د. عبدالله بن عبدالمحسن الفرج: قد يكون بدء الهند في الثاني من هذا الشهر ببيع سيارتها تاتا، التي شاهدنا عروضها الأنيقة على شاشات التلفزيون، واحد فقط من معالم التغير الذي بدأ يطرأ على موازين القوى الاقتصادية في العالم. ولا أعتقد أن هذه السيارة سوف تحدث ثورة في وسائل النقل في الهند وحدها وإنما في العديد من بلدان العالم. إذ بالإضافة إلى مظهرها الجذاب فإن سعر الواحدة منها لا يتعدى 100 ألف روبية (حوالي 7500 ريال سعودي فقط). فهذا السعر المتميز سوف يكون كفيلاً بتسويق تاتا داخل الهند وخارجها. فالإحصائيات تشير إلى أن هيكل الطلب في الكثير من بلدان العالم، ومن ضمنها بلدان غنية مثل بلداننا الخليجية، قد بدأ يتغير. فمزاج المستهلكين، في ظل الأزمة الاقتصادية، أخذ يميل نحو شراء المنتجات الرخيصة وذلك على حساب الماركات العالمية المشهورة الذي بدأ الطلب على بعض منتجاتها يتراجع بنسبة تصل إلى 50%. ولذا فيجب علينا أن لا نستغرب إذا ما شكلت سيارة تاتا رأس الحربة الهندية لغزو الأسواق العالمية بمنتجاتها الصناعية. فمثلما نعرف فإن إنتاج أمريكا للسيارات الرخيصة نسبياً، في الثلاثينات من القرن المنصرم، كان واحداً من الأسباب التي ساعدت الولايات المتحدة على الخروج من أزمتها الاقتصادية وتصدرها فيما بعد إنتاج السيارات في العالم. أو بالأصح وإلى وقت قريب. فصناعات السيارات الأمريكية في الوقت الراهن، على العكس من صناعة السيارات في الهند، تعاني من صعوبات مالية كبيرة بعد أن تردت صناعتها إلى درجة أصبح الترويج لها صعباً حتى في داخل البلد الذي ينتجها. وقد تكون المصادفة وحدها هي التي لعبت دورها في أن بيع تاتا الهندية قد أتى بعد يوم واحد فقط من تحليق الطائرة المدنية الروسية «سوبرجيت 100» في رحلة تجريبية من مدينة نوفوسيبيرسك السيبيرية إلى موسكو قاطعة بذلك أكثر من 3 آلاف كم. حيث تنوي روسيا البدء في بيع هذه الطائرة، التي تعتبر من أكثر الطائرات المدنية أماناً، في نهاية هذا العام وبدء العام القادم وذلك بعد أن تستكمل التجارب المقررة عليها. فكما تشير بيانات الشركة فإن «سوخوي»، للطائرات المدنية الروسية، قد تلقت حتى الآن نحو 100 طلب على هذا الصنف الجديد من الطائرات. أما الصين، التي تعتبر أحد أهم مجموعة «بريك» التي تضم المكسيك أيضاً بالإضافة إلى البلدين السابق ذكرهما، فإنه على الرغم من تأثرها الشديد بالأزمة الاقتصادية العالمية جراء انخفاض الطلب على صادراتها فإنها لا تزال تدهش العالم بوتائر نموها العالية. ففي شهر مارس الماضي نما الإنتاج الصناعي الصيني بنسبة 8,3% مقارنة ب 3,8% في الشهرين السابقين له. كما أن المملكة تعتبر أيضاً واحدة من البلدان الناشئة المستقرة اقتصادياً. حيث من المتوقع أن يحقق القطاع الخاص خلال هذا العام معدل نمو ايجابي قد يصل إلى 3%، وذلك على الرغم من التباطؤ الذي سوف يطرأ على ذلك المعدل جراء تراجع الإنفاق الحكومي على أثر تقلص العائدات النفطية. من هنا فإن تقرير مجلة فوربس المشهورة، الصادر هذا الشهر، عن أهم 2000 شركة في العالم، قد جاء ليعكس تلك الحقائق المشار إليها. فرغم أن الشركات الأمريكية قد احتلت مركز الصدارة في التقرير الذي يغطي 62 بلداً، فإن عدد شركاتها في رأس القائمة قد تقلص، جراء الأزمة الاقتصادية، بنحو 200 شركة مقارنة مع عام 2004. أما الصين فقد دخلت 91 من شركاتها قائمة ال 2000، وكوريا 61 شركة، والهند 47 شركة كما دخلت الشركات الروسية والسعودية والكويتية والإماراتية قائمة ال 2000 أيضاً. إذاً فقائمة فوربس لأكبر 2000 شركة في العالم لعام 2009 قد أتت لتؤكد، كما يبدو لي، التغيرات التي بدأت تطرأ على هيكل الاقتصاد العالمي والحراك الذي بدأ يشهده توازن القوى الاقتصادية في العالم. ولكن ما الذي يعنيه تعدد الأقطاب الاقتصادية غير تقلص مساحة هيمنة القطب الواحد والبدء في العد التنازلي لمرحلة احتكار القطب الواحد، هذه المرحلة، التي عايشنا مساوئها منذ عام 1991 وحتى الأمس القريب..
معالم التغير على موازين القوى الاقتصادية
أخبار متعلقة