بعد أ ن قلب حياتهم رأسا على عقب
بغداد/14 أكتوبر/ دين ييتس: بعد مرور خمس سنوات على اجتياح القوات الأمريكية والبريطانية للعراق والإطاحة بالرئيس صدام حسين مازال كثير من العراقيين يتساءلون.. هل كان الأمر يستحق كل هذا العنف والاضطراب الذي قلب حياتهم رأسا على عقب؟ التكلفة البشرية مذهلة.. مقتل ما بين 90 ألفا ومليون مدني عراقي وفقا للتقديرات المختلفة ومقتل ما يقرب من 4000 جندي أمريكي ونزوح أربعة ملايين عراقي. هذا من الجانب المظلم. أما على الجانب المشرق فقد تخلص العراقيون من زعيم اعتبره البعض دكتاتورا من أشرس أباطرة القرن العشرين. وأجريت انتخابات حرة ووضع دستور جديد. وتحديد ما إذا كان الغزو يستحق التضحية أمر يتوقف في جانب منه على مذهب العراقي وعرقيته ومكان إقامته. فصدام كان سنيا واضطهد الغالبية الشيعية وكذلك الأكراد. ويمسك الشيعة الآن بزمام السلطة بينما أصبح العرب السنة الذين كانت لهم اليد الطولى يوما مهمشين. وفي بغداد التي كانت مركزا لحرب طائفية نشبت عامي 2006 و2007 ومزقت العراق أو كادت تمزقه.. يتوق الناس للأمان الذي كان سائدا في الشوارع في عهد صدام. أما في الجنوب الشيعي.. لم يعد الناس يخشون أتباع صدام وإنما الفصائل الشيعية التي تتنافس على النفوذ. وفي الشمال.. يزدهر اقتصاد كردستان التي تتمتع بقدر كبير من الحكم الذاتي في منطقة يسميها الأكراد «العراق الآخر». وزير الخارجية العراقي الكردي هوشيار زيباري يرى أن العراق يتحرك في الاتجاه الصحيح. وقال إن من يرون أن الغزو كان خطأ يجب أن يتذكروا ما كان يحدث في عهد صدام.، وأضاف زيباري أن ما يثبت أن معظم العراقيين أيدوا الإطاحة بصدام مشاركتهم في انتخابات 2005 . وقال «وحشية نظام صدام أحدثت تشوهات كثيرة في المجتمع لهذا يجب أن نتحلى بالصبر.»، وتابع «إذا قارننا تجربتنا بتجربة دول أخرى فإنني أعتقد أن حالتنا جيدة جدا. ولكن نعم.. الأمر كان مكلفا جدا جدا.» وقالت أم خالد وهي مصففة شعر عمرها 40 عاما تعمل في بغداد إن العنف عشوائي لدرجة أن المرء لا يعرف هل سيصبح هو نفسه الضحية القادمة.، وأضافت «لا.. لا.. لا. ما تحقق لم يكن ليستحق كل هذا. الذين يقولون إن الأمور تحسنت يكذبون.» ويتذكر كثير من العراقيين بوضوح الفوضى التي استمرت لشهور بعد الغزو في 20 مارس عام 2003 والتي يرمز إليها بإسقاط تمثال ضخم لصدام في وسط بغداد. تلك الحماسة المصحوبة بأحلام التمتع بحريات جديدة وآمال أن تحول الولايات المتحدة العراق إلى دولة خليجية غنية جديدة تحطمت مع انتفاضة العرب السنة على حكامهم الجدد وانفجارات السيارات الملغومة التي حولت الأسواق والمساجد إلى ساحات إعدام. في فبراير 2006 فجر متشددون يعتقد أنهم من تنظيم القاعدة مرقد الإمامين العسكريين في سامراء مما أطلق العنان لموجة من العنف الطائفي أسفرت عن سقوط العديد من القتلى سواء من السنة أو الشيعة. وقال أبو وسن (55 عاما) وهو عميد سابق بالجيش وعضو بارز في حزب البعث الذي تم حله «قبل 2003 كنا نعيش تحت نظام صارم. ما من أحد يمكنه أن ينكر هذا.. لكننا على الأقل لم نسمع أبدا عن جثث ملقاة وسط القمامة لمجرد أن أصحابها يحملون أسماء سنية أو شيعية.» انتهت أسوأ مراحل الاقتتال الطائفي ولو للفترة الحالية على الأقل. فالشرطة قبل عام واحد كانت تعثر على ما يصل إلى 50 جثة في شوارع بغداد يوميا. وانخفض ذلك العدد إلى ما دون العشرة فيما يرجع في جانب منه إلى نشر قوات أمريكية إضافية والمهادنات بين كثير من المقاتلين الشيعة والسنة.. كما أن التطهير العرقي في العديد من مناطق بغداد كان قد حدث بالفعل.، وتظهر أحدث بيانات جماعة (إيراك بدي كاونت) المعنية بإحصاء عدد الجثث بالعراق أن ما يصل إلى 89 ألف مدني قتلوا منذ عام 2003 وإن كانت الأبحاث التي أجرتها جماعة بريطانية رائدة في مجال الاستطلاعات تشير إلى مليون قتيل.، أما عدد القتلى بين الجنود الأمريكيين فبلغ 3975 قتيلا.، والإحصاءات الأخرى تعطي صورة لا تقل قتامة. فأرقام الأمم المتحدة تظهر أن أربعة ملايين عراقي يكافحون للحصول على ما يسد رمقهم في حين لا يجد سكان البلاد البالغ عددهم 27 مليون نسمة مياها نقية. وتقول نقابة الأطباء العراقيين إن ما يصل إلى 70 في المائة من الأطباء المتخصصين فروا إلى الخارج. ومع انهيار شبكة الكهرباء نتيجة سنوات الحرب والعقوبات يعيش الملايين في ظلام. ورغم أن العراق به ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم فإن قائدي السيارات يصطفون أمام محطات الوقود ربما لساعات. في مدينة كركوك التي تحوي كما ضخما من الاحتياطي النفطي قال عبد الله أحمد وهو قائد سيارة أجرة عمره 53 عاما «أقف في هذا الصف منذ الفجر حتى أملأ سيارتي... أي ديمقراطية هذه وأي رفاهية؟ حين سقط التمثال ظننا أننا سنعيش مثل دول الخليج.. لكن كانت هذه مجرد كلمات.» أما أحمد السبطي (39 عاما) الذي يملك مطعما للكباب في مدينة النجف الشيعية فيقول إن من يعبرون عن مثل هذه الآراء يغفلون حقيقة أنهم باتوا يتحدثون بحرية. وأضاف «من قبل.. لم يكن الموظفون يأكلون الكباب. أما الآن فإنني أعتمد في دخلي عليهم. مستوى المعيشة أصبح أفضل.» ويخشى بعض العراقيين أن يكون الغزو قد حرك قوى سياسية يمكن أن تؤدي إلى تقسيم العراق إلى مناطق شيعية وسنية وكردية وهو احتمال سيكون حتما دمويا وقد يمتد إلى بلدان مجاورة. لكن العراق لم يعد يمثل تهديدا لجيرانه. وهو أيضا واحد من الدول المعدودة في المنطقة التي تجري انتخابات حرة. ومن المتوقع إجراء انتخابات إقليمية ربما تعيد رسم الخريطة السياسية للعراق.