الفنان سالم بامدهف يستعيد ذكرياته:
تمنيت أن أكون ضمن (الكورس) المردد مع الفنان خليل محمد خليلالإحساس وحده متى ما كان صادقاً قد يؤدي إلى التأثير، وبالتالي الإثراء.. والحركة الفنية في وطني الغالي اليمن غنية وثرية، وذلك من خلال ما قدمه فنانو اليمن.. أما بالنسبة لي، فأنا اعتبر أن الفن رسالة، ويجب أن تكون هذه الرسالة صادقة.. ولا أعتقد أن ما قدمته كان كافياً لإثراء المكتبة اليمنية الغنائية أو مؤثراً في الحركة الفنية الشاملة، وإنما اعتقادي أن ما قدمته، وإن كان متواضعاً، إلا أنه جيد.. هذا رأيي في عطائي الغنائي.كورس مع الفنان خليلالبداية كان في إفتتاح إذاعة عدن في عام 1954م.. والحقيقة أنه عند إفتتاح الإذاعة كنت بعيداً عنها، بمعنى أنني كنت تلميذاً في ذلك الوقت.. وكنت من متتبعي ما تبثه الإذاعة، ولقد شدني في حينذاك غناء استاذنا الكبير (خليل محمد خليل) ولا أخفي عليكم أنني كلما سمعت غناء للأستاذ خليل تمنيت أن أكون أحد أفراد (الكورس) الذي يردد خلفه مقاطع أغانيه.. كانت هذه أمنية وقد تحققت فيما بعد عندما أصبحت مشاركاً في تقديم بعض العطاء الغنائي على مسرح الإذاعة.زمان.. واليوممن الصعب جداً أن نقارن ذلك الزمان الجميل للعطاء الفني العظيم الذي اتسم بالحب والوفاء والإخلاص والإبداع الفكري والموسيقي والغنائي، في الوقت الحاضر.. ذاك زمن واليوم زمن اخر.. ولا أعتقد أن هناك تواصلاً أبداً!!لقد كنا مجموعة هدفها الرسالة الفنية والحب لهذا الجمال.. عطاء الأمس صادق وفيه لمسات الإبداع الفكري والموسيقي.. لم يكن يوجد في ذلك الوقت الحسد والحقد الذي نلمسها اليوم، أو التفكير التجاري.. لقد قدمنا عطاء صادقاً، وحتى المشاركة الفنية لم نكن نفكر في أحد مقابل لها لإن إحساسنا كان يتدفق في الفن حباً وعشقاً!!لك أن تتصور مجموعتنا التي كانت تضم الأديب والشاعر والفنان والملحن والناقد وغيرهم، وأن يكتب ذلك ويلحن هذا.. ولك أن تتصور الإستديوهات في ذلك الوقت.. إستديو عبارة عن (علبة) صغيرة.. لا تكييف هواء أو إمكانيات تسجيل كالتي نراهما اليوم، لك أن تتصور ذلك وأن تتمعن في أفكار العاملين في هذا المجال آنذاك وحبهم وتفانيهم لتقديم العمل الفني.. لا شك أن الفرق كبير عما نراه اليوم ليس فقط في الإمكانيات والإستديوهات، بل أيضاً في تفكير العطاء والعمل الإبداعي!!شعراء غنيت لهميأتي في المقدمة طبعاً الدكتور محمد عبده غانم الذي غنيت له الكثير من القصائد.. وأحمد شريف الرفاعي الذي غنيت له: لوحدي كنت أنا ساهر و/ فكرت يوم أنساك.. والشاعر الرائع لطفي جعفر أمان غنيت له (نجوى الليل) و (من جمالك) والشاعر الكبير محمد سعيد جرادة غنيت له (ربيع الجمال) والشاعر الكبير الأستاذ عبد المجيد الأصنج الذي عنيت له رائعته المتميزة (تغيبت يا ناظري).وهناك ملاحظة أود قولها حول ما قرأته بأن لطفي أمان قد لحن بعض الأغاني.. لطفي أمان كان لديه الحس الفني الموسيقي بحيث أنه عندما كان يطلع الفنان على الكلمات التي كتبها، يلقيها بتلك النغمة التي تميز بها.. فقد كان يجيد الإلقاء، وكانت تصل الكلمات إلى موقع القلب وكأنها نغماً، لكن أن تكون هذه الكلمات ملحنة بالطبع لا، فالفقيد لا يعرف التلحين أبداً، بل حاول التعلم على العزف ولم يجد ذلك!!ومن ينسب للطفي لحناً أو قال أنه لحن، فأنني أكذب ذلك، وأنا أعرفه تماماً.. ولو كان لطفي لحن أغنية أو مجموعة من الأغنيات لكان حرص على أن يكون اسمه في كل عمل يقدمه، أما أن يتجاهل ذلك وهو الذي قادر في ذلك الوقت على نشره وبثه فهذا ما لم يكن أبداً.. ومن نسب هذا القول لفقيدنا فقد أساءله أكثر مما أفاده.. فالفقيد ظل شاعراً مبدعاً وهو ينظم الكلمات بإيقاعاتها الموسيقية..أعود مرة أخرى وأقول بأن ما ذكر عن لطفي غير صحيح في مجال التلحين!!بدايتي كملحنكانت بداياتي مردداً لأغاني الموسيقار محمد عبد الوهاب والموسيقار فريد الأطرش والسيدة أم كلثوم أرددها على مسامع أعضاء الندوة الموسيقية، بعدها طلب مني الشاعر الدكتور محمد عبده غانم/ الذي كان يدرك جيداً معنى كل كلمة يقولها/ أن أبدأ بتجربة التلحين، فعلاً كتب لي قصيدة (يا زين المحيا) وظلت هذه القصيدة فترة من الوقت وهي بحوزتي دون أن أقوم بأي عمل فيها.. وعندما أحس الدكتور غانم بذلك قال لي: هل جو الندوة يهيبك؟.. إذا كان كذلك إذن عليك أما أن تذهب إلى شاطئ البحر ستجد هناك الجو الشاعري والموسيقي، أو أنك تأتي إلى منزلي وسوف تجد الذي يساعدك على تلحين القصيدة..أخذت برأي الدكتور غانم وكملت المشاق بسببه حيث كنت أحمل عودي مشياً على الأقدام من شارع (الشريف) بحافة العيدروس إلى منزل الدكتور غانم في (الرزميت) وكنت أعود إلى منزلي أيضاً مشياً على الأقدام وقد تجاوزت الساعة الثانية والثالثة صباحاً.. واستطعت فيما بعد أن الحن أول قصيدة (يازين المحيا) والقصيدة بدأت في التلحين وجاءت شهرتي لتتسع أكثر في أغنية (قولوا له) التي كانت تذاع في السينما قبل عرض الفيلم.. وهذا يعني أنني خضت هذه التجربة بنجاح.رسائل مرشد ناجيكان هناك في الساحة اليمنية الفنان والأستاذ خليل محمد خليل، ثم أتيت بعده.. وأذكر بأن الفنان محمد مرشد ناجي أتى فيما بعد/ وقبل أن ينضم إلى الندوة كان يكتب لي رسائل بخط يده يشيد بما قدمته ويطلب مني النصوص الغنائية.. في تلك الفترة كنت نشيطاً جداً وكنت أرد على كل الرسائل التي تصلني، وفعلاً كنت أرسل لمرشد ناجي النصوص الغنائية.. وقد غنى فيما بعد (يازين المحيا) و (تغيبت يا ناظري) وحقق نجاحاً ملحوظاً في أدائهما.لليمن حبيلقد قدمت لوطني الكثير من الإبداع والعطاء سواء وأنا أعيش فيه أو بعيداً عنه (جسداً فقط) من أعمال غنائية وموسيقية وأعمال إبداعية أخرى ساهمت بها في إثراء المكتبة الإذاعية والتلفزيونية وغير ذلك من البرامج الإعلامية.. كل هذا لا يمكن أن اسميه عملاً كبيراً فأنا أرى نفسي مقصراً كثيراً.. فالوطن يجب أن نقدم له كل ما يملك ومهما قدمنا لا يمكن أن نكون قد أوفينا لليمن حقها..إنني أعيش في المهجر.. نعم.. ولكن أسألوني إن قلبي وفكري لأجيبكم بدمي ودموعي وأشواقي!!