خطوات بريطانية فوق الرمال العربية
نجمي عبدالمجيدتاريخ رجال السياسة البريطانية ومهامهم في بلاد العرب لايقل من حيث الضرورة الموضوعية في معرفة المشروع البريطاني في الشرق الاوسط ، عن المراكز والنقاط التي عملت على تنفيذ هذا الفعل من داخل تركيبة المجتمع العربي . وهذا التاريخ له من المعلومات والوثائق والدراسات مايجعله جزءاً من مراحل التدخل الغربي في قضايا الشرق العربي ، وإدراك القدرة السياسية البريطانية في صناعة القرار وإلغاء فترات من تاريخ المنطقة وإعادة تشكيل المصائر وأحداثها .من تلك الشخصيات البريطانية التي لعبت أدوار عدة في الجزيرة العربية نقف أمام بعضاً منها لمعرفة هذا الجانب من تاريخ بريطانية في الجزيرة العربية .رجال ومهام في بلاد العرب الكابتن وليم هنري شكسبير : هو الضابط العسكري والدبلوماسي البريطاني ومن الشخصيات التي عرفت وأرتبط اسمها بالعرب منذ بداية الحرب العالمية الاولى "1914- 1918م" وكان ميلاده في البنجاب عام 1878م بالهند حيث كان أبوه يعمل موظفاً في حكومة الهند البريطانية ، ثم عاد الى إنجلترا وأكمل دراسته ، وفي عام 1898 تخرج ضابطاً وظل يخدم في الجيش البريطاني حتى عام 1913م ، وكان في عام 1904م قد عين مساعد ضابط سياسي وقنصلاً في بندر عباس وبعد ذلك عين مساعد للمقيم السياسي في الخليج العربي وكذلك شغل منصب قنصل في مسقط ومساعد للمقيم في حيدر أباد في عام 7091م ثم عمل قنصل ومساعد للمقيم السياسي في الخليج العربي عام 1908م ووكيلاً سياسياً في الكويت عام 1909م .ومن خلال أعماله في جزيرة العرب تعرف على الملك الراحل عبدالعزيز آل سعود قبل الحرب العالمية الاولى وزاره أكثر من مرة ، وظل في الكويت حتى بداية عام 1914م ورجع بعد ذلك الى بريطانيا وعند قيام الحرب الاولى طلب للخدمة مرة أخرى والذهاب الى منطقة الخليج العربي بمهمة خاصة وعاجلة والاتصال بالملك عبدالعزيز آل سعود ، وخلال وجوه وقعت معركة ( الجراب) بين ابن سعود وابن رشيد وقد أصر الكابتن شكسبير على حضورها على الرغم من الحاح إبن سعود بأن لايحضرها ، وقد قتل هذا الضابط البريطاني في تلك المعركة التي جرت بتاريخ 24 يناير عام 1915م وقد ترك عدة تقارير كتبها خلال مقابلاته الاولى مع الملك عبدالعزيز آل سعود قبل الحرب وبعدها .السر برسي كوكس : كان ميلاده في عام 1864م وتخرج من الكلية العسكرية وقد عمل في الهند والصومال ، ومن بعد شغل منصب المقيم السياسي والقنصل في مسقط سنة 1899م ومن هنا كانت بداية علاقته والتي امدت الى سنوات طويلة في الخليج العربي والعراق كما عمل قنصلاً عاماً في بوشهر ، وكان على علاقة جيدة مع الشيخ خزعل حاكم المحمرة والشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت "1896-1915م" وعبره تعرف على الملك عبدالعزيز آل سعود والذي أدرك أن سيكون له مكانة كبرى في جزيرة العرب وفي بداية عام 1914م شغل منصب سكرتير للشؤون الخارجية لحكومة الهند ورحل الى العراق مع الحملة البريطانية بصفة ضابط سياسي وفي عام 1915م أرسل الى الظهران وزيراً مفوضاً وبعد ذلك تم تعيينه مندوب سامي في العراق بعد إعلان الانتداب بتاريخ 24-ابريل 1920م ، وأصبح شخصية بريطانية معروفة في الخليج العربي والعراق توفي في عام 1937م .من وثائق لورانس العرب (مذكرة)كتبها الكرتل تي . تي . لورنسعنالقومية لدى رجال العشائر ( النشرة العربية 26 تشرين الثاني / نوفمبر 1916م )تقدم هذه الوثيقة وجهة نظر السياسة البريطانية في الجزيرة العربية ، وكيف كانت الرؤية لوضع التكوين العشائري والقبلي ، ومن خلالها نتعرف على أهمية دور رجال العمل السياسي والعسكري البريطاني في عملية إعادة قراءة القضايا والاحداث في بلاد العرب .المذكرة (بدا لي الرأي العشائري في الحجاز قومياً شديداً وأكثر تعقيداً مما يدل عليه مظهر رجال العشائر . هذه الافكار لم يكن الحصول عليها من الطبقة المثقفة في المدن ، لأن جدة ومكة ليستا عربيتين في تشكيلهما ، بل هما مجموعة من الجاويين والسودانيين والهنود والاتراك والبخاريين ولا تعاطف لهما مع المثل العربية ، وهما يعانيان شيئاً ما من قوة الشعور العربي ، الذي تحرر من الضغط التركي في وقت متأخر أكثر من اللازم ، بحيث يصبح مسيطراً عليه تماماً .ولدى محاولتي التوصل الى سبب هذا النمو المفاجئ في الشعور القومي قيل لي أن الدعاية الألمانية كانت عاملاً مساعداً مهما دعا الألمان الى الجهاد خلال الاشهر القليلة الاولى من الحرب ، حتى رأوا الفكرة قد فشلت ثم قفزوا فوراً الى قاعدة من القومية وحاولوا أن يوقظوا في الولايات الشعور العثماني الذي كان "على رأيهم" في حالة سبات .نادوا أن الألمان هم ألمان والبريطانيون بريطانيون ولذلك يجدر بالعثمانيين أن يكونوا عثمانيين وأن يؤكدوا وجودهم المنفصل باسم مبدأ القومية . إن القدر المقدر للأرمن كان الفهم العربي لهذا ولسائر التأثيرات .الغريزة " العربي يعتقد أنه أعلى من جميع الاجناس الاخرى" والمال والارشادات والمثل لأسرة الشريف حسين وجدت حليفاً غير متوقع في الدعاية التركية والمبدأ التركي الجديد والطوراني الجديد.مهما يكن الامر ، إن الشعور العربي في الحجاز يتراوح بين الوطنية التامة بين الشرفاء المثقفين الى التعصب العرقي للجهال ، أمر واحد أقتنعت به العشائر هو أنها صنعت حكومة عربية ، وبنتيجة ذلك أن كل عشيرة هي تلك الحكومة. إن المدن تتحسر على حالة الخمول المعوق المطمئن للحكومة العثمانية أو للهدوء المنتظم لحكمنا ، أما العشائر فتعلم أنها مستقلة وتريد أن تتمتع باستقلالها . إن هذا لايجلب الفوضى لأن الرابطة العائلية ونظام المسؤولية العشائرية ستتشددان ، لكنه عملياً يجلب غياب القوة المركزية في الشؤون الداخلية او ينفيها وقد تكون للشريف سيادته السياسية في الخارج - سوف يملكها - مادام رجال العشائر يستطيعون ضمانها . لكن شؤونهم الداخلية يجب أن يحسمها شيوخهم العشائريون :" هل تتولى دمشق حكم الحجاز ، أو نستطيع نحن أن نحكم الحجاز؟" قال أحد الشرفاء ، ومن الصعب القول أياً منها سيكون المشكلة الكبرى . لكن لم يسمحوا لهذا الامر أن يصبح محل التقدير :لأن فكرتهم عن القومية هي استقلال العشائر والدوائر الاقليمية وفكرتهم عن الوحدة القومية هي مقاومة عرضية مشتركة للمعتدي . إن السياسات البناءة والدولة المنظمة والامبراطورية الواسعة كلها غرائزهم . إنهم يحاربون ليقضوا علي إمبراطورية لا ليربحوها ، والوحدة الوحيدة الممكنة هي تلك التي يرغمون عليها بالنفوذ او السيطرة الاجنبية . مالم نقم نحن أو حلفاؤنا ، بصنع امبراطورية عربية فعالة فلن يكون هناك سوى مجموعة غير متناسقة من الادارات المحلية.إن الادعاء بأي حق أجنبي على هذا الوجه لتنظيم أمورهم هو أمر يرفضه العرب بشدة . " يسعدنا أن نكون أصدقاؤكم ، وإننا شاكرون جداً لما اعطيتمونا إياه ، لكن نرجوكم أن تتذكروا أننا لسنا رعايا بريطانيين ،إننا سنشعر بإرتياح أكثر إذا لم تكونوا حلفاء بدرجة أكثر من اللازم ". أراد فيصل أن يعني أن حساسية رجال العشائر العربية الاخرى لأي إقتراح من جانبنا في الشؤون الداخلية يعود لا إلى إنزعاج عقلاني بل الى الشعور بالضعف المادي والجسدي . إن مزاج حكومتهم سيكون لها مايشابه المقعد نوعاً ما حتى تقف على قدميها .بصفتي المفترضة كسوري أشرت إشارة عاطفية الى إعدامات جمال باشا للزعماء العرب في دمشق . والشرفاء وأولئك الذين هم علي علم بالتاريخ الحقيقي استفضعوا هذا العمل . وقال الآخرون :" لكن جمال باشا نشر وثائق تدل على أن هؤلاء الرجال باعوا وطنهم الى الفرنسيين والانجليز لو لم يعد مهم لكان واجبنا بصفتنا عرباً أن نعمل عمله هذا ".يبدو أن الشعور ينمو بشدة نحو الشمال كانت قبيلة حرب أقل حماسة من جهينة ، وجهينة أقل تعصباً من البلي. وأعتقد أن البلي يقفون بعيداً عن الشريف ، لا لأنهم يحبون التركي ، بل لأنهم يخشون أن الشريف معناه البريطانيون .أما التعصب الديني فقد وجدت له أثراً قليلاً فقط .فقد رفض الشريف بشدة اسباغ صفة دينية على ثورته . تعلم العشائر أن الاتراك مسلمون وتعتقد أن الألمان هم علي مايحتمل أصدقاء الاسلام الحقيقون وهي تعلم أننا مسيحيون ، وأننا أصدقاؤهم . وفي هذه الظروف لن يكون دينها ذا فائدة كبيرة لها ، وقد وضعته جانباً . " المسيحي يحارب المسيحي ، فلماذا يعمل المسلم الشيء نفسه ؟ إن مانريده هو حكومة تتكلم العربية وتتركنا نعيش بسلام فضلاً عن ذلك إننا نكره هؤلاء الاتراك ).مذكرات مستر همفرالجاسوس البريطاني في البلاد الاسلامية تعد مذكرات ضابط المخابرات البريطانية المسترهمفر ومن المصادر الهامة في معرفة الدور السياسي البريطاني في بلاد العرب .وبالرغم توسع نفوذ الامبراطورية البريطانية في ذلك الزمان علي العديد من دول العالم وحفاظاً على هذا الاتساع في المستعمرات كان من اللازم علي الانجليز العمل وفق هذه الرؤية :1- إبقاء السيطرة علي ماتم السيطرة عليه فعلاً .2- ضم ما لم تتم السيطرة عليه فعلاً الى المستعمرات البريطانية .ومن أجل هذا خصصت وزارة المستعمرات لكل قسم من أقسام هذه المناطق عدة لجان خاصة من أجل دراسة هذه المهمة ، وكان الضابط همفر على ثقة من دخوله تلك الوزارة وعهد إليه بمهمة ( شركة الهند الشرقية) والتي كانت مهمتها في الظاهر الاعمال التجارية وفي الباطن تهدف الى تقوية السيطرة على الهند وعلى طرقها التي توصل الى هذه الاراضي الواسعة في شبه القارة الهندية.غير إن ما كان يقلق بال الادارة البريطانية كما يشير همفر هي البلاد الاسلامية ، وكانت الدولة العثمانية تلفظ انفاسها الاخيرة وبالرغم من زرع الجواسيس والعملاء والرشوة وفساد الادارة قد نخر في جسم الدول الاسلامية إلاّ أن الانجليز لم يكونوا يثقوا بالنتائج لعدة أسباب وأهمها :1- قوة الاسلام في نفوس ابنائه كما يحدد همفر .. فإن الرجل المسلم يلقى قياده الى الاسلام بكل صلابة.2- إن الاسلام كان ذات يوم دين حياة وسيطرة ومن الصعب عليك أن تقول للسادة أنتم عبيد ، فإن نخوة السيادة تدفع بالانسان الى التعالي مهما كان في ضعف وإنحطاط .يقول همفر :( اوفدتني وزارة المستعمرات عام 0171م الى كل من مصر والعراق وطهران والحجاز والاستانة لأجمع المعلومات الكافية التي تعزز سبل تمزيقنا للمسلمين ونشر السيطرة علي بلاد الاسلام وبعث في الوقت نفسه تسعة آخرين من خيرة الموظفين لدى الوزارة ممن تكتمل فيهم الحيوية والنشاط والتحمس لسيطرة الحكومة الى سائر الاجزاء للامبراطورية وسائر بلاد المسلمين وقد زودتنا الوزارة بالمال الكافي ، والمعلومات اللازمة والخرائط الممكنة واسماء الحكام والعلماء ورؤساء القبائل ولم أنس كلمة السكرتير حين ودعنا باسم السيد المسيح وقال : إن علي نجاحكم يتوقف مستقبل بلادنا فابدوا ماعندكم من طاقات للنجاح .فأبحرت أنا ميمماً وجهة الاستانة مركز الخلافة الاسلامية وكانت مهمتي مزدوجة وحيث كان من المفروض أن أكمل تعلمي للغة التركية لغة المسلمين هناكفقد كنت تعلمت شيئاً كثيراً من ثلاث لغات في لندن اللغة التركية ، ولغة العرب - لغة القرآن- ، واللغة الفلهوية لغة أهل فارس لكن تعلم اللغة شيء والسيطرة على اللغة حتى يتمكن الانسان أن يتكلم مثل لغة أهل البلاد شيء آخر ، فبينما لايستغرق الاول إلاّ سنوات قلائل . يستغرق الأمر الثاني أضعاف ذلك الوقت فإن المفروض أن أتعلم اللغة بكافة دقائقها حتى لايثأر حولي شبهة .وبعد سفرة مضنية وصلت الى أستانة وسميت نفسي محمداً وأخذت أحضر المسجد مكان إجتماع المسلمين لعبادتهم ، وراقني النظام والنظافة والطاعة التي وجدتها عندهم وقلت في نفسي : لماذا نحارب نحن هؤلاء البشر ؟ ولماذا نعمل من أجل تمزيقهم وسلب نعمتهم ؟ هل أوصانا المسيح بذلك ؟ لكني رجعت فوراً وساتنفرت من هذا التفكير الشيطاني ، وجددت العزم علي أن أشرب الى آخر الكأس .لقد قدمت مذكرات همفر اخطر المعلومات حول تدمير العالم الاسلامي ومن الوثائق المهمة فيما ماعرفت السر الثانية التي نختار بعضاً منها .6- زرع الاديان والمذاهب المزيفة في جسم بلاد الاسلام واللازم لذلك تخطيط دقيق بحيث يلائم كل دين من تلك الاديان مع هوى جمع من أهل البلاد ( مثلاً ) اللازم زرع اربعة أديان في جسم بلاد الشيعة ، دين يوله الحسين بن علي ، ودين يعبد جعفر الصادق ودين يعبد المهدي الموعود .ودين يعبد علي الرضا ، والمكان المناسب للأول كربلاء والثاني اصفهان والثالث سامراء والرابع خراسان كما ان اللازم جعل المذاهب الاربعة السنية أدياناً مستقلة لا إرتباط بعضها ببعض وإعادة الخلافات الدموية بينها ، والدس في كتبها حتى يرى كل فئة منهم أنهم المسلمون فقط ، وأن ماعداهم كفار يجب قتلهم وإبادتهم .31- اشعال الحروب والثورات الداخلية والحدودية بين المسلمين وغير المسلمين وبين المسلمين انفسهم على طول الزمن لتستنفذ قوى المسلمين وتشغلهم عن التفكير في التقدم وتوحيد الصف ولتستنزف طاقاتهم الفكرية ومواردهم المالية وتفني شبابهم وذوي النشاط منهم وتنشر الفوضى والارباك والشغب فيهم .إن الارشيف البريطاني ومابه من وثائق متصلة بالعلاقات مع الدول العربية والاسلامية هو ذاكرة مهمة وخطيرة في تحديد ورسم الكثير من المسارات في هذا الجزء من العالم ، وكل معلومة نقف أمامها هي معرفة نحو الاتجاه ونظره للزوايا الخلفية والاقتراب من الايادي التي تلعب من خلف الستائر .