الوحدة والانفصال في جوهرهما مشاريع سياسية وليستا قدَرًا ثابتًا أو حالة أبدية. هما خيارات تُصاغ وتُدار ضمن موازين قوى، ومصالح، وظروف تاريخية واقتصادية واجتماعية. نجاح كل منهما يتطلب نضوج الظروف الموضوعية والذاتية. فالوحدة نجاحها يبنى على إرادة شعبية حقيقية لا على القهر. تقوم على العدالة والمواطنة المتساوية، والخروج من ظاهرة الصراع على السلطة لإرساء مبدأ التبادل السلمي للسلطة وصون الثروة. أي أن تتحول من شعار عاطفي إلى عقد سياسي واضح. والانفصال يظهر عندما:
تفشل الدولة في إدارة التنوع.
تُغلق أبواب الإصلاح وتُقمع المطالب المشروعة.
يُستثمر الشعور بالظلم سياسيًا لصناعة كيان جديد.
الخطر ليس في الوحدة ولا في الانفصال بحد ذاتهما، بل في تحويلهما إلى أدوات نخبوية تُستخدم لشرعنة الهيمنة أو الهروب من الفشل.
وفي النهاية، لا الوحدة مقدسة إن كانت ظالمة، ولا الانفصال حلّ إن كان يعيد إنتاج الاستبداد باسم جديد. وبالتالي، فالوحدة والانفصال هما مشاريع سياسية، تنضج في ظروف موضوعية وذاتية.
الظروف الموضوعية هي الواقع المادي والمؤسسي (الوضع الاقتصادي، التوازنات الاجتماعية والفئوية، بنية الدولة، تحالفات القوى داخل البلد وخارجه).
والظروف الذاتية تنضج بوجود فاعلين سياسيين (قيادة واضحة، تنظيم فعال، برنامج مقنع، وعي جماهيري واستعداد للتضحية والتنفيذ). ومن الصعب جدا فرض كليهما بالعنف والهيمنة، لأن العنف يمكن أن يفرض أمرا واقعا موقتا، لأنه غير مبني على أسس النضوج، فهو كمن يزرع بذرة في أرض غير صالحة لزراعتها وبيئة لا تساهم في نموها لتثمر.
والمؤسف أننا حاولنا فرض الوحدة بالقوة، واليوم نحاول فرض الانفصال بالقوة، فلا استطعنا إصلاح أرضية صالحة لاستمرار الوحدة، ولم نستطع تسوية أرضية حقيقية لاستعادة دولة ما قبل الوحدة. أي لم نمنح مشروع الوحدة فرصة واقعية للنجاح، باستحواذ طرف على مقدرات الوحدة ومنها احتكار السلطة، مما أعاق تطور مبدأ الديمقراطية، وعدم السماح لتنافس حقيقي للأحزاب السياسية التي لم تكن في مستوى الحدث، فكانت مصنعا للأزمات التي أعاقت نضوج الواقع، وسهلت احتكار السلطة والثروة، مما ساهم في إحداث أزمات اقتصادية وإغلاق أي مجال لتغيير حقيقي وتحول منشود. وهكذا، يتكرر المشهد في الانفصال، مما عطل الظرف الذاتي الناضج، القادر على تحويل الفرص إلى سياسات وممارسات قابلة للتطبيق.
بدون قيادة وتنظيم جيدين، تضيع الفرصة.
لا يوجد أمامنا اليوم غير خطوات عملية للمضي قدماً. تقييم موضوعي: تحليل اقتصادي واجتماعي وسياسي محدد (مَنْ تأثر؟ وكيف؟ ما الموارد المتاحة؟)، لكي نحدث تغيرا حقيقيا يحقق لنا مشروعنا السياسي سواء كان دولة اتحادية أو دولتين جارتين تحقق استقرارا وسلاما في المنطقة.
