أضواء
في كلمته التي ارتجلها الملك عبدالله أثناء استقباله المشاركين في المنتدى السادس لحوار الحضارات بين اليابان والعالم الإسلامي الذي بدأ أعماله في الرياض تحت عنوان (الثقافة واحترام الأديان) أراد - حفظه الله - أن يغرس قيماً حضاريةً جديدةً تؤلِّف بين البشر بدلاً من ترسيخ التنافر فيما بينهم. (لا حل إلا بالحوار) عبارة هي في منتهى الاختصار، غير أنها تحمل في مضامينها أن عصر (العنف) ذهب وولى وانتهى، ومثلما ألغينا (الرق)، واعتبرناه ممارسة لا إنسانية، نرفضها مثلما يرفضها العالم المتمدن أجمع، رغم أن (الرق) كان باباً من أبواب الفقه في الشريعة، ها نحن نلغي اليوم (العنف والقتال والدم) من علاقاتنا مع غير المسلمين، ونحل محله الحوار. وفي تقديري أن أول المستفيدين من مثل هذه الدعوات (الإنسانية) التي تتبناها بلادنا بكل حماس وهمة في الآونة الأخيرة، هو دين الإسلام في المحصلة النهائية، فنحن معنيون بالدعوة إلى الإسلام، وحمله إلى بني البشر كمهمة رئيسية نؤمن أن الله وضعها على عاتقنا كمسلمين. والإسلام - كما هو معروف - انتشر بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس بالسيف والقوة والجبر والإكراه كما يقول أعداؤه أو كما يتصور بعض أبنائه. ففي عصرنا الذي نعيشه، تؤكد الأرقام الإحصائية أن الإسلام كان أسرع الأديان انتشاراً في العالم، ففي أمريكا - مثلاً - تقول دراسة سبق أن كتبت عنها، إن الإسلام أكثر الأديان انتشاراً هناك بين بين الأمريكيين أنفسهم، غير أن هذه الأرقام التي كانت تدعو إلى الاطمئنان والفخر تأثرت تأثراً سلبياً كبيراً بعد أحداث 11 سبتمبر، وتصرفات الإرهابيين المسلمين، بالشكل الذي جعلها تتراجع كثيراً، بل وتصل اليوم إلى معدلات متدنية. أعرف أن هناك تياراً متزمتاً وشديد الانغلاق بيننا يرفض هذا الحوار، ويعتبر أن (العنف)، ناهيك عن البغضاء والكراهية لغير المسلمين، ثابتاً من ثوابت الإسلام، وأن احترام الآخر لا يستقيم مع متطلبات الإيمان. مثل هذا التيار هو السبب الرئيس الذي صنع الإرهاب، وروَّج لثقافة العنف، وجعل المسلمين محل اتهام في كل أرجاء العالم. وفي تقديري أننا كلما حاصرنا هذا الفكر المتزمت، والمنغلق، وحجَّمنا من قدرته في التأثير على ثقافتنا، وواجهنا كبار أساطينه بكل قوة وشجاعة وحزم، فإن أول المستفيدين في نهاية المطاف هو الإسلام نفسه. تعبنا، وكلت سواعدنا ونحن نكتب ونشرح لهؤلاء المتزمتين أننا جزء من هذا العالم، وأن بقاءنا، فضلاً عن تطورنا، مرتبط بقدرتنا على أن نكون جزءاً منه، ومن ثقافته، ومن مزاجه العام؛ وأن (الخصوصية) لم تعد مبرراً لنا كي نغرد خارج السرب، وأننا من (الضعف) إلى درجة لا نستطيع أن نفرض شيئاً، وأننا عندما نجدف عكس قيم السلام والحوار في العالم، فإننا نحكم على أنفسنا بالنهاية حتماً؛ غير أن هؤلاء المتزمتين هم من البساطة والسذاجة ومحدودية الأفق إلى درجة تجعلك تشعر وأنت تتحدث معهم أن أذهانهم متخشبة تماماً، وغير قابلة للفهم أو التفاهم. كلمة الملك عبدالله نقلتنا عملياً إلى مواجهة هذا الفكر المتزمت الذي عانينا منه كثيراً، والذي لا بد من مواجهته وتحجيمه مهما كان الثمن، فالقضية قضية تمس وجودنا أيها السادة. [c1]* (الجزيرة) السعودية [/c]