شخصيات خالدة
إذا كان الفرنسيون يعتزون بتاريخهم، وقادتهم وبأن بلادهم وضعت اللبنة الأساسية لمفاهيم المساواة والحرية، فهم يفخرون كثيراً بأن القائد الفذ شارل ديجول كان فرنسيا.. نظراً لعطائه الكبير لمواطنيه وموطنه طيلة سنوات ممتدة من قبل الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1970م. ولد شارل أنديره جوزيف ماري ديجول في مدينة ليل في 22 نوفمبر 1890م لأب كان مدرساً للفلسفة ومحاضراً. ومنذ بداياته الأولى ظهر على ديجول الاهتمام بالقراءة المتعددة. وقد أحب هذا الشاب التاريخ وولع به وتولدت في داخله مفاهيم غامضة عن العمل في فرنسا. [c1]الكلية العسكرية [/c]تخرج ديجول في الكلية العسكرية بسانت سير عام 1912 والتحق بفرقة المشاة بالجيش الفرنسي وشارك بالحرب العالمية الأولى وأصيب أثناءها كما تعرض للأسر أثناء حرب فيردن في مارس 1916م. وخلال فترة سجنه كأسير حرب كتب أول مؤلفاته الذي نشر عام 1924م بعنوان [c1]«عصيان العدو» [/c]حمل ديجول على عاتقه مع زملائه عبء الكفاح والدفاع عن الأراضي الفرنسية ولم يكن هذا الكفاح بالسلاح، إنما بالكلمة، فقد توجه إلى لندن بعد الاجتياح الألماني لبلاده وهناك القى أول خطاب إذاعي إلى مؤيديه ومناصريه بالاستمرار في الكفاح وكانت لخطبه وحماسة ردود فعل قوية للغاية، إذ سرعان ما غدا ديجول رمزاً فريداً في المقاومة بكل معانيها من كلمة وسلاح وتجوال وزيارات.. الخ، وقد شكل قوة عسكرية بالمنفى وحاول استمالة كل من رئيس وزراء بريطانيا وينستون تشرشل لدعمه لكنه فشل حيث عامله بجفاء ولم يدعم مطلبه بتشكيل حكومة فرنسية في المنفى وذلك لاعتبارات سياسية ونفس الشيء واجهه مع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت الذي اعتقد في ديجول ديكتاتوراً محتملاً وعقبة أمام العلاقات الأمريكية مع نظام فيشى ومما زاد الطين بلة أن محكمة عسكرية فرنسية أصدرت حكماً بالإعدام على ديجول عام 1940م بتهمة الخيانة.[c1]فرنسا الحرة [/c]غير ان ديجول بدءاً من عام 1962 نجح كقائد فرنسي من خلال حركة فرنسا الحرة في كسب المزيد من القوة والنفوذ وفاز بثقة كثير من الضباط الفرنسين العاملين في غرب أفريقيا كما أقام علاقات قوية مع حركة المقاومة السرية في فرنسا نفسها.. وأخذ يكرر مطالبه ودعاواه التي تتركز على السماح للشعب الفرنسي بتقرير مصيره السياسي بعد التحرير وقد حظيت هذه الدعوة بتأييد العديد من القادة السياسيين السابقين. وتمكن ديجول عام 1944م من أن ينال اعترافاً واسع النطاق كزعيم سياسي لحركة المقاومة، وفي منتصف هذا العام حول لجنة الحرية الوطنية إلى حكومة مؤقتة لجمهورية فرنسا.. ودخل باريس في الخامس والعشرين من أغسطس 1944م كزعيم منتصر. أنجز ديجول كثيراً من الاصلاحات في فرنسا وحقق لها مكانة عالمية.. لقد كانت الأولوية عنده تدعيم مركز فرنسا ومكانتها من العالم، ولم ينس أن بلاده أُبعدت عن المشاركة في تسويات ما بعد الحرب العالمية الثانية وعن النادي النووي، فأعلن في سبتمبر 1959م أن فرنسا سوف تبني بمفردها قوتها الرادعة النووية وحقق ما يصبو له الفرنسيون. وتوفي ديجول في عام 1970م وقد حزن الفرنسيون والرأي العام العالمي على هذا القائد حزناً كبيراً فقد أعطى لبلاده وللعالم الكثير والكثير وترك بصمات واضحة على وجه التاريخ الحديث.