنافس المحموم بين القنوات الفضائية العربية على سيل المسلسلات واضحت هذه الظاهرة تقليداً رمضانياً سنوياً حتى لكأنما لاتكتمل "حلاوة" ليالي رمضان إلا بالمسلسلات العربية التي معظمها تفتقد إلى العناصر الاساسية لانجاح مسلسل أو فيلم تليفزيوني. كما حدث في رمضان المنصرم.والحقيقة انني لست من المداومين على مشاهدة المسلسلات والافلام التلفزيونية لا العربية ولا الغربية ولاحتى الهندية .. والسبب أنها جلها تدور في حلقة مفرغة وبالذات المصرية منها ـ مع الأسف ـ والتي تختص فقط على الواقع المصري .. وتناقش قضايا وهموم الإنسان المصري وواقعه فحسب ,, فباتت تغني في واد والمتلقي المشاهد في واد آخر.. بعكس الكثير من المسلسلات السورية التي جذبت عيون المشاهد العربي إلى الشاشة الصغيرة وجعلته يتابع بشغف احداثها ومشاهدها وحوارات شخوصها المشوقة.ولن نستعرض هنا أسماء المسلسلات التي عرضت في رمضان هذا العام وذلك تجنباً لمترتبات كثيرة ننأى عنها .. إلا أنه لاضير من ذكر عدد من الابداعات في هذا الشأن لما له من جوانب إيجابية عديدة تدخل في سياق العلاقات الإنسانية والقيم والاخلاق في التعاملات بين الناس.ونؤكد هنا إحقاق عدد من المسلسلات المصرية في هذا الجانب ولا أعتقد أن كلمة الحق موجعة في هذا الشأن.فهذا مثلاً مسلسل "خالد ابن الوليد" أليس عملاً يستحق الثناء عليه رغم بعض الهفوات في الجانب الاخراجي وفي أداء بعض الممثلين من ضمنهم باسل ياخور بطل المسلسل الذي مثل دور خالد ابن الوليد .. ولقد وفق المخرج محمد عزيزية في اختيار ياخور ليمثل دور ابن الوليد .. كما وفق في كثير من جوانب المسلسل من حيث المشاهد التاريخية وأعداد الممثلين والكومبارس والخيول .. بحيث جعل المشاهد يعيش ذلك الزمان بوقائعه وحقائقه وهذا الشكل الاخراجي المتميز للفنانين السوريين يفتقده كثير من المخرجين العرب الآخرون وباعترافهم بأنفسهم بذلك.والسبب معروف هو شحة يد المنتج وعدم الرغبة في الصرف على تكاليف مثل هكذا أعمال فنية بعكس المنتج السوري .. أكان المنتج فرداً أو مؤسسة.أما العمل الثاني الذي ايضاً استحق المشاهدة والاحترام فهو "باب الحارة " وهو مسلسل سوري ثان للمخرج السوري " بسام الملا" بعد مسلسله " ليالي الصالحية " الذي شاهدناه في رمضان العام الماضي "2005م" وكان من أبرز المسلسلات الاجتماعية التي لاتتحدث عن المجتمع السوري فحسب بل عن الانسان العربي بكل جوانب حياته وعلاقاته الانسانية.فالمسلسلان " ليالي الصالحية" و "باب الحارة" تدور أحداثها في حارة شعبية كأي حارة من حارات البلاد العربية .. فيها التآلف بين سكانها .. وفيها المحبة والود والتآزر بينهم .. فما ينام بيت من بيوتها إلا وسكانه ينعمون بالأمن والأمان وراحة البال .وفي المسلسلين زعيم للحارة يعرف كل صغيرة وكبيرة فيها ولايغمض له جفن إلا بعد أن يتأكد ان أهل الحارة لايشكون من ضيم أو عوز .. وزعيم الحارة له من هيبته ومكانته الرفيعة ولم تأت من هيئته أو من جاه أو قبيلة أو مال أو علاقة بالسلطة ، بل من لسان صادق ونظر ثاقب وسرعة بديهية وذكاء، وعقل راسخ، ومعاملة الناس بمختلف مكانتهم الاجتماعية ومستواهم المادي بميزان عادل وبمكيال واحد .. ودائماً زعيم الحارة نجده كبيراً في السن هذا عين المنطق فللكبار احترام خاص ومكانة رفيعة.وبدون أية اسهابات أو مشاهد مملة وحوارات رتيبة يناقش المسلسلان قضايا انسانية بحثة لها علاقة مباشرة بالقيم والاخلاقيات الدينية .. وهنا يبرز ذكاء كاتب القصة وكاتب الحوار والمخرج على السواء .إذ لايتم تقديم الموعظة الحسنة بشكل مباشر للمشاهد كأنه يتم مثلاً من خلال الحوار بين شخوص المسلسل .. بل من خلال احداث تشاهدها أمامنا ويترك لنا كمشاهدين المجال لتقييمها .لإفساح المجال لاعمال العقل وإشراك المشاهد "المتلقي" في البحث عن الحقيقة وترقب الأحداث القادمة وما تحمل من مفاجآت .. ينعش روح المشاهد ويساعد على تطوير مداركه ووعيه نحو الفن الهادف الذي يحمل رسالة إنسانية مليئة بالمواعظ الدينية والدينوية بشكل غير مباشر، وبسلاسة ووضوح رسالة تمتاز باحترام العقل العربي وباحترام وتقدير عادات وتقاليد المجتمعات العربية وتاريخ الانسان العربي .. فهي تظهر من خلال ما يقدم في هذه الأعمال الفنية القيم الرفيعة للدين الإسلامي الحنيف المتمثلة في العلاقات بين الناس فمثلاً زعيم الحارة ومعاملته للناس ، في أمور يختلفون عليها ، سواسية كأسنان المشط. وهناك ايضاً سؤال الناس عن بعضهم البعض والمشاعر المشتركة في السراء والضراء، والتعاون بينهم ومساعدة الغني للفقير والمعوز .. ورأينا ايضاً في المسلسلين السالفي الذكر ما حصده الظالم وانتقام الله تعالى منه .. كما رأينا روح التسامح والمغفرة عند المقدرة .. وغير ذلك من الاخلاقيات العربية الاصيلة التي نفتقدها كثيراً في حياتنا المعاصرة .. كما تفتقد إليها مجتمعات كثيرة غير عربية ."يتبع "
|
ثقافة
من حلبة التنافس بين المسلسلات العربية في شهررمضان
أخبار متعلقة