لم تنطق ببنت شفة عن جرائم القتل، والتنكيل، والتشريد، والمطاردة، والاعتقالات التي طالت أبناء الجنوب.
لم تنطق ببنت شفة عما تعرض له أبناء الجنوب العربي من تسريح جماعي من أعمالهم ووظائفهم في الجهازين المدني والعسكري، ومن المؤسسات السياسية ومواقع القرار.
لم تنطق ببنت شفة عن سياسة الإقصاء والتهميش، والتعامل مع أبناء الجنوب وكأنهم كتلة بشرية طارئة غير مرغوب بها في وطنها.
لم تنطق ببنت شفة عندما تعرض أبناء الجنوب العربي لحملات التكفير والإخراج من الدين والملّة.
لم تنطق ببنت شفة عند نهب أراضي أبناء الجنوب، وثرواتهم من نفط وذهب، وإيرادات دولتهم، وتحويلهم إلى شعبٍ يعاني الفقر المدقع ويأس العيش الكريم.
لم تنطق ببنت شفة حين كانت فرص التوظيف، والمنح الدراسية الخارجية، والعمل في السفارات والوزارات والمؤسسات السيادية والاقتصادية، حكرًا على الشماليين دون غيرهم.
لم تنطق ببنت شفة عندما استحوذ الشماليون على المناصب والسلطات داخل محافظات الجنوب العربي، حتى وصلت إلى مستوى توليهم لمناصب عقال الحارات (عقال الحويف)، ومأموري المديريات والمحافظين.
لم تنطق ببنت شفة عندما نشر الدكتور صالح باصرة تقريره الشهير حول جزء يسير من عمليات النهب والسلب لمنشآت الدولة الجنوبية، وأراضي وعقارات عدن وحدها، ناهيك عن بقية محافظات الجنوب العربي.
فأي حياء أو قيم تتحلّى به هذه النخب الشمالية اليوم، وهي تتحدث عن وحدة وهمية لا وجود لها إلا على الورق وألسنتهم فقط؟ فلا دولة تسمى (الجمهورية اليمنية) قائمة أصلًا اليوم حتى يتحدث عن وحدة في إطارها، أم أن الوحدة التي يقصدونها هي الوحدة مع «مملكة الحوثي الزيدية»، كما يهوى ذلك نائب وزير الخارجية مصطفى نعمان وسياسيو الغفلة من الشماليين؟
عن أي وحدة تتحدثون وأنتم لم تقاوموا الحوثي، ولم تطلقوا رصاصة واحدة في مواجهة حقيقية معه، بل تخادمتم مع الحوثي وتركتم له أسلحتكم، وسلّمتم معسكراتكم ومقدّراتكم العسكرية كاملة لدعم دولته الكهنوتية؟!
عن أي وحدة تتكلمون لجمهورية غير موجودة واقعًا، وأنتم من تركتم منازلكم لمن تصفونهم بــ«الإخوة الحوثيين»، وحرمتم قتال الحوثي، حتى لا تتضرر عاصمتكم صنعاء، حد قولكم، بينما هو يستلقي على أسرتكم ويتغطى بألحفتكم؟
لماذا صمت علماؤكم ومشايخكم عن إصدار أي فتوى شرعية لمواجهة الحوثي وتجريم أفعاله، بينما أصدروا الفتاوى بسخاء وكراهية مقيتة ضد أبناء الجنوب العربي!
سكتم أكثر من ثلاثين سنة عن نهب ثروات الجنوب العربي، النفطية والمعدنية والبحرية، وسكتم عن تمرغكم بالفساد ونهب خزائن البلاد، وتهريب السلاح والمخدرات، ودعم وتوجيه التنظيمات الإرهابية وتنفيذ الاغتيالات، وتأتون اليوم تتشدقون بيافطة الوحدة المهترئة حتى لا تفقدوا مصالحكم التي فقدتموها بعد تحرير محافظتي حضرموت والمهرة!
اليوم، تعود بعض هذه النخب للحديث عن «الوحدة» بصيغة نظرية مجردة، في وقت شهد ويشهد فيه الواقع انهيار الدولة والجمهورية المزعومة، وتفكيك مؤسساتها، وغياب أي كيان سلطوي فعلي يمكن الاحتكام إليه بوصفه دولة جامعة، وهو ما يثير تساؤلات مشروعة حول طبيعة هذه الدعوات، ومغزاها السياسي، ومدى اتصالها بالواقع.
كما يبرز سؤال أكثر إلحاحًا حول المواقف العملية من الحوثي، الذي اجتاح صنعاء ومدن الشمال ومؤسسات الدولة، وفرض واقعًا جديدًا بالقوة، في ظل عجز واضح أو غياب فعلي لمقاومة حقيقية وجادة من قبل القوى التي تتبنى اليوم خطاب «الوحدة» دون تقديم مشروع واقعي لاستعادة الدولة المفترضة أو مواجهة مليشيا الحوثي الإجرامية.
إن قضية الجنوب العربي لم تعد مجرد موقف سياسي عابر أو مطالب حقوقية سياسية واجتماعية واقتصادية...إلخ، بل تحولت إلى قضية شعب وصل إلى قناعة راسخة وباتة بضرورة استعادة دولته، وحقه في تقرير مصيره، استنادًا إلى أسس سياسية وقانونية دولية.
فمن غير المقبول تجاهل هذه التضحيات، أو التقليل من عدالة مطالب الجنوبيين، أو التعامل معها بخطاب عاطفي أو غوغائي إنشائي شاذ لا ينتمي إلى الحقيقة الفعلية على الأرض بصلة، ولا يعترف بجذور الأزمة.
فصمت النخب الشمالية الذي استمر لعقود لا يمكن تعويضه بخطاب متأخر، بل متأخر جدًا، والوقت اليوم يفرض مقاربات جديدة، أكثر واقعية، وأكثر احترامًا لإرادة الشعوب وتضحياتهم.
لقد بذل الجنوبيون تضحيات كبيرة، ودفعوا أثمانا باهظة من نفوس وحياة أبنائهم منذ العام 1990م، وحتى اليوم (نهاية ديسمبر 2025م)، كما قدم لكم الدعم في معركتكم بعد العام 2015م، لاستعادة بلدكم من مليشيا الحوثي الحاكم بعاصمتكم صنعاء.
خضنا المعارك نيابة عنكم، بينما أنتم تفرّون من القتال، وترفضون مواجهة من انتهك حرماتكم ودياركم وغرف نومكم.. استحوا وعيب، إن كنت تعرفونه.
الأفضل لكم الصمت عن هذا الإسفاف ضد من مد لكم يده للقتال معكم، اصمتوا عن لغو الكلام وفعل اللئام المُثخن بالمغالطات والأكاذيب والتضليل، وكفوا عن النواح بخطاب وهمي خداع وغادر.. اصمتوا عن الحديث بتحميل الآخرين فشلكم وغدركم وتخاذلكم..
اصمتوا.. فقد صمتم دهرًا وأنتم تشاهدون معاناة الجنوبيين وبلادهم المكلومة، فلا تكونوا اليوم، بعد كل ما حدث ويحدث، مادةً للسخرية والاستهزاء.
