أفكار
على أي نحو جاء قرار قضاة المحكمة الجنائية الدولية، فإن خطوط التعامل معه باتت واضحة ومحددة، سواء على المستوى الوطني السوداني أو على المستوى الإفريقي والعربي والإسلامي.. الوطن السوداني سيقابل القرار بصف متراص وجبهة صلبة متمسكة بسيادة بلادها، ورافضة للتدخل الخارجي ولظلم النظام الدولي الآحادي الجائر.. والقارة الإفريقية بعد قمة أديس أبابا مطلع هذا الشهر حزمت أمرها رفضاً لأي قرار بتوقيف رئيس أكبر دولها، واستعداداً لاتخاذ خطوات أخرى قد تصل إلى سحب الدول الإفريقية الأعضاء في نظام المحكمة الجنائية الدولية اعترافها بالمحكمة. أما الدول العربية والإسلامية فقد سارت على ذات النهج ومازالت توالي جهودها من أجل منع صدور القرار أو إبطال مفعوله حال صدوره.. بل أن اغلب دول العالم المتحررة من قبضة الهيمنة الأمريكية الأوربية ترى في إصرار المحكمة الجنائية ومدعيها العام على مواصلة الإجراءات الخاصة بطلب التوقيف، مسلكاً مريباً يكشف عن أجندة سياسية بحتة معادية للسودان وشعبه ومصادمة لأسس وقواعد العدل والإنصاف.لقد نشأ هذا الوضع من تخبط منظمة الأمم المتحدة ومجلس أمنها في التعامل مع قضية دارفور، ومن الاستغلال البشع لهذه القضية من أجل تمرير المخططات التآمرية لبعض دول الغرب في المنطقة.. وبدلاً من أن يمارس مجلس الأمن الدولي مسؤولياته في استعادة السلم والأمن في دارفور، اتجه إلى استهداف أحد طرفي النزاع، وهو حكومة السودان.. ولم تكلف القوى النافذة في المجلس أنفسها بذل المساعي من أجل تثبيت اتفاق السلام المبرم بشأن دارفور ورعاية المصالحة في الإقليم، بل تعمدت القفز فوق المراحل باستصدار قرار إحالة قضية دارفور إلى محكمة الجنايات الدولية، وما نتج عن تلك الإحالة التعسفية من إجراءات مدعي المحكمة ضد السودان ورئيسه.الآن، عادت القضية مجدداً إلى مجلس الأمن وليس أمام المجلس، إذا أراد أن يعيد للمنظمة الدولية شيئاً من مصداقيتها المهدرة، إلا الاستجابة الفورية لمطلب مجتمع الدول الإفريقية والعربية والإسلامية ودول عدم الانحياز والدول المنحازة إلى الحق والعدل، وهم الأغلبية في الجمعية العامة، بتأجيل أية إجراءات بحق الرئيس السوداني، وذلك لإفساح المجال للجهود السلمية التي تشهد العاصمة القطرية الدوحة اليوم خطوة مهمة من خطواتها.وإذا لم يفعل مجلس الأمن هذا يكون قد دق الأسفين الأخير في العلاقة بين شعوب إفريقيا وآسيا وشعوب العالم المحبة للسلام، وبين منظمة الأمم المتحدة التي يوشك دهاقنة الاستعمار والهيمنة على إفراغها من محتواها كموئل لبسط السلام والأمن الدوليين. [c1]*صحيفة (الخرطوم) السودانية [/c]