غضون
- عندما بدأت إدارة المعارف في السعودية التخطيط لإنشاء تعليم حديث قادها تفكيرها في عام 1927م إلى إدخال مواد الرسم واللغات والجغرافيا إلى منهج التعليم، وعندما علم رجال الدين السلفيون بذلك عقدوا في مكة اجتماعاً كبيراً ثم خرجوا ببيان يندد بإقدام إدارة المعارف على قرارات “كفرية”.. وقالوا في التفاصيل إن قرار تدريس هذه المعارف يترتب عليه مفاسد وكفريات.. فالرسم هو نوع من التصوير، والتصوير محرم “قطعياً”!.. وتعليم المسلمين اللغات الأجنبية يفتح الباب للوقوف على عقائد الكفار وعلومهم الفاسدة! وفي ذلك ما فيه من أخطار على عقائد وأخلاق أبنائنا! أما مادة الجغرافيا فلا يجوز أن تجد طريقها إلى كتب التعليم، لأن الجغرافيا تقول إن الأرض كروية وإنها تدور وغير ذلك من الكلام عن النجوم والكواكب التي أخذت من علوم اليونان، بينما ذلك كله أنكره علماء السلف، فكيف نسمح بتعليم أولادنا هذا المنكر؟- ولما تطور الخلاف ووصل أمره إلى الملك عبدالعزيز، راح يدرس بيان العلماء وحججهم فوجد فيها ركة وأنها بدون دليل فنبذها جانباً، وعزز بذلك موقف إدارة المعارف.. ومنذ ذلك اليوم نشأ التعليم الحديث في السعودية الذي صار في ميدان العلوم التجريبية راقياً، ولو خضع الملك لرجال الدين وسن حينها سنة الخضوع لما كانت السعودية اليوم سعودية بل صومالاً.- صحيح أن سلطة (آل الشيخ) الوهابية والدينية تعمل إلى جانب سلطة (آل سعود) المدنية أو الحداثية، وصحيح أنه لم يحدث صدام قوي بين السلطتين، إلا أن السلطة المدنية صارت أكثر تأثيراً في المجتمع السعودي بحكم تعاملها الذكي مع قوى تقليدية لا تريد أن تفتح عينيها على مستجدات العصر، بل وتسببت تلك القوى في دفع السلطة المدنية تكاليف باهظة مادية وسياسية جراء انتماء تلك القوى للماضي والتعبد بالنصوص.. وبالمناسبة احترم هذا الانفتاح المتعقل في السعودية في ظل وجود قوى معارضة تمارس دورها بحكمة وتعالج المشكلات من دون استفزاز أو صناعة للعداوات.. بينما المعارضة عندنا تمارس سلوكاً بغيضاً يدفع أشد خصوم السلطة للانحياز إلى جانب السلطة.. المعارضة تمارس سلوكاً مثيراً للفزع ومستنهضاً للقوى الرجعية.