الذكرى التاسعة والخمسون لتقسيم فلسطين 1947م
تحل علينا ذكرى قرار تقسيم فلسطين في 29 / 11 / 1947م ، يوم قررت الأمم المتحدة إقامة دولتين ( عربية فلسطينية وأخرى يهودية ) حملها قرار التقسيم رقم 181 ، جاء هذا القرار عند اقتراب حكومة الانتداب البريطاني والتي دامت من عام 1922م حتى عام 1948م ، على انهاء انتدابها على فلسطين ، حيث كانت نصوص الانتداب تتضمن تنفيذ - وعد بلفور - بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين . لقد وعدت بريطانيا وأوفت ، فبالإضافة إلى ادخالها وعد بلفور في الانتداب ، فقد عمدت إلى تهيئة الظروف لتأسيس " وكالة يهودية " تكون حسب اللغة الرسمية التي استعملت ، معترفا بها بصفتها هيئة عامة لغرض ابداء المشورة وتقديم التعاون لهيئة الإدارة في فلسطين في أمور اقتصادية واجتماعية وغيرها مما قد يكون له أثره على توطين السكان اليهود في فلسطين ، ولغرض تسهيل هجرة اليهود اليها ولغرض ( الاستيطان ) ، عملت على استخدام اللغة العبرية بالإضافة إلى العربية والانجليزية كلغات رسمية . لقد وضع قانون حكومة الانتداب كل النصوص التي من شأنها تقديم كل العون والدعم للصهيونية على حساب حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.لقد كان المشروع الصهيوني حافلاً بالصراعات مع أهالي فلسطين ووجه بمقاومة الشعب الفلسطيني بالامكانيات التي كانت متاحة آنذاك ، ولكن تنفيذ المشروع كان في التحليل النهائي ناجح ، حيث أعلن في 15 آيار 1948م ، عن قيام دويلة الكيان الصهيوني ، فماذا كان بوسع الفلسطيني أن يفعل في ظل دعم بريطاني وانتداب بريطاني على فلسطين ؟ ماذا كان بوسعه أن يفعل والولايات المتحدة الأمريكية قد مدّت كل يد العون للصهاينة وزوّدتهم بالمال والسلاح وناصرتهم في هيئة الأمم المتحدة ؟ ماذا كان بوسع الفلسطيني أن يفعل والأنظمة العربية معظمها ترزح تحت نير الاستعمار البريطاني والفرنسي ولاتملك القرار المستقل ولا الجيوش ولا السلاح ؟ ماذا كان بوسع الفلسطيني ان يفعل أمام تفوق المهاجرين الصهاينة وامكانياتهم المالية والتسليحية ؟ نعم رفض الفلسطينيون قرار التقسيم كما رفضه العرب ، رفضته دول الجامعة العربية الحديثة الانشاء والتكوين في ذلك الوقت والتي تضم عدداً قليلاً من الدول العربية ، رفضوا القرار لأنه كان ظالما وجائرا ، حيث كانت خطة التقسيم تقوم على الخطة ذاتها التي قدمتها الحركة الصهيونية واعتمدتها الولايات المتحدة الأمريكية ووافقت عليها في آب (اغسطس) 1946م ، وحينها كان السكان اليهود يمثلون 31% ، وأعطيت لهم 55 %، من مساحة فلسطين الكلية بينما أعطى الفلسطينيين 45% ، ووفقاً لخطة التقسيم كانت حيفا ضمن الدولة الفلسطينية المقترحة مع أنها خارج الحدود ، أما القدس وبيت لحم فكانت حسب القرار من اختصاص هيئة الأمم المتحدة . ومن المؤسف ان الخيانة البريطانية بقيت مستمرة حتى اللحظات الأخيرة ، حيث قررت سحب قواتها من فلسطين وتسليم مسؤولية الاحتلال الى الأمم المتحدة في تموز 1948م ، ولكنها وفي اتفاقات سرية مع الصهاينة كانت قد حدّدث وقتاً آخر قبل هذا الموعد ، وانسحبت من فلسطين في شهر ابريل 1948م ، وسلمت فلسطين لليهود وتركت لهم السلاح والعتاد ، وتركت فلسطين في حال فوضى ، وتسلم اليهود كل المؤسسات ، وهنا تفجرت المواجهات بين الفلسطينيين واليهود وفي أبريل 1948م ، قامت عصابة الهاغاناه بشن عمليات واسعة في أرجاء فلسطين على الفلسطينيين ودارت عدة معارك ومنها كانت معركة ( القسطل ) التي استشهد فيها المناضل عبدالقادر الحسيني في 9 نيسان 1948م ، وفي نفس الوقت شنّت عصابة( شتيرن ) و( أرغون ) هجمات على دير ياسين ، وأبادت السكان وارتكبوا مجزرة ذهب ضحيتها 245 شهيداً . بدأ الضمير العربي يصحو ، وتحركت الجامعة العربية ، وأوصت جيوش الدول الأعضاء بالتدخل ، ولكنه جاء متأخراً ودون امكانيات تذكر . كان جيش الاحتلال قد وصل تعداده إلى 6000 جندي ، بالاضافة إلى العصابات ، الهاغاناه وشتيرن وأرغون وغيرها ، أما عدد الجيوش العربية فهو أقل من نصف ما اوصت به اللجنة الفنية المكلفة ، فكانت الهزيمة ، وضاعت فلسطين ، وأقامت اسرائيل كيانها المصطنع والذي اعترفت به الولايات المتحدة الامريكية بعد 11 دقيقة فقط من إعلانه ، فإذا كانت بريطانيا هي التي اعطت وعد بلفور ، وأوفت من خلاله انتدابها على فلسطين ، حتى أعلن الكيان الصهيوني على أرض فلسطين ، فأمريكا هي التي أخذت على عاتقها حماية ورعاية هذا الكيان واستمراريته ، ولهذا نجد كل الدعم الأمريكي والذي وصل مراراً إلى استخدام حق ( الفيتو ) في مجلس الأمن لعدم المس بهذا الكيان وادانته . نحن لانريد وفي الذكرى التاسعة والخمسين لقرار التقسيم إلا أن نفهم هذه الحقائق كعرب ، نعرف من الذي أوجد ( اسرائيل ) في قلب الوطن العربي ، ومن هو حاميها ، نعرف أنها جزء غريب في جسمنا العربي وملوّث ، ويلحق الضرر بنا جميعاً اذا ماجرى اجتثاثه قبل فوات الأوان .شعب فلسطين صمد وصبر وناضل وجاهد وقدم التضحيات الجسام في كل المراحل ومايزال وسيبقى من أجل أن يحقق أهدافه الوطنية في الحرية والاستقلال وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها ( القدس ) وعودة اللاجئين إلى ديارهم ، وهذا لن يتأتى بدون التضامن العربي الواسع واللامحدود ، تضامن عملي ، تضامن يأخذ اشكالاً مختلفة ، تضامن لا يخجل من الحديث عن المقاومة الشرعية للشعب الفلسطيني وحقه في ذلك ، تضامن لايخشى الضغوطات والتهديدات الخارجية ، تضامن يفك الحصار اليوم عن الشعب الفلسطيني ويوصل له الأموال والدواء والغذاء ، تضامن يوفر المسكن لمن هدمت بيوتهم ، تضامن يؤكد على الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني ويدعم وحدته الوطنية ويؤكد على أهمية وضرورة حكومة تجمع كل الفصائل الوطنية والمسلمة ، هذا التضامن نريده من أشقائنا العرب والمسلمين لأننا جزء منهم وهم جزء منّا .
