نضال نعيسةالقسم على المصحف ، والتنكر للعهد بعد ذلك ، هما في الحقيقة أهم ما ميز اتفاق الأخوة الألداء، في مكة ، والتي أريد لها أن تكون ذات بعد ومغزى أسطوري ومعني ديني يبدو أنه لم ينفع، ولم يعمل أمام شهوة الحكم، وغريزة الثأر، والحسابات السياسية، وحقيقة ما يضمره أمراء الجهاد. وهذا ما ينفي، في الواقع، عن المشاريع السياسية الإسلاموية أية أبعاد قدسية وسماوية، يحاولون التمظهر بها، وأن كل تلك الشعارات البراقة العصماء المقدسة هي للاستهلاك المحلي والاتجار بها، ليس إلا ّ، في أسواق سياسية تعج بالمخدرين والمخدوعين بسحر الخطاب الديني، وتراث الأولين. حدث ذلك أيضا مع أحزاب المجاهدين الأفغان الذين دمروا أفغانستان بحروبهم الأهلية ثم جمعهم الملك فهد في مكة وأقسموا على المصحف أمام الكعبة وصلوا ركعتين ثم عادوا ليواصلوا قتالهم ضد بعضهم البعض بصورة أشد قسوة وفتكا من القتال الذي دائرا ً بينهم البين قبل أن يأتوا الى الكعبة ويوقعوا اتفاق مكة الشهير في منتصف التسعينيات . هذه هي الحال، دائماً، مع "الثعابين" الأصولية التي لا يؤمن جانبها، حين تكون ثقافة الموت والقتل وسفك الدم ديدنها. فكيف للمرء أن يأمن لهم وهو لا يرى إلا الحقد في وجوههم، والسم في كلامهم، والكراهية في خطابهم، والغدر في سلوكهم، والتحريض في أقوالهم، وثقافة السحل في ممارساتهم. لم نكن البتة بحاجة لرقصة الموت الأخيرة في ظلامستان لكي نتأكد من حقيقة توجهاتهم، وطبيعة مشروعهم الحقيقي الذي يطرب له "ماركسيو" آخر الزمان الذين يجمعهم بهولاء وهم مشترك. ولا يسعنا هنا، إلا أن نتوجه، وبهذه المناسبة الكارثية، وبالشكر الجزيل لحماس، لأنها لم تخذلنا البتة، ولم تحد عن الطريق، وأنها كانت عند سوء ظننا، رغم أن بعض الظن إثم كبير، لكن ربك غفور رحيم. وهي رسالة لكل من يروج لهم، ويحاول أن يجمـّلهم، ويقدمهم على أنهم حملان وديعة مسكينة مظلومة ومضطهدة. وإذا كان تعامل حماس مع أخوة الدم بهذا الشكل الدموي والإجرامي فماذا عساها أن تفعل مع الأغراب والمختلفين؟ وماذا سيكون موقفها من "الذميين" الفلسطينيين، وبقية الاقليات والمذاهب، والأعراق الأخرى في إمبراطوريتهم الكبرى حين يكون ابن هنية (قدس الله سره) هو الخليفة والولي ؟ ماذا يقول كتبة اليسار المتآكل القديم، و"عرضحالجية" التمركس الغشيم، عن هذا السيرك المفزع الفظيع، بدل التنظير الفارغ، والطلاسم الفلسفية عن الواقع العربي المرير؟ وهل وصلتهم رسالة الجهاديين؟ أم تراهم في أحلامهم، ما زالوا غارقين؟ لا أدري لماذا أصر قتلة حماس على السجود، والركوع والصلاة والتكبير لله بعد أن فرغوا من وليمة الدم الفلسطيني، وبعد أن فرغوا من ذبح إخوة لهم في العقيدة الدينية والنضال الوطني، ورووا ذاك العطش التاريخي . أولئك القتلى الفلسطينيون الذين نحروا على مذبح حماس الجهادي ليسوا من اليهود، والصليبيين، والكفرة، والخوارج، والروافض وإلى آخر ما يعج به خطابهم الجهادي الدموي الكاسح، بل مسلمون، ورفاق سلاح، وأخوة في "العروبة"( أكبر نكتة في العصر الحديث). ولماذا هذا الإصرار العجيب على الربط بين الموت والدم والله والإسلام؟ ولماذا يحاول البعض أن يلصق الجرائم بالدين وبالله؟ ويوحي للعالمين بأن كل ما يحدث هو بمباركة ورضا من الله؟ هل لمعرفتهم ببشاعتها ولكي يتبرؤوا منها؟ أم ليبرروا ويتنصلوا من هذا الموت المجاني القبيح؟إن أكبر خطأ ترتكبه الأنظمة في المنطقة هو في تبني هذه التيارات المتاجرة بالإسلام، وتتحالف معها، والتعويل عليها في أية مشاريع سياسية أو وطنية في المنطقة. فالخطاب النضالي هو خطاب أخلاقي بالدرجة الأولى، وليس خطاباً إجرامياً ودموياً كما يسوّق هؤلاء أنفسهم ويحاولون أن يؤكدوا هذه الهوية في كل فعل، وحدث يصنعونه. ويبدو أن ساسة المنطقة، وبرغم دهائهم السياسي وتمسكهم القاتل بكراسي الحكم، وجيوش المستشارين التي لا حدود لها، فهم يصرون على الوقوع في نفس الخطأ، والمطب في كل مرة. لا أعتقد أن الذكاء والحنكة والدهاء كانت تنقص السادات الذي أخرجهم من الأوكار والعوالم السفلية التي حشرهم فيها سلفه عبد الناصر. وكان أول فعل قاموا به بعد أن تمكنوا هو أن انقضوا عليه، وسفكوا دمه في رابعة النهار، وأمام أعين العالم الذي وقف يراقب المشهد بذهول. وهذا ما فعله "الشيخ" بن لادن، وصحبه الميامين مع السعودية التي كانت الحاضن الأكبر للإخوان المسلمين والتكفيرين وارتدوا عليها شراً مستطيراً لا يلين؟ وتكررت نفس الكارثة مع الرئيس الفلسطيني المغدور محمود عباس الذي اعتقد، ولوهلة، أن لطموح هذه الجماعات أية حدود، وآفاق. وأنه من الممكن أن يؤمن جانبهم، أو أن يؤمنوا بالحوار، والرأي الآخر، ويحفظوا العهد لأن ذلك يعني ببساطة التخلي عن جوهر عقيدتهم، ونسفاً لكل المرتكزات التي تقوم عليها إيديولوجيتهم. إنها رسائل حماس الواضحة بالأصالة عن نفسها، والنيابة عن غيرها من الجماعات السلفية، والتي لا تقبل الجدل والتأويل، والتي توزعها بالمجان على جميع المعنيين، والمهتمين في المنطقة. ما حدث وأياً تكن تأويلاته الفلسفية والسياسية فهو شرخ كبير في المشروع الوطني الذي لم يزل بعيداً جداً وصعب المنال في ضوء هذه التطورات، وأن هذه الشعوب لم تنضج بالقدر الكافي للتحكم في غرائزها السياسية وحاجاتها الطبيعية المنفلتة، وأن الوصاية والاحتلال ربما تكون أحد الحلول المؤقتة ريثما تفتح وعي، ويتم تبلور مشروع وطني نهضوي صادق حديث، في وللأسف هذا ما يحدث في عموم المنطقة العربية المنكوبة بكل ما هو باطل وتالف وفاقد الصلاحية وقديم. شرخ كبير دفن معه كل تلك الأحلام والشعارات البراقة الكاذبة والخطاب الفضفاض الكبير عن أوطان لم تزل في حكم الجنين من حمل سفاحي، وزنا سياسي وغير شرعي.فًشكراً حماس، فهذا ما كان متوقعاً، وهو السلوك النموذجي الصحيح والمأمول من فرسان النحر والانتحار. شكراً لأن عين حماس الآن على الدم الفلسطيني، والجسد الفلسطيني، بعد أن غضت الطرف عن الهدف "الصهيوني". أليس غض الطرف واجب شرعي يعمل به أمراء الجهاد المقدس، فما أجمله وأروعه من إيمان؟ وإذا كان المرور نحو الوطن الفلسطيني عبر هذه البوابات من المجون السياسي فما أصعبه وما أرخصه من خيار؟ وإذا كانت الدولة الموعودة لا تعمد إلا بدماء هؤلاء المنكوبين والسبايا في أرض الهلاك الحماسي فلا بارك الله بها من دولة ووطن كريه؟ وإذا كانت إمارات الله المقدسة تحتاج لهذا الاستعراض الوحشي الغاشم، وعبر جبال الجماجم، ومحراب الهياكل الفلسطينية، فبئسه من خيار، ومن طريق، ؟[c1]كاتب وصحفي سوري[/c]
شكرا حماس
أخبار متعلقة