لم يكن سهلا علي تلك الدموع البريئة التي سالت على خديه.. و لم يكن هينا ذلك المشهد المؤلم لذلك الرجل الذي لم تقو رجلاه على حمله فهوى على الارض جالسا من شدة قهره وألمه وحسرته لفقدان آخر خيوط الأمل في الحصول على بقعة أرض. لا نقول منزلا يأويه وأسرته من غدر الزمان بل قطعة أرض صغيرة يحاول بناءها قليلا قليلا ، فبالرغم من قلة امكانياته وعدم قدرته على بناء منزل الا أنه كان يمتلك قلبا مفعما بروح الامل المتجدد فحاول وحاول الى أن أنهارت قواه فقد أضاعوا جهده وعرقلوا اجراءاته حتى صدموه بقولهم له أنه تم ايقاف صرف الاراضي للبناء لامثاله .وها هي تلك الصبية تبكي وتبكي وتنهار على مرأى ومسمع من الجميع في مشهد دراماتيكي مهول فقد جدد الامل قلبها بفكرة اللجؤ الى المحافظ لاستخراج قطعة أرض من ضمن استحقاقات والدها الذي عمل مع الدولة لسنوات طويلة ولا سيما أنه من أبنائها وعاش فيها هو وأسرته دون أن يمتلك منزلا فيها . وقد وجدت تلك الصبية في أوراق والدها ما يثبت أحقيته في صرف بقعة أرض ، فلملمت أوراقها وكل تلك الوثائق وحملت ملفها من ادارة الى أخرى دون كلل أو ملل وحاولت الى أن استجابت لها ادراة المحافظة التي أصدرت توجيهاتها لمصلحة أراضي وعقارات الدولة بصرف بقعة أرض لاسرتها وبكل فرح وأمل طارت الصغيرة بتوجيهات المحافظ الى تلك الادارة فسلمت ملفها بكل ثقة لهم ، لكن كانت الفاجعة وقعت حين ذهبت مساعيها أدراج الرياح لانهم وبكل بساطة تعمدوا إضاعة ملفها وكل ما يحويه من وثائق حاولت استرجاعه منهم لكنهم أصروا على أنه غير موجود عندهم ولم يمض على تسليمه سوى يومين . لم أزل أحتفظ بهذه المشاهد بالرغم من أنني كنت لاأزال طفلة في ذلك العهد الذي ليس ببعيد في منتصف التسعينات من القرن الماضي ولازال هناك حتى الآن كثيرمن هذه القصص لازلت أصادفها ، فتلك المرأة المسنة التي ظلت تصرخ وتسأل الله أن ينتقم لها من هؤلاء الذين أتعبوها ذهابا وايابا ، وهذا آخر يشتكي من طول الاجراءات وعرقلتها وهكذا دواليك.ليست هذه سوى فصول واقعية من فصول الحياة العامة التي أثقلت حساباتها كاهل الفرد في المجتمع الذي توجد فيه مثل هذه الاختلالات الادارية .نعلم جيدا أن هناك فسادا ماليا واداريا في أغلب الادارت والمؤسسات سواء العامة أو الخاصة في بعض الاحيان ــ مهما أختلفت أساليبه وأنواعه ــ بدءا من أصغر الادارات وانتهاء بأكبرها ، ولا يخفى على أحد أن هذا الفساد يسبب الكثير من المشكلات سواء للأفراد أو للمسؤولين وفي مقدمتهم ولي الامر سيادة الرئيس الذي تقع على عاتقه قيادة كل هذه الجهات . نحن نسمع الكثير من الاحاديث والشعارات التي تؤكد على التوجه لمحاربة الفساد المالي والاداري ، و نرى أنه من الضرورة بمكان التطرق للحديث عن المركزية واللامركزية ودورها في تعزيز النظام ومكافحة الفساد في كل منطقة ومدينة ، فحين تكون هناك صلاحيات كافية في تطبيق الحكم المحلي اللامركزي سواء كان اداريا أو ماليا ، ستهون الصعاب التي تعترض طريق التخلص من الاختلالات المالية والادارية في الدوائر التي تعاني من الفساد والعبث بأموال الدولة والمواطنين .في حين تتعقد الامور عندما تتركز السلطة والصلاحيات في المراكز. فمثلا اذا أراد طالب أن يتوظف في احدى الادارات الخاضعة للمركزية ، سيطلب منه بالتأكيد المتابعة من ذات الادارة ذات الاختصاص في حين لا تتوافر الامكانات لهذا الطالب لمتابعة أوراقه ، هذا بالاضافة الى العراقيل التي ستقف في طريقه في المركز بسبب الفساد .وانطلاقا من البرنامج الانتخابي للسيد الرئيس الذي وعد ضمن برنامجه بتوسيع صلاحيات الحكم المحلي وبتحقيق المزيد من اللا مركزية الادارية والمالية وقد شهدنا تحقيق خطوات في هذا المجال وان كانت لا تلبي الاحتياجات في تسريع عجلة التنمية وتحسين أداء الحكم المحلي وتوسيع ممارسة الديمقراطية والتخلص من الفساد والمفسدين.لا يفوتني في هذاالجانب الاشارة الى جهود السيد الرئيس للاصلاح المالي والاداري والتي بدت واضحة هنا في عدن حين قام بتعيين الرجل المناسب في المكان المناسب ، أمثال الاستاذ الدكتور/ يحيى الشعيبي ومن بعده الاستاذ الكحلاني وفي مؤسستي الصحفية الاستاذ القدير/ أحمد الحبيشي ، لانهم بالفعل لا بالقول أحدثوا تغييرات كبيرة في اداراتهم وبذلوا كل جهودهم للنهوض بها وتطويرها وبذلوا وما زالوا يبذلون جهودا جسورة لمحاربة الفساد والفاسدين .ان نجاح السيد الرئيس في ذلك هو نجاح لبرنامجه الانتخابي ولكن ما يحصل الآن هو التفاف حول هذه الانجازات ومحاولة عرقلتها فليس في ليلة وضحاها ستتغير الاوضاع وليس من السهل تجفيف منابع الفساد والمفسدين الذين يقاومون بقوة وبأساليب خبيثة كل الجهود التي تستهدف محاربة الفساد وتجفيف منابعه وحماية المال العام . يبقى القول الفساد موجود في كل مكان في أغلب دول العالم ، ولن ينتهي الا اذا بدأ الفرد بنفسه في أصغرالادارات . ولذلك فإن التخلص من الفساد يحتاج لوقفة جادة من الجميع مواطنين كانوا أو مسؤولين ، ليعم الاستقرار والامن والعدالة والقانون ولتدور عجلة التطور والتنمية من أجل مجتمع سليم .
أخبار متعلقة