الملابس والحلي اليمنية ..حوارية السحر والجمال
إعداد/هبة حسن الصوفيبقدر ما تعبر الصناعات التقليدية عن هوية الشعوب وتعكس موروثها الحضاري والثقافي،وفلسفتها في التعاطي مع أنماط الحياة المختلفة بالقدر ذاته،تشكل مظهراً جمالياً تدعو أدق تفاصيله إلى الشعور بالفخر والسرور تارة والتأمل المصحوب بالدهشة تارة أخرى وعندما تحاول أن تتفحص المراجع والمصادر التاريخية لعل وعسى أن تجد فيها ما يلمح إلى أصل الحكاية وبدايتها.لكنك لن تجد أكثر مما يؤكد أن اليمنيين برعوا منذ آلاف السنين في كثير من الصناعات التقليدية بمنتجاتها النفيسة في العالمين القديم والحديث وساعد على ذيوع صيتها الكثير من العوامل ابتداءً بجودة صناعتها ودقة اتقانها وصولاً إلى التفنن في أساليب تصميمها وأشكالها وانتهاء بالمهارة المتناهية في اختيار ألوانها وخدماتها.وفي رحلة البحث عن أسرار صناعة الأزياء التقليدية في اليمن ايقاع متكامل وترتبط صناعة الملابس التقليدية بصناعة الحلي ارتباطاً وثيقاً لا يمكن فصل جانب من دون الإشارة إلى الآخر وتمثل العلاقة المتلازمة بين هذه المصنوعات علاقة أزلية تمكن الإنسان اليمني رجلاً أو امرأة من ربطها منذ القدم بإيقاع نمط حياته الاجتماعي حتى شكلت جزءاً لا يتجزأ من مظهره وعاداته وتقاليده وحياته الاجتماعية ومعتقداته الدينية.وتؤدي العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة في اليمن دوراً كبيراً في تحديد اللون أو الشكل أو الصنف،وبالرغم من تفاوت التقيد بما تفرضه العادات والتقاليد لهيئة الملبس فإن الكثير من المهتمين يعدون ذلك بمثابة الأصول ويجمعون في الوقت نفسه على أن تقيد السواد الأعظم بأصول المظهر بات أشبه بالنظام التقليدي لكل محافظة بل لكل فترة زمنية معينة...فالأزياء التقليدية تتنوع أيضاً في كل منطقة من مناطق اليمن تبعاً للمناسبات الاجتماعية المختلفة،الأمر الذي يعده المهتمون ثراءً حقيقياً تتمتع به البيئة اليمنية دون غيرها وتنوعها يأتي تبعاً للأقاليم الجغرافية،وتستخدم المواد الخام الطبيعية والمعرفة والخبرة بطرق الحياكة والغزل،بالإضافة إلى استخدام مجموعة متنوعة من المواد الأولية لصناعة المنسوجات وتلوينها حتى الحلي،وتستوحي الأشكال والزخارف والرسومات المستخدمة في تطريز الملابس والحلي من البيئة المحلية باستخدام طرق بدائية في حالة التطريز اليدوي والمكائن في حالة التطريز الآلي،وعادة ما تقتصر صناعة الملابس على إبداع المرأة،فيما تعتمد صناعة الحلي على تفنن ومهارة الرجل وفي كلا الحالتين يحاول الصانع الحصول على زخارف وأشكال هندسية وألوان منظمة تتميز بدقة هندسية وإبداع فني متكامل وتشير المصادر التاريخية إلى تنوع كبير للملابس والأزياء والحلي حول هذه التجزئة يرجع إلى الخصائص الأساسية والفنية للملبوسات اليمنية التقليدية تتعدد بتعدد الأقاليم الجغرافية غير أن التحول الاجتماعي من مجتمع زراعي بسيط إلى مجتمع حديث أدى إلى اختفاء الكثير من خصوصيات الأزياء اليمنية واندثار معظمها وجهل الكثيرين بأهميتها ومثلها الحلي...فأصبحت الآن هذه الأزياء والحلي ذات قيمة جمالية وسياحية تستخدم فقط لأغراض الذكرى والإهداء،فلا ضرورة لاستخدامها بقدر ما يقلل من كميات إنتاجها وفقدان الكثير من الخبرات المتفننة في صناعتها وجعل عملية الإقبال عليها تنحصر على عشاق التراث وهواة الطابع القديم من السياح العرب والأجانب،وهو ما رفع من قيمتها الجمالية والتراثية وأضحت من أنفس وأثمن المقتنيات...إن علاقة الإنسان اليمني بالملابس والحلي التقليدية تتجاوز كونها رواية شيقة تفصح عن حضارة من أقدم الحضارات الإنسانية عراقة في العالم وإبداع إنسان ماهر خطها قبل زمن ليصبح بمثابة حوارية رائعة يقول مطلعها (إن في جمال الموروث الحضاري والتاريخي اليمني الوافر سحراً حاضره المشرق).