كمال محمود علي اليماني اليوم الثاني من مارس، يكون الزمان قد طوى عاما ً كاملاً منذ رحيل فارس الكلمة ، وصاحب اليراع البديع ، صاحبي ورفيق الصبا والشباب ، الشاعر النبيل والجميل (محمد حسين هيثم ) هذا الذي غادرنا جسداً ، وظل معنا روحا ً وذكريات .هذا الذي تخطّفه الذئب /الموت ، وكان بحدسه يراه قريباً منه ، أنّى سار ، وحيثما إتجه .. الموت المباغت الذي يأتيك فجأة ً ، وفي غمرة أحلامك وأمانيك .كان الراحل ( رحمة الله عليه ) يحلم بالكثير ، وكان في آخر لقاء جمعني به قبل نحو عام من رحيله في منزله في العاصمة صنعاء ، قد حدثني عن مشروع جمع الدراسات التي كتبها ، وتلكم الأخرى التي كتبها آخرون عنه ، وتحدثوا فيها عن تجربته الشعرية ،كان يحلم أن يجمع تلكم الدراسات في كتاب يرى النور ، ويحفظ مجموعاً ما تأتي عليه الأيام متفرقاً.كان يحلم ، كما ذكر لي في لقاء هاتفي ( إن صح التعبير ) وماأكثر اللقاءات التي جمعتني به منذ أن غادر عدن ، أن يكون له ولابنته ((هند )) موقع مشترك على الشبكة العنكبوتية ، بل أنه قد أكد لي قبل أسابيع من رحيله ، أنه وأبنته قد شرعا في إنشاء الموقع .وكان يحلم ( آه كم كانت أحلامه كثير ة ) كان يحلم أن تكون له مطبعة أو قل داراً صغيرة لطباعة الكتب .أما على صعيد أسرته ، فقد كان يحلم بنجاح إبنته الروائية هند ، ويرى فيها الوعد الذي لن ينجزه إلاهي، آه لو تعلمون كم كان بها فخورا ً ، حين اهداني مجموعتها القصصية الأولى ، وكنا حينها في عدن كنت أرى في عينيه فرحاً طفولياً عجيباً ، كانت النشوة تطفح من حدقتي عينيه وهو يحدثني عنها. هذا البدوي المتجذر في أسرة السعيدي ، تجاوز حدود القرية ، والقبيلة ، تجاوز المفاهيم العتيقة ، وراح يتحدث عن إبداع إبنته بكل الفخر والإعتزاز .أما هيثم وهوزن فقد كانا ريحانتي فؤاده ... آه كم كان الراحل أباً عظيماً ومحباً .كان يحلم ويحلم ويحلم .. تماما ً مثلما كان صاحبه عبدالعليم في قصيدته ، ومثله تماماً غادرنافي هدوء وسكينة .وكما قال الشاعر الكبير د. عبدالعزيز المقالح في مقدمة ديوان الراحل الأخير (( على بعد ذئب )) والذي رأى النور بعد رحيله ،وأيده الناقد العراقي الأستاذ حاتم صكر ، فقد كان الراحل يرمز للموت بالذئب هذا الموت الذي أنهى كل ألأحلام ،وبدد كل الأماني ، أتراه كان على موعد ٍ معه ؟هل أبصره يتقدم نحوه ببطء ، لينهي رحلة العمر الطامع في المزيد ؟ورحل محمد ، هذا الشاعر الجميل شعراً وروحاً ، فهل يكون وفاؤنا له بتحبير الأوراق ، وكتابة المقالات في الصحف والمواقع ، أم أنه سيكون بإقامة الفعاليات الثقافية في عدن ، حيث مسقط رأسه ، أو في صنعاء حيث إقامته ومرقده الأخير .إن الوفاء الحقيقي هوفي تحقيق ولوبعض من أحلامه .. ولعل أولها هوذلك الحلم الكبير الذي كان هماً يثقل قلبه المريض ، ويثقل كاهله ، حلم بناء بيت شرع في بنائه ليضمه وأولاده وزوجه بعيداً عن عسف الإيجار وذله .أتصدقون أن شاعراً مبدعاً في قامة هيثم ، كان يسكن بيتاً بالإيجار ؟!!! ، كيف لا وقد كان ( رحمه الله) نظيف اليد ، عفيف الفؤاد ، ريان الوجه .. آثر أن يحيا حياة المكابدة والمجاهدة ، على أن يسلك الطرق الملتويةوالمتعرجة في دهاليز الفساد والمفسدين ، أو أن يهرق ماء وجهه تذللاً وانكساراً .إن روح هيثم ستظل قلقةً ، تحوم حول قبره ( كما تحكي الأساطير ، وأحسبها صادقة ً معه )، حتى ترى تحقيق هذا الحلم ، وبعض ٍ من أحلام أخرى ، حلم بها أيام أن كان بين ظهرانينا ، فهل نتنادى لتحقيق ذلك ؟!!!وهل لنداءاتنا من مجيب؟!!! صديق العمر ( محمد) ستظل ، عهداً منا ، ذكرى طيبة وعطرة ، ولن أنساك ومحبوك ، وأنّى لنا ذلك ، وقد تركت فينا إبداعات ٍ جمة ، ومشاعر فياضة بالحب ، وتركت فينا هنداً وهيثم وهوزن .وإلى أن نلقاك في جنة الله ورضوانه، لك منا أعذب السلام ، وجميل الدعاء ، وأعطر الصلاة.
|
ثقافة
في ذكراك يا أبا الهاءات
أخبار متعلقة