الواقع البيئي للمجتمع العربي وآثاره على الإنسان
فدى المصري / لبنان:إن البيئة قد أغنت الإنسان بالكثير من المعطيات البيئية المتنوعة انطلاقا ً من الموارد التي تتمتع بها وفقا ً للطبيعة النباتية والتضاريسية والمناخية التي تتمتع بها كل منطقة وفقا ً لخصائصها الجغرافية . والجدير بالذكر أن الإنسان هو أبن البيئة التي ولد فيها ؛ حيث أستطاع أن يتكيف مع خصائصها ومناخها وفقا ً لما تحتويه من كنوز دفينة وموارد مائية وطبيعية متنوعة وذلك بما يتناسب مع النشاط الاقتصادي المعتمد من قبله . إلا أن استغلاله العشوائي للموارد البيئة المتنوعة تحقيقاً لمآربه الاقتصادية المتنوعة قد ساهم بإحداث فجوات بيئية متنوعة مما أنتج عنه اختلال بالتوازن البيئي المحيط به .حيث أن التلوث البيئي الذي أحدثه الإنسان ينم عن سلوك فوضوي واستغلال جائر للموارد الطبيعية دون وعي أو إدراك لقدرة البيئة على التجديد الذاتي لعناصرها . فكان مستوى استغلاله أسرع بكثير من قدرة البيئة على التجديد لعناصرها؛ فسبب بذلك العديد من المتلوثات والانتهاكات غير المتوازنة،عدا عن النتائج السلبية المتعددة في الوسط الطبيعي المباشر للإنسان. إذا تناولنا الواقع البيئي في وطننا العربي نجد أن ثمة انتشار لملامح التلوث بمختلف أشكاله ضمن المنظومة البيئية النباتية والحيوانية والمائية والهوائية..... وذلك تبعا ًلعوامل وأسباب متنوعة ومتعددة تعود هذه العوامل إلى عوامل طبيعية وأخرى بشرية .إلا أن الأكثر تأثيرا ً في أحداث الفجوات تعود بالدرجة الأولى إلى دور الإنسان ونشاطه المتعدد عبر استغلاله الجائر لموارد بيئته بمختلف الأشكال والعناصر دون وعي أو أدراك لسلوكه العبثي تجاه الطبيعة.غير أننا هنا يمكن إيجاز العوامل الطبيعية المؤثرة بإحداث الخلل البيئي ؛ تقتصر على ما يلي :الفيضانات ، الجفاف السيول الزلازل ....... ولعل النشاط الزلزالي المحيط بالزنار للحوض البحر الأبيض المتوسط الذي ينشط من وقت لآخر وآخر نشاطاته ذلك الزلزال الذي وقع جنوب لبنان بقوة 3,5 درجات قد أحدث أضراراً بيئية متنوعة ، ويتوقع استمرار نشاطه من جديد في هذه المنطقة.[c1]تخريب المعالم الطبيعية أساسها الحروب[/c]غير أن رغم النشاطات الطبيعية وأضرارها البيئة لا تبلغ درجة التأثير البيئي مثل التأثير الذي يحدثه الإنسان ؛ إذ أن العامل البشري يبقى العامل الأقوى والأكثر تأثيرا ً من أي عوامل أخرى ،لأن طمع الإنسان وجشعه ليس له حدود .وأن تخلفه وجهله وعدم وعيه لما يؤديه من نشاطات اقتصادية ومعيشية مختلفة تساهم بتخريب معالم الطبيعة بطريقة مباشرة وغير مباشرة ، وما يؤديه من اندثار لأنواع عديدة من الكائنات الحية النباتية والحيوانية التي تساهم باختفاء العديد من السلاسل الغذائية وتخريب معالم الموائل الطبيعية لهذه الكائنات. فمثلا ً نجد أن الصيد الجائر للطيور الجارحة في منطقة البقاع اللبنانية قد تسبب بازدياد ضخم لأعداد الجرذان التي هاجمت المحاصيل الزراعية وأتلفت قسما ً مهما منها. ومن أبرز الأسباب الكامنة وراء تخريب معالم الطبيعة هي الحروب المتعددة ولا سيما الأسلحة الكيميائية التي أتلفت العديد من الموائل الطبيعة والجدير بالذكر هنا أن حرب تموز صيف 2006 ، ساهم بالتخريب الواسع لمعالم البيئة في جنوب لبنان مما كبد الجهود الواسعة لإعادة إحياء المنظومة البيئية هناك .عدا عن الحرائق ، النفايات ، طمر النفايات السامة في الأرض، الصيد العشوائي، الرعي الجائر ؛ التجارة الغير شرعية ...........إلا ما هنالك من عوامل مباشرة أو غير مباشرة يعكسها تخلف الإنسان وجهله.نجد أن ما يتعرض إليه وطننا العربي وخاصة في العراق وفلسطين ولبنان من أشكال الإرهاب المسلح ، والاعتداء على البشر والحجر ، قد أحدث فجوة بيئية خطيرة ، انعكست على الإنسان بصورة مباشرة . وما نرى من اعتداء فوضوي لموارد البيئة وعناصرها من قبل الإنسان ، نجد انتشار للملوثات بمختلف الأشكال والأحجام ضمن بنية البيئة وعناصرها ومواردها المختلفة ، كما أننا نجد عبر ما نلاحظه من انقراض للموارد البيئة النباتية والحيوانية بشكل عشوائي وفوضوي ليس سوى وليدة السلوك الفوضوي للإنسان الذي يستغل عناصر الطبيعة وما تحتويه من موارد فوق الأرض وتحت الأرض بشكل فاضح وعبثي ، وهذا الأمر ليس سوى انعكاس للأداء السلبي الذي يمارسه الإنسان في انتهاكه لقوى الطبيعة دون حسبان ودون أي إدراك لما تحدثه هذه السلوكيات العشوائية من إجرام بحق البيئة ومواردها. كما أننا لا نكتفي بهذا السلوك الإجرامي فقط بحق الطبيعة إنما الانتهاك طال أيضا ً الثروات الطبيعة للغطاء الأخضر من انتهاك للإحراج بالعدوان المسلح ، وما أثمر من حرق لعدد كبير منها ، وما أدى إلى تقلص البيئة الخضراء بسبب هذا الانتهاك السافر للأشجار ، عدا عن الاحتراق الذي يصيب الغابات من خلال إهمال الإنسان لها نتيجة سلوكه العبثي في طرح نفاياته عشوائيا ً فيها دون وعي ومراعاة لما تسببه هذه السلوكيات من نتائج وخيمة على الثروة الحرجية وتقلص مساحة البيئة الخضراء التي تشكل العنصر الأساسي لتجديد الهواء ، الذي يشكل مصدرا أساسيا للإنسان في بقائه على قيد الحياة لما يوفره من طاقة حيوية لتنفسه. [c1]تخريب معالم الثروة الحيوانية البحرية[/c]واللافت أيضا ً أن انتهاك الإنسان لموارد البيئة لم يقف عند هذا الحد إنما طال البيئة البحرية أيضا ً ، حيث استفاق الجنوبيون على حيوانات بحرية نافقة وهي السلاحف البحرية، يعود نفوقها إلى ابتلاعها مواد بلاستيكية ظنا ً منها أنها قناديل بحرية التي تشكل مصدر غذائيا أساسيا لها ؛ ويعود تمدد القناديل البحرية وزيادة أعدادها المطرد في الآونة الأخيرة إلى انخفاض أعداد السلاحف بسبب موتها خنقا ً نتيجة تراكم جبال النفايات المنزلية المتراكمة بفعل الإنسان بشكل قريب من الشواطئ البحرية فتعرضها إلى انجراف هذه النفايات بفعل عوامل الطبيعة إلى البحر وطرحا عارض الشواطئ التي تحملها الأمواج لقاع البحر مما سبب في تخريب معالم الثروة الحيوانية البحرية ونفوق عدد كبير من الأسماك أيضا ً التي تشكل موردا غذائيا هاما للصياديين. وإذا وجدنا نتائج هذه الممارسات الفوضوية وإن دلت على شيء فهي تدل على مدى غباء الإنسان وعبثية سلوكه العشوائي غير المتزن وما يسبب من تخريب معالم الثروة البيئية بمختلف جوانبها، ومما ينعكس سلبا ً على صحته بالدرجة الأولى، ومن ثم على مورده الاقتصادي الزراعي والصناعي بالدرجة الثانية ، ولا سيما على مورده السياحي بسبب ما تحققه البيئة من رؤية جمالية بسبب ما تحتوي من عناصر بيئية خضراء ومن جمال التشكيل الطبيعي وخاصة ما يرافق الطبيعة الخضراء بالمورد المائي الذي يشكل مصدر سياحي هام عبر إقامة المرافق السياحية الهامة على هذه الموارد الطبيعية. وعليه فإننا ما نلاحظه من انتشار واسع لظاهرة التصحر في وطننا العربي بشكل عام، الاحتباس الحراري ، الجزر الحرارية في المدن، ارتفاع الملوثات المائية والهوائية ، انتشار الأوبئة المرضية بين صفوف الأفراد ...... كل هذه النتائج السلبية قد نجمت من جراء ارتفاع معدل الحالة السمية في غذاء ومشرب الإنسان الناجم عن تلوث البيئة المحيطة به . من هنا لا بد من التنويه بأهمية ودور الإنسان في الحفاظ على بيئته وموارده؛ إلا أن الأمر هنا الذي يفرض نفسه ، هو كيف لنا أن نعالج هذا الواقع البيئي المهزوز من جراء الملوثات؟ وما هي متطلبات التنموية لتقويم عناصر البيئة ومعطياتها المختلفة؟ وما أبرز الطرق المناسبة للمحافظة على سلامة البيئة وعلى مواردها المتنوعة للأجيال القادمة انطلاقا ً من متطلبات التنمية البشرية المستدامة. ويجب أن ندرك هنا النتائج الكامنة عبر انتهاك البيئي المقصود والغير مقصود بسبب جهل الإنسان، وعدم وعيه لمصدر حياته وبقائه على قيد الحياة ، فهل نجد أن تنمية البيئة عبر تجديد عناصرها والمحافظة على ثرواتها ، من خلال معالجة الأسباب الكامنة لانتهاكها ، والقضاء على عوامل المسببة لانقراض عناصرها والحفاظ على مواردها للأجيال المقبلة ، وما تحققه من توفر الأمن الغذائي المرافق لهذه التنمية البيئة ، لهو واجب أو حق ؟