استجمام في فضاءات الروح ..
صنعاء / سبأ:استطلاع / أحمد المنصورتعد الحمامات البخارية عامة أحد الطقوس الاجتماعية في الكثير من البلدان العربية والاسلامية ، لكن وجودها في اليمن لم يرتبط بعناصر السعي وراء تحقيق الراحة الجسدية فحسب، بل أن العودة إليها في المناسبات الاجتماعية والاعياد جاء تلبية لحاجات روحية وروحانية وتجسيد لواجب ديني مقدس.وفيما اكتشف علماء تنقيب آثاراً لحمامات يعود تاريخها إلى 6 آلاف سنة منها ماهو في بلاد ما بين النهرين ، وكذلك في مصر ،واليونان والرومان ممن يعتقدون بأن الآلهة تستخدم البخار للمحافظة على شبابها، وكان الجنرال الروماني "اغريبا" أول من ادخل الحمامات العامة إلى روما، وفي عهد الامبراطور قسطنطين بني في روما نحو /850/ حماماً عاماً.. فان النقوش التاريخية تشير إلى ان الحضارة اليمنية السبئية القديمة عرفت الحمامات منذ وقت مبكر في حين يرى الاخباريون ان الحمامات انتشرت بشكل ملحوظ في العهد العثماني الاول.والحمام من أهم الفضاءات المعمارية في المدينة العربية الإسلامية، كونه يؤدي دوراً وظيفياً في خدمة المسلم، من حيث نظافته وطهارته، تمهيداً لأداء واجب ديني مهم يأخذ طابع القداسة، وهو فرض الصلاة الذي فرض على كل مسلم ومسلمة في المدينة الإسلامية.وقد ارتأى المعمار الإسلامي أن تبنى الحمامات البخارية مجاورة للمساجد، وعمد المعمار الإسلامي إلى إضفاء طابع الأبهة والفخامة على الحمامات، إذ أنشئت لهذه المرافق واجهات ضخمة وزخارف فخمة، واستخدمت فيها أحدث أساليب الإنشاء، وأدق الحيل الفنية المعروفة. إلا أنه من الملاحظ أن الأساليب المعمارية في إنشاء الحمامات الإسلامية ليست إسلامية صرفاً، فهذه الحمامات مثلها مثل المنشآت العمرانية الإسلامية الأخرى، كالقصور والمنازل الكثيرة وقباب المساجد، متأثرة بالأساليب المعمارية للحضارات التي سبقت الحضارة الإسلامية، وتزامنت معها في آن. فالحمام الإسلامي وإن كان مؤسسة اجتماعية صحية إسلامية بالدرجة الأولى، إلا أنه من حيث البناء والتقليد متأثر بالحمام الروماني السابق له.الحمامات البخارية في صنعاء القديمةفي مدينة صنعاء القديمة تعتبر الاحمامات إرثاً تركياً رغم اكتشاف آثار قديمة لبقايا حمام بخاري في العاصمة السبأية التاريخية مأرب يعود تاريخها للألف الأول قبل الميلاد حسب المؤرخين. ويمكن اعتبار الحمام مظهراً حضارياً من مظاهر الحياة في المدينة الإسلامية.وتحتوي صنعاء القديمة داخل سورها الأثري الكثير من الحمامات البخارية التي بنيت في العصر العثماني الأول وما تلاه، منها: حمام ياسر، والذي يعد أقدمها وحمام الميدان وحمام السوق وحمام الحميدي وحمام الطواشي وحمام سبأ وحمامشكر وحمام الجلا وحمام السلطان وحمام المتوكل وحمام البونية وحمام القاعوحمام علي وحمام الأبهر، وهذه الحمامات القديمة والمشهورة غير الحمامات البخاريةالموجودة داخل بيوت وقصور أغنياء صنعاء.ويشير المهندس المعماري عبد الغني الشرفي حرص المعماريون الإسلاميون على أن تكون الحمامات فضاء جمالي تستريح إليه نفس من يدخله، إذ جعلوها كثيرةالأضواء، ومرتفعة السقوف، عذبة المياه، طيبة الرائحة، لأن أبخرة الحمامات رديئة وكثيرة، ومن مهمة هذه السقوف المرتفعة أن تعين على تخفيف حر أبخرتها.وعلى مستوى التخطيط المعماري الداخلي للحمامات في مدينة صنعاء القديمة يضيف المهندس حسين الحجازي أنه يتألف من ثلاث حجرات: باردة ودافئة وساخنة، فالباردة تطل على الفناء الخارجي، والدافئة تتوسط بين الباردة والساخنة، وماؤها أقل حرارة من الساخنة، أما الساخنة فهي التي يتم الاستحمام بها، وتعلوها قبة قليلة الارتفاع مثقوبة بعدة ثقوب، يكسوها زجاج ملون، من مهمته أن يضفي علىالحجرة جواً جمالياً مشعاً، لأن أشعة الشمس تنفذ منه، وتشع في الحجرة عاكسة ألوان الزجاج المختلفة، وكأن الماء الساخن يجري من القدور الساخنة إلى أحواض المياه الموجودة في الحجرة.وتحتوي الحجرة الدافئة في بعض الحمامات على حوضين مائيين، أما الساخنة ففيهاأربعة أحواض وجرن، ومغطس مفروش بالرخام.ويضيف أحد العاملين في أجمل حمامات صنعاء القديمة تحفة حمام الميدان أن الوظيفة الرئيسية للقباب المثقوبة بقتحات صغيرة تتمثل في توسيع مجال التنفس وتجديد الهواءالضروري، ومنح الحمام بعض الإضاءة.سونا وحمامات بخاريةكانت الحمامات العامة طريقة مميزة في الحياة لدى بعض الثقافات، غير أن السوناالفنلندية غيرت كل ذلك، إذ أثبتت أنها أقل كلفة وأسهل تجهيزاً وصيانة منحمامات البخار. ولم تكن النوادي الرياضية أو الفنادق بحاجة إلى تغييرات كبيرةلاقتناء عرفة سونا صغيرة واقتصادية.يقول محمد الحرازي عامل سونا: إن الحرارة المرتفعة هي الفارق الرئيسي بينالسونا وغرفة البخار التقليدية. فالسونا حارة وجافة، فالبخار الرطب وكأنه غيمة من الضباب الساخن، ولدى تشغيل السونا بشكل جيد، لا تزداد درجة الرطوبة في الغرفة فوق نسبة العشرة بالمئة.يقول الدكتور حسين المنصورطبيب بمستشفى التضامن: لكل من السونا وحمام البخار مزاته الخاصة، علماً أن كليهما يتمتعان بالتأثيرات نفسها على الجسم، إذ يتدفقالدم إلى سطح الجلد حاملاً الأوكسجين القوي والمواد المغذية، وتتفتح مسامالجلد، ويبدأ الجسم بالتعرق ساعياً لتبريد حرارته، ويضيف:" إن زيادة حرارةالجسم في صدفته الخارجية يؤدي إلى استرخاء العضلات، ويساعد على إزالة الموادالسامة من الجلد.غير أن أوجه التشابه بين السونا وحمام البخار تنتهي عند هذه النقطة.فالسونا كما يشير الدكتور أحمد الأهدل طبيب بمستشفى التضامن أشد حرارة بكثير من البخار.ولأن الهواء موصل سيء للحرارة، فأن حرارته تصل في غرفة السونا إلى /200/درجة فهرنهايت وأكثر حتى من درجة الغليان. ولكن في حمام البخار فأن مثل هذهالدرجة تؤدي إلى سلق المستحم، ولا يمكن أن تحدث.الأخ أحمد الجرموزي رجل أعمال يصف السونا بقوله إن من يذهب إلى حمام سون افنلندي أصلي سيجد داخله مرتباً حسب رفوف فرن منزلي، ويكون الرف السفلي للذين يودون أن يخبزوا على نار باردة نسبياً والرف الأعلى للذين يفضلون الحرارات المرتفعة، وهناك أخيراًرف ما بين الاثنين.ويضيف إن مدة بقائك في غرفة السونا تتباين وفق طاقتك وتجربتك، وتتراوح مابين ثلاث إلى خمس دقائق للمبتدئين وتصل حتى /15/ دقيقة للذين اعتادوها، وعلىأي حال، لا يتعين عليك ترك الغرفة قبل أن يبدأ العرق بالتصبب منك. حينهاتخرج لتأخذ حماماً برشاش من الماء البارد مستعيناً بليفة لفرك جسمك. وتعودبعدها ثانية إلى حجرة السونا لتخرج منها وتغطس مباشرة في بركة مياه باردةأو بالأحرى شبه مثلجة. وينصح الذين لم يتعودوا السونا من صغرهم أن يتفادوا الدش والبركة الباردتين والأفضل أن يستخدما المياه الفاترة.عالمية الظاهرةوعلى عكس السونا، تأتي حمامات البخار وفق أشكال مختلفة، تبعاً لأصولها وانتماءاتها القومية. حيث يحدثنا الأخ/ أحمد السعدي فلسطيني الأصل أنه أصبح من النادروجود الحمام التركي المعروف إلا في عدد بسيط من الدول العربية وفي أسطنبول تجد حماماً تركياً يعيد أمام ناظريك مشاهد العظمة الغابرة من خلال أعمدتهالفخمة وجدرانه المزخرفة، حيث يحيط بك الضباب فيها من كل جانب، وتسمع نقاطالماء التي تتساقط من السقف الرطب.وتوجد في بعض العواصم العربية حمامات مجهزة على الأسلوب التركي، لعل أهمهاعلى الإطلاق الحمامات البخارية في العاصمة السورية دمشق.كما أن هناك بعض الحمامات العربية أو التركية كما يغلب تسميتها في عدة عواصم أوربية، ومنها باريس، ولكن حسب قول الأخ/ جميل الصعوطي رجل أعمال من الأفضل أن تستعلم عنها جيداً قبل زيارتها، فقد تكون مكاناً لأسباب أخرى.أما الحمام الياباني حسب قوله غير منتشر كثيراً في اليابان، فهو يبدأ بالانتقاع في الماء الساخن ثم الحف بالصابون، وينتهي بالتدليك والاغتسال بالماء الساخن.وهناك أيضاً الحمام الروسي الذي انتشر هناك في أوئل القرن العشرين، وهو مكون من غرفتين الأولى ساخنة كحجرة السونا ويوجد في الثانية عامل يضع الصابونعلى جسم الزبون ويدلكه.وفي المقابل ترى الحمام الأمريكي كما أوضح الأخ أحمد الجرموزي أقل تفنناً وأكثر سلبية فهو كالسونا مجهز بمستويات عدة. وعند دخولك لا تجد سبيلاً لقضاء الوقت سوى الكلام والتسكع. إلا أن هذه في الواقع وسيلة لذيذة لتمضية أوقات الفراغ، إذ أنك لا تفعل شيئأ بينما تعتقد بأنك تفعل.يؤكد الدكتور حسين المنصور أن الحرارة الرطبة أفضل من الحرارة الجافة للعضلات التعبة حيث يسترخي الناس أكثر في محيط رطب. فالمفاصل والعضلات التعبة تستجيب بشكل أفضل للبخار، لأنه موصل جيد للحرارة. أما الحرارة الجافة (السونا) فأنها تسيء إلى العضلات التعبة.ويضيف الدكتور أمجد الشامي طبيب بالمستشفى الجمهوري إن حرارة البخار الرطبة مؤاتية بشكل خاص لذوي الجهاز التنفسي الحساس، إذ يسهل التنفس فيها على عكس حرارة السونا الجافة. ويتمتع البخار بأنه رطب جبد للشعر والجلد.أما الدكتور إبراهيم دوم طبيب بمستشفى النور التخصصي بالحديدة فيؤكد على الذين يمارسون السونا استعمال المستحضرات المرطبة للجلد والشعر لمعالجة الآثار السلبية التي يخلفها المحيط الجاف.ويضيف أن البخار أقل خطراً من السونا، أو أن التغير المفاجئ في حرارة الجسمفي السونا، قد يشكل نوعاً من الخطر، فالغطسة الباردة قد تصدم جهازنا العصبي،ولا يعرف المرء ما ستكون عليه ردة فعل جسمه. وهذا أمر غير صحي، وينصح بالانتقال التدريجي في سلم الحرارة.محاذير دخول الحمام البخاري والسوناويقول الدكتور إبراهيم دوم في الواقع ثمة تحذيرات تصلح لكل من حمامي البخار والسونا إذ يمنع العديدون من ممارستها كالمصابين بأمراض القلب أو بارتفاع ضغط الدم أو السكري.كما ينصح بعدم دخول الحمام الساخنة مباشرة بعد الأكل إذ أن انتقال الدم بعيداً عن الأعضاء الداخلية باتجاه الجلد، قد يؤثر علىعملية الهضم. ويجب أيضاً عدم دخول الحمام الساخن بعد فترة من التمرين الرياضي، ومن الأفضل أن تبرد جسمك لمدة نصف ساعة تقريباً.فالحرارة الإضافية قد تكون مزعجة للقلب. ومن المعروف أيضاً أن شرب الكحول ممنوع في الحمامات الساخنة.وينوه الدكتور حسين المنصور إلى أن فقدان المياه في الجسم خلال الحمام الساخن يبلغ ربع ليتر في الساعة، ولذلك يتعين على المستحمين شرب الكثير من الماءقبل الدخول إلى حمام البخار.وينصح بتناول عصير الطماطم والبرتقال والموز،إذ أن الجسم يخسر خلال فقدانه الماء بعضاً من البوتاسيوم ، كما ينصح المستحمبتغطية وجهه بمنشفة رطبة لدى دخوله السونا، فالجفاف يلحق الضرر ببشرة الوجه.الحمامات العامة البخارية بين التحليل والتحريموعلى الرغم من مهاجمة الفقهاء الإسلاميين المتشددين للحمام واعتباره فضاءًهاتكاً للأسرار ومفسداً لأخلاق النساء وكاشفاً للعورات فإنه يبقى في رأي بعض المؤرخين والباحثين فضاء لا غنى عنه في حياة المدينة الإسلامية، فهومن أهم اللذات الأربع في حياة المسلم قديماً.وقد سجلت بعض الأدبيات الإسلامية ما قيل في الحمامات من أوصاف وأشعار، نقتطف منها ما يأتي:" قيل للفضل الرقاشي صف الحمام. فقال: نعمّ البيت الحمام، يذهب القشاف، ويعقب النظافة، ويهضم الطعام، ويجلب المنام، وينفي الغضب، ويقضي الإرب".ويرى الكثير من العلماء تحريم الحمام على النساء واستكراهه للرجال، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخلن الحمام إلا بمئزر. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخرفلا يدخلن حليلته الحمام....".أما الفضل الرقاشي، بعد أن كان قد مدح الحمام ، كما أشير سابقاً، عاد وعده هتكاً للأسرار، وحارقاً كالنار، حين ذمه قائلاً:" بئس البيت الحمام، يهتك الأستار، ويؤلف الأقذار، ويحرق كالنار".